ثامنا : ميراث الـجــدّة


الجدة المقصودة هنا هي الجدة الوارثة ، أي التي لها نصيب من الميراث .
فالمالكية لا يقرون الميراث إلا لصنفين فقط من الجدات و هما : الجدة لأم أي ( أم الأم) ، و الجدة لأب أي ( أم الأب) و أمهاتهما ، قال مالك ـ رحمه الله ـ : " لم نعلم أحدا ورّث غير جدتين منذ كان الإسلام إلى اليوم " و ذلك استنتاجا من أحوال توريث الجدة ، حيث كما يقول مالك : " أنه بلغني أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورّث الجدة ، ثم سأل أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عن ذلك حتى أتاه الثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه ورّث الجدة فأنفذه لها ، ثم أتت الجدة الأخرى إلى ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال لها : " ما أنا بزائد في الفرائض شيئا ، فإن اجتمعتما فهو بينكما و أيتكما خلت به فهو لها " " .
و غير هاتين لم يثبت حق لهن و لا ذكرهن عمر ـ رضي الله عنه ـ في قضائه لأنه ذكر الجدتين بالتثنية مما يدل على اختصاص الحكم بهما .
و هذا ما قال به زيد قبل ذلك .


و هناك من يرى بتوريث أكثر من اثنتين كالثلاثة كما هو عند الحنابلة ( أم الأم و أمهاتها المدليات بها بمحض الإناث ، و أم الأب و أم أبي الأب و لا ترث إن أدلت بثلاث ذكور كأم أبي أبي الأب ) .


و قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ بتوريث أربع جدات ( أم الأم ، و أم الأب ، و أم أبي الأب ، و أم أبي الأم ) و بهذا الرأي أخذ الحسن و ابن سيرين .


و نصيب الجدة لا يزيد عن السدس مهما كانت و مهما تعددت إلا أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كان ينزل الجدة منزلة الأم عند فقدها و بالتالي يورثها الثلث عند كون الأم مستحقة لذلك ، و يورثها السدس عند كون الأم مستحقة لذلك ، و به أخذ الظاهرية .


فالجدة يطلق عليها بالأم المجازية عند صيرورتها وارثة ، ولها صورتان في الميراث :


الصورة الأولى : السدس فرضا :
و يكون للجدة الواحدة أي ( أم الأب) ، أو ( أم الأم ) ، إذا انفردت أيّ منهما بأن كانت واحدة فإن كانت أكثر من واحدة بأن كن اثنتين اشتركتا فيه أيضا و اقتسمتا ذلك السدس شريطة اتحاد الدرجة بينهن ، فإن كانت إحداهما أقرب درجة حجبت التي أبعد منها درجة إن كانت أبوية ، حيث أن المالكية يقولون أن ( أم الأب ) أي الجدة الأبوية إن كانت أقرب درجة لا تحجب ( أم لأم ) الأبعد منها درجة ، ذلك لأن ( أم الأم ) هي جدة أصيلة أما ( أم الأب ) فإنها محمولة على أم الأم فقط .


مثال 1 : هلك عن : جدة هي أم الأم ، بنت ، ابن .
الجدة : السدس فرضا .
الابن + البنت : الباقي تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .


مثال 2 : هلك عن : جدة أم الأم و جدة أم الأب و زوجة و أخا شقيقا .
الجدتان : السدس فرضا تقتسمانه على السواء بينهما .
الزوجة : الربع فرضا لعدم وجود الفرع الوارث .
الأخ الشقيق : الباقي تعصيبا .


مثال 3 : هلك عن جدة أم الأم ، جدة أم أم الأب .
الجدة ( أم الأم ) : السدس فرضا .
الجدة ( أم أم الأب ) : لا شيء لها لأنها أبعد منها درجة .


الصورة الثانية : الحجب :
1) الجدة كما قلنا هي أم مجازية و منطقيا أن أول من يحجب الجدة ( أم الأم ) هي الأم الحقيقية ، لإدلائها بها من ناحية ، و لأن سبب ميراث كل منهما واحد وهو الأمومة ، حيث عند اتحاد السبب يقدم الأقرب على الأبعد من ناحية ثانية .


2) كما تحجب الجدة ( أم الأب ) بوجود الأب و هو ابنها ، وهذا يتماشى مع القاعدة " كل من أدلى إلى الميت بواسطة حجبته تلك الواسطة إذا وجدت " فالجدة قد أدلت إلى الميت بابنها فوجدوه يحجبها ، و هذا ما ذهب إليه زيد و وافقه على ذلك مالك و الشافعي و أبو حنيفة .
أما ابن مسعود و من سار على نهجه كابن سيرين و شريح و أحمد فإنهم لا يحجبونها بالأب ، و لكن الراجح هو حجبها تماشيا مع قواعد الميراث .


3) كما أن الجدة القربى تحجب الجدة البعدى و إن كان هذا لا ينطبق عند المالكية إلا على الجدة ( أم الأم ) في حجبها للجدة ( أم الأب ) .
أما الجدة ( أم الأب ) فإنها لا تحجب الجدة ( أم الأم ) و إن كانت أقرب منها درجة ، لأن الأصل في ميراث الجدات هو الجدة لأم لا الجدة لأب ، كذلك أيضا إذا كان الأب لا يحجب الجدة من جهة الأم ، فالجدة التي تدلي به لا تحجبها من باب أولى .


مثال : هلك عن : أم و جدة ( أم الأم ) و بنت و زوجة .
الأم : السدس فرضا لوجود الفرع الوارث .
البنت : النصف فرضا لانفرادها و انعدام العصب لها .
الزوجة : الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث .
الجدة ( أم الأم ) : محجوبة بالأم لإدلائها بها من ناحية و لوجود الأم الحقيقية من ناحية ثانية


دليل ميراث الجدّة :
لا يوجد نص في القرآن الكريم يخص حالة الجدة في الميراث ، لكن ثبت لها ذلك بالسنة النبوية ، ثم انعقد الإجماع على ذلك ، و وردت أحاديث كثيرة بشأن ميراث الجدة حيث روى سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ : (( أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم )) .
كما روي عنه أيضا : (( أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أطعم السدس ثلاث جدات )) .
كما أن قضاء أبو بكر و عمر ـ رضي الله عنهما ـ بذلك يعتبر دليلا ، روى أصحاب السنن عن قبيصة بن ذؤيب قال : (( جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ تسأله ميراثها فقال لها : مالك في كتاب الله شيء و ما علمت لك في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا فارجعي حتى أسأل الناس ؟ فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ : حضرت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟ فقال محمد بن مسلمة الأنصاري مثل ما قال المغيرة بن شعبة ، فأنفذه لها أبو بكر الصديق . قال : ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تسأله ميراثها ، فقال : مالك في كتاب الله عزوجل شيء ، و ما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك ، و ما أنا بزائد في الفرائض شيئا ، و لكنه ذلك السدس ، فإن اجتمعتما فهو بينكما و أيّتكما خلت به فهو لها )) .