باتت التغيرات التمواصلة التي تشهدها مناطق عديدة من العالم تحدث قلقا متزايدا للعاملين في القطاعات الزراعية ، حيث الجفاف الشديد الذي يجتاح بعض مناطق العالم والأمطار الغزيرة المسببة للفيضانات والسيول المدمرة في مناطق أخرى، بالإضافة إلى زيادة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وبالتالي ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات الأمر الذي ينطوي على احتمال غرق أجزاء من العالم خاصة المناطق الساحلية والمنخفضة.

وأفادت تقارير ودراسات هيئات الأرصاد الجوية أن الفاعل الرئيسي لهذه التغيرات يتمثل في الانبعاثات الكبيرة للغازات الدفيئة، والمتمثلة في غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها والتي تنتج عن الأنشطة البشرية لعمليات التنمية الصناعية والتوسع في الزراعات وإزالة الغابات والتغير في استخدام الأراضي والتي قد تسبب خسائر بشرية واقتصادية فادحة، والتي بدأت إبان الثورة الصناعية في أوروبا والمستمرة حتى الآن، الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة الاحتباس الحراري وحدوث تلك التغيرات المناخية.


التغيرات المناخية مهددة لمناطق زراعية عربية - الرياض - رياض الخميس

حيث توجهت أنظار العالم في الآونة الأخيرة إلى أهمية وخطورة التغيرات المناخية على قدرة الإنسان على الاستمرار في الحياة على ظهر كوكب الأرض حيث تؤثر التغيرات المناخية التي تجتاح العالم بشكل مباشر على كافة أوجه الحياة على هذا الكوكب.

الجفاف وقلة الامطار يضاعفان فاتورة الاستيراد الخارجي.
وقال ل (الرياض) الخبير الاقتصادي والزراعي الدكتور عبدالله الثنيان: يعتبر قطاع الزراعة من أكثر القطاعات التي سوف تتأثر سلبياً بهذه الظاهرة. ومن المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية على إنتاجية الأرض الزراعية بداية من التأثير على خواص الأرض الطبيعية والكيميائية والحيوية ومروراً بانتشار الآفات والحشرات والأمراض وغيرها من المشاكل وانتهاءً بالتأثير على كمية ونوعية المحصول المنتج.

ونتيجة لذلك من المرجح أن يتأثر حجم الإنتاج الزراعي والغذائي سلبياً لدى العديد من البلدان النامية وخصوصاً في البلدان ذات مستويات الدخل المحدودة والمعدلات المرتفعة من الجوع والفقر، نظراً لكونها عُرضةً إلى حد كبير لآثار الجفاف والفيضانات والأعاصير.

وقد ثبت مما لا يدع مجالاً للشك أن تحدي تغير المناخ هو تحدٍ عالمي في أسبابه ونتائجه وحلوله، حيث يقدر أن كل ارتفاع بمقدار درجة مئوية واحدة في حرارة الغلاف الجوى سيخفض النمو الاقتصادي العالمي بما بين 2 – 3 %. ولقد كان للجهود الدولية الحثيثة أثرها في نجاح المجتمع الدولي في إقرار الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ وإدخال برتوكول كيوتو حيز التنفيذ منذ فبراير من عام 2005م لمجابهة تحديات تغير المناخ وتحسين ظروف الحياة وإرساء قواعد التنمية المستدامة على كوكب الأرض.

واضاف في سياق حديثه أن تكيُّف القطاع الزراعي لسياق تغير المناخ وإن كان ينطوي على تكاليف باهظة فإنه يعد أمراً حاسماً للأمن الغذائي وصيانة النظام البيئي. وتشير بعض الدراسات الفنية إلى أن الزراعة في المنطقة العربية معرضة بدرجة كبيرة للتغير المناخي مع خطر انخفاض إنتاج الغذاء بمعدل 50 % إذا استمرت الممارسات الحالية وما يتبعه من آثار كارثية على الأمن الغذائي.

