الميراث بالتقدير : ثانيا : ميراث المفقود
المفقود لغة : بمعنى الضائع ، يقال : فقدت الشيء إذا عدمته أو أضعته ، كقول العرب " فاقد الشيء لا يعطيه " ، و قوله تعالى : (( قالوا نفقد صواع الملك ...)) يوسف 72 .
المفقود شرعا : هو الغائب الذي انقطع خبره و خفي أثره و جهل مكانه و لا تعرف حياته أو مماته .
حكم المفقود :
جعل الفقهاء للمفقود أحكاما : فلا تزوّج امرأته ، و لا يورّث ماله و لا يتصرف في استحقاقه إلى أن يعلم حاله و يظهر أمره من موت أو حياة ، أو تمضي مدّة يغلب على الظن أنه مات فيها و يحكم القاضي بموته ، فقد أثبتوا له الحياة هنا باستصحاب الحال الذي هو " بقاء الأصل حتى يثبت خلافه " لقول علي ـ رضي الله عنه ـ في امرأة المفقود : (( هي امرأة ابتليت فلتصبر ، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته )) .
المدة اللازمة لاعتبار المفقود ميتا :
اختلف الفقهاء في ذلك :
1) ذهب أبو حنيفة إلى أن المفقود لا يعتبر ميتا إلاّ بوفاة جميع أقرانه ، و حدد بعض الحنفية المدة بتسعين سنة ، و هناك رأي آخر لهم يفيد بأن المدة متروكة لرأي الإمام و اجتهادة .
2) و يرى الإمام مالك أن المدة هي سبعين سنة استنادا لما روي في الحديث المشهور : (( أعمار أمتي بين الستين و السبعين )) ، و يروى عنه : " أن من فقد في دار الإسلام و انقطع خبره كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى الحاكم فيبحث عنه في مظنّات وجوده بكل الوسائل التي يمكن بها معرفة حاله ، فإن عجز ضرب للزوجة أجلا و هو أربع سنوات فإذا انتهت اعتدت عدّة وفاة و حلّ لها بعد ذلك الزواج بغيره " .
3)و الرأي الصحيح عند الشافعي أن المدّة لا تقدّر بزمن معيّن ، بل إذا ثبت لدى القضاء موته فإنّه يجتهد و يحكم بموته بعد انقضاء المدة التي لا يعيش فوقها غالبا .
4)أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين حالين :
أ ـ حالة الغياب في ظروف عادية : كمن سافر للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم فإنّ حياة الشخص يحتمل بقاؤها رغم طول الغياب ، و لذلك لا نعتبره ميتا إلاّ إذا مضت مدّة لا يمكن احتمال حياته بعدها ، و هذا متروك لاجتهاد القاضي .
ب ـ حالة الغياب في ظروف استثنائية : كمن سافر في سفينة غرقت أو مات بعض ركابها و نجا البعض الآخر و لم تعرف أخبارهم ، أو من كان في صفوف القتال و انتهت المعركة و لم يعد منها ، فينتظر أربع سنوات من تاريخ غيابه فإذا لم يتبين أمره و لم يظهر اعتبر ميتا و لا داعي لصدور حكم قضائي لذلك .
و لعل رأي الحنابلة في هذا الأمر هو الأرجح و هو الذي اختاره " الزيلعي " من فقهاء الحنفية و كثيرون غيره ، و هو أن يفوّض تحديد المدة إلى رأي الإمام .
أحكام ميراث المفقود :
قد يكون للمفقود مال ، و قد يكون له حقّ ميراث عند غيره :
أولا : الميراث من مال المفقود :
القاعدة المقررة فقها أن المفقود بالنسبة لأمواله يعتبر حيّا مدّة فقده باستصحاب الحال حتى تقوم البيّنة على وفاته ، أو يحكم القاضي بوفاته ، فلا يقسّم ماله بين الورثة ، و ينفق القاضي من ماله على زوجته و أصوله و فروعه فقط ، و ينصّب وكيلا عنه يقبض ديونه و يحفظ ماله .
ثانيا : ميراث المفقود من غيره :
يرث المفقود على رأي الجمهور عدا الحنفية ، و ميراثه من الغير يكون بطريق التقدير من باب الاحتياط ، فتقسّم التركة على أساس أنّه حي و يوضع نصيبه في يد أمينة ، فإن ظهر حيّا أخذ نصيبه ، و إن كان ميتا و تأكدنا من موته ننظر إلى تاريخ الوفاة :
أ ـ فإن كان تاريخ موت المفقود بعد موت مورّثه : فإن المفقود يستحق هذه الحصّة من التركة التي حجزناها له ، ثمّ توزع على ورثته ـ أي ورثة المفقود ـ .
ب ـ و إن كان تاريخ موت المفقود سابق عن موت مورّثه : فإن لا يستحق شيئا و يرد ما حجزناه له على ورثة المورّث لا على ورثة المفقود .
ج ـ إما إذا لم تتبيّن حياته و لا وفاته و حكم القاضي بوفاته : فتاريخ الحكم ليس هو تاريخ وفاة المفقود ، و لكن تاريخ وفاته هو بداية غيابه ، فإن كان تاريخ غيابه بعد وفاة مورّثه حجز له نصيبه ، و إن كان تاريخ غيابه قبل وفاة مورّثه لم يرث شيئا .
