دويتشه ﭭيله : تدعم المملكة العربية السعودية وقطر المعارضة السورية. غير أن البلدين يتنافسان من أجل لعب دور قيادي في جامعة الدول العربية. في حين يبقى القاسم المشترك، الحد من نفوذ إيران، التي يرون فيها تهديدا مباشرا لمصالحهم في المنطقة.



خطب طويلة، صور جماعية لمجموعة من الحكام المستبدين وبيان ختامي لا يلقى أهمية كبيرة، هذا هو التصور الذي كان سائدا لعدة عقود عند الرأي العالم العربي حول قمة جامعة الدول العربية. وهو ما يشاطره أيضا الخبير المصري معتز سلامة من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة الذي يرى أن: "جامعة الدول العربية هي عبارة عن تحالف أنظمة وليست تحالفا يمثل الشعوب العربية."

لكن المتغيرات التي أحدثتها ثورات الربيع العربي، تجعل الدور المنتظر من جامعة الدول العربية مختلفا، فقد كان لقرارها بشأن التدخل العكري في ليبيا دورا حاسما في الإطاحة بنظام الدكتاتور العقيد الراحل معمر القذافي. واليوم يشارك في القمة العربية رؤساء جاؤوا للحكم عبر صناديق الاقتراع بعد ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا. لكن تأثير هذه الدول ما يزال ضعيفا، قياسا لدولتي السعودية وقطر لإعتبارات عديدة. ويرى محللون بأن اجتماع الدوحة سيكون بمثابة مقياس حرارة يؤشر لنفوذ الرياض والدوحة ولاسيما فيما يتعلق بالملف السوري الساخن.


مشاركة المعارضة السورية، التي تجلس على مقعد دمشق للمرة الأولى منذ تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011

اجتماع الدوحة مؤشِر مهم
ويُنظر لاجتماع القادة العرب هذا الأسبوع في الدوحة يحظى بأهمية كبيرة، خاصة وأن القرارات التي ستترتب عنه قد يكون لها وقع مهم على مستقبل سوريا والعالم العربي بأسره، فالجلسة الافتتاحية للقمة العربية الرابعة والعشرين التي انطلقت اليوم الثلاثاء (26 آذار/ مارس 2013) في قطر تعرف مشاركة المعارضة السورية، التي تجلس على مقعد دمشق للمرة الأولى منذ تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

ويأتي ذلك في خطوة من شأنها تكريس قطيعة نهائية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وبالإضافة إلى ذلك يبحث القادة العرب في هذه القمة ملفات عدة تتصدرها الأزمة السورية وتسليح المعارضة من أجل مواجهات القوات النظامية. وتأتي هذه القمة بعد حوالي أسبوع فقط من انتخاب المعارضة السورية لحكومة مؤقتة يترأسها غسان هيتو الذي لا يحظى بدعم الجيش السوري الحر المعارض.

ويأمل الفاعلون السياسيون من جميع أنحاء العالم في أن تلعب جامعة الدول العربية دورا رائدا في حل الصراع السوري. ومن جهته دعا الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز مؤخرا جامعة الدول العربية لوقف المجزرة في سوريا. فالحرب الأهلية التي دخلت عامها الثالث في سوريا راح ضحيتها حتى الآن حوالي 70 ألف قتيل وبهذا أضحت الأزمة السورية تهدد السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها. ويضيف الخبير المصري في الشؤون السياسية معتز سلامة بأن جامعة الدول العربية تفتقر لرؤية شاملة وذلك بسبب تباين مصالح الدول الأعضاء، على حد تعبيره:" الدول الرائدة في جامعة الدول العربية وعلى رأسها قطر والسعودية تحاول فرض سياستها والحفاظ على مصالحها عبر الملف السوري."

علاقات متميزة مع الغرب
وقد تعززت هيمنة هذين البلدين على الساحة العربية بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، التي أدت إلى سقوط نظام مبارك في مصر وزعزعة الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى تراجع دور العراق بسبب المشاكل الأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ الغزو الأمريكي. ومنه فإن ضعف وتراجع بعض القوى الإقليمية غير التوازن السياسي وموازين القوى في المنطقة. وعلاوة على ذلك فإن المملكة العربية السعودية وقطر تربطها علاقات جيدة مع الغرب، وخصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية، رغم الانتقادات الدولية التي تتهم البلدين بقمع حرية التعبير وانتهاكات حقوق الإنسان.


