المسألة المشتركة


من القواعد المتبعة في علم الميراث عند قسمة التركة أن نبدأ بأصحاب الفروض ثم بالعصبات ، فيقدم أصحاب الفروض على العصبات عملا بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر )) .
و المسألة المشتركة قد خرجت عن هذه القاعدة ، و أول ما عرفت هذه المسألة في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ و بالتحديد في السنة الثانية من خلافته ، حيث عرضت عليه مرتين فأفتى في كل مرة بإفتاء مخالف للآخر و على كل افتاء زمرة من الصحابة و التابعين .


صورة المسألة :و صورتها أن تموت امرأة عن : زوج و أم و أخوين لأم فأكثر و أخ شقيق فأكثر سواء وجد معه أخوات أم لا ، و لتتضح المسألة أكثر نقول توفت عن : زوج و أم و أخوين شقيقين و أختين شقيقتين و ثلاث إخوة لأم .


خلاف الفقهاء فيها :


نشأ الخلاف بين الصحابة أنفسهم في هذه المسألة و نشأ عنه الخلاف بين الفقهاء فذهبوا في توريثهم إلى مذهبين :


المذهب الأول : لما عرضت المسألة على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أول الأمر أعطى للزوج النصف ، و للأم السدس ، و للإخوة لأم الثلث ، و لا شيء للإخوة الأشقاء ، و على هذا الرأي : علي بن أبي طالب و أبي بن كعب و أبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنهم ـ و به قال أبو حنيفة و أحمد بن حنبل و ابن أبي ليلى و أبو ثور و داود ـ رحمهم الله ـ و غيرهم .


المذهب الثاني : و لما عرضت المسألة على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في السنة الثانية قضى بمثل ما قضى به أول عام فالتفت إليه الشقائق و قالوا : " يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ألسنا بني أم واحدة ؟ فهل زادنا الأب قربا ؟؟ فقال : صدق و أشرك بينهم "
و قيل له : " بأنك قضيت عام أول بخلاف هذا ؟ فقال : تلك ما قضينا و هذه على ما نقضي "
و قيل أن الأخ الشقيق احتج عليه قائلا : " إن الإخوة لأم ورثوا الثبث بأمهم و هي أمي ، هب أن أبانا كان حمارا أو حجرا ملقى في اليم ، أليست الأم تجمعنا " و لذا تسمى بالحمارية و الحجرية و اليمّية ، كما تسمى بالعمرية لإفتاء عمر ـ رضي الله عنه ـ أو المشتركة لاشتراك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث .
و على هذا الرأي عثمان بن عفان و زيد بن ثابت ـ رضي الله عنهما ـ و به قال قمر بن عبد العزيز و سعيد بن المسيب و ابن سيرين ، و هو مذهب مالك و الشافعي ـ رحمهم الله جميعا ـ .


أدلة كل مذهب :


أ ـ أدلة المذهب الأول :
1) أن الإخوة الأشقاء عصبة و لا شيء لهم إذا أحاطت فرائض ذوي السهام بالميراث ، و ذلك لأن العصبة معرضون دائما للسقوط عند عدم بقاء أي شيء لهم ، و لا يرثون إلا بعد أخذ أصحاب الفروض أنصبتهم .
2) أن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه و أسس ذلك على صفات و بناه على أسباب ، لذا لا يصح إعطاء من لم يكن له هذا السبب أو لم تتوفر فيه تلك الصفة ، و إلا خالف صاحبه القرآن ، و الثلث فرض الإخوة لأم لذا فلا يشرك فيه الإخوة الأشقاء لأن قرابتهم بالميت ليست الأم وحدها بل الأب أيضا ، لذا فقرابتهم أقوى و توريثهم بميراث الإخوة لأم نقل من الأقوى إلى الأضعف و هو من الميراث بالتعصيب إلى الميراث بالفرض .
3) كما استدلوا أيضا بالحديث : (( ألحقوا الفرائض بأهلها )) و إشراك الشقيق مع الذي لأم لا يعتبر إلحاقا للفرائض بأهلها ، لأنك بالإشراك قد منحت جزء من ميراث الإخوة لأم للأخ الشقيق ، و هذا يعتبر إنقاصا لصاحب الفرض دون مبرر .
4) كما استدلوا بالإجماع أيضا ، حيث قالوا : إن الإجماع منعقد على أنه لو كان في المسألة ولد واحد لأم و عدد كبير جدا من الإخوة الأشقاء كالثلاثين مثلا فإن الأخ لأم ينفرد وحده بسدس التركة ، و هم كلهم يأخذون ذلك الباقي ، فهو في هذه الحالة يفضلهم كثيرا بحيث أن الواحد منهم إلى جانبه لا يأخذ إلا شيئا رمزيا من التركة و ذلك بالمقارنة معه ، و مع هذا لم يقل أحد بإشراكهم معه .


