الرياض (واس) وسط أروقة الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان)، وبين المسارات التي تتعانق فيها الحرف من أربعين دولة، يجذب جناح صغير أنظار الزوار بصوت الألحان الينبعاوية الشهيرة وهي تنساب بخفة عبر المكان, هناك، يجلس يوسف أبو لَبَن خلف معمله، بابتسامته الهادئة التي توحي بتاريخ طويل من الصبر والحب، وبيديه التي تعرف الطين كما يعرف القلب نبضه.

27 جمادى الأولى 1447هـ 18 نوفمبر 2025م
ورث الحرفي يوسف هذه المهنة عن جده منذ أن كان طفلًا، حين كان يقف في زاوية الورشة الصغيرة في المدينة المنورة، يراقب كيف تتحول الكتلة الطينية بين يدي الجد إلى إناء، وكيف يصبح الإناء حكاية، ومنذ ذلك اليوم، لم يفترق عن الطين، حتى تجاوز اليوم خمسين عامًا من العمل المتواصل، صنع خلالها آلاف القطع، واحتفظ بكل قطعة بذاكرة لا تزال تعيش في تفاصيل أصابعه.

في "بنان"، الذي تنظمه هيئة التراث ليكون منصة دولية تحتفي بالحرف التقليدية، وتعزز حضور الحرفيين، يحضر الحرفي يوسف بتاريخه العائلي الطويل ليكون أحد أبرز وجوه المعرض, حيث لا يكتفي بعرض معروضات جاهزة، ولا بتزيين الجناح بقطع مزخرفة، بل يختار أن يعيش الزائر معه التجربة كما عاشها هو أول مرة، يجلس أمام دولاب الفخار، يغمس يديه في الماء، ويبدأ بتشكيل الطين على مهل؛ ليصنع قطعة جديدة أمام العيون، قطعة تضاف إلى مخزونه من الحرفة والصناعة، وإلى مخزون الوطن من الإرث الخالد.

الأطفال هم الأكثر انجذابًا إلى جناحه، يقتربون بفضول، يحدّقون في حركة الدوران، وفي يديه وهما ترتفعان وتنخفضان بتناسق لا يعرف التوقف، ومع كل قطعة ينجزها، يمد يوسف يده ليهديها لطفل يقف بجواره، وكأنه يودع القطعة بيدٍ، ويمنحها الحياة بيدٍ أخرى، تضيء وجوه الأطفال، وتعلو أصوات فرحهم، فيما ترتسم على وجهه ابتسامة رجل يعرف تمامًا معنى أن تُسلم الحرفة إلى الجيل القادم.

ومع حضور الدول المشاركة وعروض الحرفيين العالميين، يظل مشهد "الحرفي" إحدى اللحظات الأكثر قربًا من روح التراث كما أرادت لها هيئة التراث؛ تراثٌ حي لا يُعرض فقط، بل يُمارس أمام الزوار، ويُقدّم بينهم بصدق وبساطة، ويُدفَع إلى المستقبل بأيدي الأطفال الذين يعودون إلى بيوتهم حاملين أول قطعة فخار في حياتهم.

وعبر "بنان"، لا يقدم الحرفي يوسف الفخار فحسب، بل يقدم درسًا في احتراف وصون الموروث، وفلسفة كاملة عن الجمال الذي يُولد من الطين، خمسون عامًا من العطاء تجعله اليوم شاهدًا على القيم التي تبنيها الحرف، وصوتًا ينبض من الماضي ليجد مكانه الطبيعي في حاضر الثقافة السعودية ومستقبلها.

27 جمادى الأولى 1447هـ 18 نوفمبر 2025م
ورث الحرفي يوسف هذه المهنة عن جده منذ أن كان طفلًا، حين كان يقف في زاوية الورشة الصغيرة في المدينة المنورة، يراقب كيف تتحول الكتلة الطينية بين يدي الجد إلى إناء، وكيف يصبح الإناء حكاية، ومنذ ذلك اليوم، لم يفترق عن الطين، حتى تجاوز اليوم خمسين عامًا من العمل المتواصل، صنع خلالها آلاف القطع، واحتفظ بكل قطعة بذاكرة لا تزال تعيش في تفاصيل أصابعه.

في "بنان"، الذي تنظمه هيئة التراث ليكون منصة دولية تحتفي بالحرف التقليدية، وتعزز حضور الحرفيين، يحضر الحرفي يوسف بتاريخه العائلي الطويل ليكون أحد أبرز وجوه المعرض, حيث لا يكتفي بعرض معروضات جاهزة، ولا بتزيين الجناح بقطع مزخرفة، بل يختار أن يعيش الزائر معه التجربة كما عاشها هو أول مرة، يجلس أمام دولاب الفخار، يغمس يديه في الماء، ويبدأ بتشكيل الطين على مهل؛ ليصنع قطعة جديدة أمام العيون، قطعة تضاف إلى مخزونه من الحرفة والصناعة، وإلى مخزون الوطن من الإرث الخالد.

الأطفال هم الأكثر انجذابًا إلى جناحه، يقتربون بفضول، يحدّقون في حركة الدوران، وفي يديه وهما ترتفعان وتنخفضان بتناسق لا يعرف التوقف، ومع كل قطعة ينجزها، يمد يوسف يده ليهديها لطفل يقف بجواره، وكأنه يودع القطعة بيدٍ، ويمنحها الحياة بيدٍ أخرى، تضيء وجوه الأطفال، وتعلو أصوات فرحهم، فيما ترتسم على وجهه ابتسامة رجل يعرف تمامًا معنى أن تُسلم الحرفة إلى الجيل القادم.
ومع حضور الدول المشاركة وعروض الحرفيين العالميين، يظل مشهد "الحرفي" إحدى اللحظات الأكثر قربًا من روح التراث كما أرادت لها هيئة التراث؛ تراثٌ حي لا يُعرض فقط، بل يُمارس أمام الزوار، ويُقدّم بينهم بصدق وبساطة، ويُدفَع إلى المستقبل بأيدي الأطفال الذين يعودون إلى بيوتهم حاملين أول قطعة فخار في حياتهم.

وعبر "بنان"، لا يقدم الحرفي يوسف الفخار فحسب، بل يقدم درسًا في احتراف وصون الموروث، وفلسفة كاملة عن الجمال الذي يُولد من الطين، خمسون عامًا من العطاء تجعله اليوم شاهدًا على القيم التي تبنيها الحرف، وصوتًا ينبض من الماضي ليجد مكانه الطبيعي في حاضر الثقافة السعودية ومستقبلها.


أقسام درة ،،،