ظهور المفقود بعد الحكم بوفاته :
إذا حكم القاضي بموت المفقود حكما اجتهاديا على ما ترجّح لديه من القرائن و الأحوال و الظروف يرث ورثته من تاريخ الحكم فقط ، فإذا ظهر المفقود حيّا بعد الحكم بوفاته و قسّمت تركته بين ورثته ردّ إليه ما بقي من أمواله في أيدي ورثته ، و أما ما هلك من أمواله في أيديهم أو استهلكه الورثة فلا يرجع عليهم بشيء من ذلك ، لأن الورثة تملّكوه بحكم قضائي و تصرّفوا فيه بمقتضى هذا الحكم ، فالحكم في هذه الحالة مثبّت للوفاة و منشئ لها ، و ليس مظهرا للموت الذي وقع و حدث قبل صدور الحكم .
تأثير المفقود على بقية الورثة :
1) من يتساوى نصيبه عند تقدير المفقود حيّا و ميّتا : أخذ نصيبه .
2) من يختلف نصيبه عند تقدير المفقود حيّا و ميّتا : يعطى أقلّ النصيبين .
3) من يرث في حالة تقدير المفقود ميّتا دون كونه حيّا : توقف التركة بأكملها إلى أن يتبيّن حال المفقود .
طريقة استخراج نصيب المفقود :
إذا كان المفقود هو الوارث الوحيد وقفت له التركة كلّها ، أما إن كان معه ورثة آخرون تقسّم التركة على افتراضه حيّا ، ثمّ تقسّم مرّة ثانية على افتراضه ميّتا ، ثم ينظر في أنصبة الورثة الذين يرثون معه فيعطى كل وارث أقلّ مقدار من الفرضين و يحفظ الفارق بين الأنصبة ، و يحفظ للمفقود نصيبه على أساس أنّه حيّ ، فإن ظهر حيّا أخذه ، و إن حكم بموته قسّم نصيبه على من يستحقه من الورثة مع النظر إلى وقت وفاته مع وفاة مورّثه .
مثال : هلك عن : زوجة و بنت و ابن مفقود و أخا شقيقا ، و ترك 48000 ريالا .
أ ـ حل المسألة على اعتبار المفقود حيّا :
الزوجـــــــــة : 1/8 لوجود الفرع الوارث .
البنت + الابن ( المقود ) : الباقي تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .
الأخ الشقيــــــق : محجوب بالابن .
أصل المسألة : 8
الزوجـــــــــة : 1
البنت + الابن ( المفقود ) : 7
نلاحظ أن عدد أسهم الأبناء ( 7 ) لا تقبل القسمة على عدد الرؤوس ( 3 ) ، و بينهما تنافر ، فنضرب عدد الرؤوس ( 3 ) في أصل المسألة ( 8 ) و منه تصح ، فيكون أصل المسألة الجديد هو : 24 .
الزوجـــــــــــــــــــــــــــــــة : 3
البنت + الابن ( المفقود ) : 21 ، للابن 14 سهما ، و للبنت 07 أسهم .
قيمة السهم : 48000 : 24 = 2000 ريال .
نصيب الزوجــــــــــــــــة : 3 * 2000 = 6000 ريال .
نصيب الابن ( المفقود ) : 14 * 2000 = 28000 ريال .
نصيب البنـــــــــــــــــــت : 07 * 2000 = 14000 ريال .
ب ـ حل المسألة على اعتبار المفقود ميّتا :
الزوجــــــــة : 1/8 لوجود الفرع الوارث .
البنــــــــــــت : 1/2 لانفرادها و انعدام المعصب لها .
الأخ الشقيق : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 8
الزوجــــــــة : 1
البنــــــــــــت : 4
الأخ الشقيق : 3
قيمة السهم : 48000 : 8 = 6000 ريال .
نصيب الزوجــــــــة : 1 * 6000 = 6000 ريال .
نصيب البنــــــــــــت : 4 * 6000 = 24000 ريال .
نصيب الأخ الشقيق : 3 * 6000 = 18000 ريال .
بالمقارنة بين الحلّين يلاحظ بأن نصيب الزوجة في الحلّين هو نفسه لم يتغير ( 6000 ريال ) و عليه تأخذه و تنصرف .
و يلاحظ أن نصيب البنت في الحل الأول على افتراض أن المفقود حيّ هو ( 14000 ريال ) و نصيبها على اعتبار أن المفقود ميت هو ( 24000 ريال ) ، فتأخذ أسوأ النصيبين و هو ( 14000 ريال ) .
أما الأخ الشقيق فهو قد ورث على اعتبار أن المفقود ميّت ، و لم يرث على اعتبار حياته ، و بالتالي يوقف نصيبه و لا يعطى شيئا .
أما المفقود فيوقف له نصيبه و هو ( 28000 ريال ) ، فإن تبين حيا بعد ذلك أخذه ، فإن استمر حاله كذلك حتى حكم بوفاته ، أو تبيّن أنه توفي قبل وفاة المورّث أخذت البنت الفارق بين نصيبها عند كونه حيا و عند كونه ميتا و هو يساوي ( 10000 ريال ) .
و أخذ الأخ الشقيق نصيبه على اعتبار وفاة المفقود و هو يساوي ( 18000 ريال )
مواقع النشر