كما سيكون للتغير المناخي تأثير سلبي على المناطق الزراعية الهامشية مما سيزيد من معدلات التصحر، كما يتوقع تغير خريطة التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعية مع انخفاض إمكانية زراعة المناطق الهامشية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ونتيجة لذلك ستتناقص مساحة الرقعة الزراعية وزيادة الجفاف. ويتوقع الباحثون أن حوالي 20-30 % من أنواع النباتات والحيوانات في المنطقة العربية سوف تنقرض إذا ارتفع معدل الحرارة درجة واحدة فقط، وفي اليمن يوجد العدد الأكبر من الأنواع المهددة بالانقراض حيث تبلغ 159 نوعاً، بينما لدى الصومال 17 نوعاً مهددا، ولدى الأردن ومصر والسعودية وغيرها مجتمعة أكثر من 80 نوعا حيوانيا مهددا، بالإضافة إلى غابات الأرز في لبنان وسوريا.


مؤشرات سلبية تهدد إنتاج المحاصيل وتقلص المساحات الخضراء

كما أفاد الباحثون أنه من المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية على إنتاجية الأرض الزراعية، فالزيادة المتوقعة في درجة الحرارة وتغير نمطها الموسمي سيؤدي إلى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل وإنتاجية حيوانات المزرعة من اللحوم والألبان، فمن المتوقع أن تؤدي إلى نقص إنتاجية القمح بمعدل 18% إذا ارتفعت الحرارة 4 درجات مئوية ، وبمعدل 9% إذا ارتفعت الحرارة درجتان مئويتان. أما الذرة الشامية فيتوقع أن تنخفض الإنتاجية بمعدل 19% مع ارتفاع الحرارة بمعدل 3.5 درجة مئوية، أما الأرز فيتوقع انخفاض إنتاجيته بمعدل 11% وعباد الشمس ستنخفض إنتاجيته 30% كمعدل، والبندورة ستنخفض إنتاجيتها 14% مع ارتفاع 1.5 درجة مئوية و51% إذا ارتفعت 3.5درجة مئوية، أما قصب السكر فيتوقع انخفاض إنتاجيته 24.5% .

وتابع الدكتور الثنيان بأن التغير المناخي سيؤدي حتماً إلى زيادة التبخر وبالتالي زيادة استهلاك المياه في كل المجالات خاصة الزراعية. ومن المتوقع زيادة استهلاك القمح للماء بنسبة 2.5% إذا ارتفعت الحرارة بمعدل درجتين، والقطن سيزداد استهلاكه بمعدل 10%، والأرز بمعدل 16%، وعباد الشمس 6%، والذرة الشامية 8%، وقصب السكر 2.3% وسيؤدي إلى انخفاض نصيب الفرد السنوي من المياه وإلى تفاقم مشكلة الأمن المائي بسبب زيادة الاستهلاك.

ولمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية على القطاع الزراعي، فقد اهتمت الدول العربية بضرورة تفعيل سياسات تهدف إلى التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية لتخفيف الأثر السلبي وتحسين الأثر الايجابي ومن هذه السياسات استنباط أصناف جديدة من المحاصيل تتحمل درجات الحرارة المرتفعة والملوحة والجفاف وهي الظروف السائدة في ظل التغيرات المناخية، واستنباط أصناف جديدة ذات موسم نمو قصير لتقليل الاحتياجات المائية وتغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة، وكذلك زراعة الأصناف المناسبة في المناطق المناخية الملائمة لها لزيادة العائد المحصولي من وحدة المياه لكل محصول.

واختتم حديثه بالقول : كما أن هناك مقترحات لوضع برنامج عربي لبحوث التغيرات المناخية والحد من آثارها على قطاع الزراعة ويكون من أهدافه زيادة قدرة القطاع الزراعي على التكيف لمواجهة التغيرات المناخية مع التركيز على المناطق الزراعية الأكثر هشاشة مع تقدير التأثير الكمي للتغيرات المناخية المتوقعة على إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية والاحتياجات المائية الزراعية والآفات والأمراض النباتية والحيوانية. بالإضافة إلى توعية وإرشاد المزارعين وتدريبهم على أساليب الإدارة المزرعية السليمة من حيث مواعيد الزراعة المناسبة والأصناف والعمليات الزراعية من صرف وري وتسميد تحت ظروف المناخ الحالية والمتوقعة والعمل على الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري من مصادرها المختلفة.