ب ـ أدلة المذهب الثاني :
1) إن الإخوة الأشقاء يشاركون الإخوة لأم في سبب ميراثهم و هو الإدلاء بواسطة الأم ، و ما داموا قد اشتركوا في السبب وجب أن يشتركوا في الميراث .
2) إن الميراث مبني على قواعد من بينها تقديم الأقوى على الأضعف ، و أدنى أحوال الأقوى هو مشاركته للأضعف ، أما سقوطه به فهو غير معقول و غير مقبول ، و من هنا فإنه يمكن القول بأن مشاركة الإخوة الأشقاء للإخوة لأم أمر طبيعي و منطقي ، لأن الإخوة الأشقاء في قرابتهم بالمورث قوة تجعلهم أحق بالميراث من الإخوة لأم ، أما و إنه لم يبق شيء لهم يرثونه فيشاركون الإخوة لأم على الأقل و هذا أضعف الإيمان .
و من هنا تتضح وجاهة رأي المذهب الثاني ، و هو المعتمد الذي سارت عليه المحاكم الشرعية


شروط كون المسألة مشتركة :


لكون المسألة مشتركة أربعة شروط :
الشرط الأول : أن يكون في المسألة زوج صاحب نصف فرضا ، لأنه لو كانت زوجة لأخذت الربع و بالتالي يبقى للإخوة الأشقاء شيء يرثونه .
الشرط الثاني : أن تكون في المسألة صاحبة سدس من أم أو جدة ، مع العلم أن بأن الواقعة التي وقعت في عهد الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ لم تكن فيها الأم بل كانت الجدة محلها .
الشرط الثالث : وجود عدد من الإخوة لأم ليرثوا الثلث ، لأنه لو لم يكن هناك عدد من الإخوة لأم لأخذ الواحد منهم السدس و بالتالي سيبقى شيء للإخوة الأشقاء يرثونه.
الشرط الرابع : وجود أخ شقيق أو متعدد مع أخت واحدة أو أخوات شقيقات ، فالمهم هو وجود من يرث بالتعصيب لا بالفرض لأنه لو كانت أخت شقيقة وحدها لعالت المسألة و ورث الإخوة الأشقاء .


المسألة : هلكت عن : زوج و أم و أخوين شقيقين و أختين شقيقتين و ثلاث إخوة لأم .
للزوج : النصف فرضا لانعدام الفرع الوارث .
للأم : السدس فرضا لوجود العدد من الإخوة .
الإخوة لأم + الإخوة الأشقاء : شركاء في الثلث .


قال صاحب الرحبية :


و إن تجد زوجــــــا و أمــّا ورثا*** و إخــــوة للأمّ حازوا الثلثــــــــــا
و إخـــــــــــــوة أيضــا لأمّ و أب*** و استغرقوا المال بفرض النّصـب
فاجعلهـــــــــــــــــــم كلّهـــــم لأمّ *** و اجعل أباهم حجرا في اليــــــــــمّ
و اقسم على الإخوة ثلث التركة*** فهذه المسألـــة المشتركــــــــــــــــة
ملاحظة : قد تجدون في بعض كتب الفقه مصطلحات خاصّة بالإخوة :
بنو الأعيـان : الإخوة الأشقاء و الأخوات الشقيقات .
بنو العـلاّت : الإخوة لأب و الأخوات لأب .
بنو الأخياف : الإخوة لأم و الأخوات لأم .