عبد العظيم الدفراوي : خبير في شؤون الشرق الأوسط :" سقوط نظام الأسد من شأنه أن يضعف دور إيران في المنطقة."

وتحاول المملكة العربية السعودية عبر جامعة الدول العربية أن تحافظ على التوازن الإقليمي والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. هكذا يشرح عبد العظيم الدفراوي، خبير شؤون الشرق الأوسط خبير في مركز برلين للسياسة والإعلام، الوضع الحالي في المنطقة: "المملكة العربية السعودية ترى في النظام الإيراني تهديدا مباشرا لها ولمصالحها الإستراتيجية، فالحكام السعوديون يشعرون بالقلق بسبب الحكم الشيعي (نفوذ الشيعة على مؤسسات الحكم) في العراق والمتحالف نسبيا مع إيران. ولهذا فإنهم يأملون من إسقاط نظام الأسد إضعاف دور إيران."

وأما دولة قطر الصغيرة، التي تملك قناة الجزيرة ذات التأثير الإعلامي الواسع في العالم العربي، فتحاول(قطر)، على حد تعبير الدفراوي، الدفاع عن مصالحها والحفاظ على سلطتها عبر سياسة خارجية فاعلة. ويضيف الخبير بأن قطر، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 300،000 وتتوفر على ثروة نفطية كبيرة كانت: "دائما تخاف من هيمنة المملكة العربية السعودية." ولذلك فإن قطر تحاول عبر سياستها الخارجية إبراز قوتها وتعزيز نفوذها الإقليمي، "من أجل حماية نفسها من جيرانها إيران والمملكة العربية السعودية، وكذلك ضمان بقاء عائلة آل ثاني في السلطة."

وهو ما يدفع قطر والمملكة العربية السعودية للتنافس من أجل لعب دور ريادي في جامعة الدول العربية. إلا أن البلدين يتفقان على ضرورة الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. وهو ما يجعل العديد من الخبراء السياسيين يعتبرون بأن البلدين يساهمان بشكل كبير في دعم جماعات المعارضة الإسلامية في سوريا ويقومان منذ مدة طويلة بمدها بالأسلحة بغية الحفاظ على مصالحهم المتمثلة في الحد من النفوذ الإيراني.


اتهامات لقطر والسعودية بدعم الجماعات الإسلامية المعارضة في سوريا.

الحد من النفوذ الإيراني
الحد من نفوذ إيران يبدو حسب بعض الخبراء من أهم دوافع البلدين للتدخل في سوريا، فسقوط نظام الأسد من شأنه أن يضعف نفوذ طهران في المنطقة. وفي المقابل، فإن استمرار نظام الأسد من شأنه أن يعزز التحالف بين سوريا وإيران. ويضيف سلامة بأن: "هذا سيعني عودة العدوانية للنظام السوري ضد دول الخليج، وبالتأكيد سيحاول الأسد تصدير المشاكل لهذين البلدين". وقد سبق للرئيس السوري بشار الأسد أن عبر في عدة مناسبات عن نيته في معاقبة دول الخليج بسبب دعمها للمعارضة السورية.

وأما بلدان الربيع العربي التي لازالت مشغولة بمشاكلها الخاصة والتي تراجع تأثيرها في جامعة الدول العربية فتنظر إلى هذا التطور بمشاعر مختلطة.ففي تونس وليبيا ومصر هناك تعاطف شعبي كبير مع أهداف الثورة السورية، غير أن هناك انتقادات ضد تدخل كل من المملكة العربية السعودية وقطر في الشؤون الداخلية لسوريا، حيث يتهمون البلدين بدعم القوى الإسلامية على حساب باقي الأطراف السياسية.

ولهذا يرى الدفراوي أن سياسة البلدين لاتخلو من المخاطر:" فقد سبق للسعودية أن دعمت الجهاديين في العراق، ثم رجعوا ليؤسسوا تنظيمات إرهابية هددت الأمن السعودي."