• ◘ التاريخية

    وَأَذِّنْ معارض وحضور
  • قبور فرزان: شاهدٌ على أمة

    فرزان (فريق الصحراء) زيارة الاثار الغريبة دائماً ممتعة لكن ليس افضل من رحلة يقودها خبير في الآثار، فكيف اذا كان مضيفنا ومرشدنا هو المشرف على التنقيب في الموقع ممضياً 3 سنوات بين آثاره وهنا ينطبق المثل: على الخبير عثرت.



    كانت دعوة كريمة من أ. د. عبد العزيز الغزي لمعاينة هذه الآثار الغريبة والتي يعد اكتشافها حلقة مهمة لفهم تاريخ الجزيرة العربية وسيغير هذا الكشف من كثير من المفاهيم حول استقرار الانسان وحضارته في وسط الجزيرة العربية. وسيتم نشر نتيجة هذه الأبحاث قريباً في كتاب يصدر عن دارة الملك عبد العزيز.

    تقع هذه الآثار في منطقة فرزان.و فرزان هي تلال (حزوم) تقع في مدخل منطقة الخرج من الشمال وهذه التلال تشرف على وادي نساح وتطل على منخفض”جو” ومنها ترى معالم الخرج بسهولة تشاهد نخيل السلمية واليمامة شرقاً ومرتفعات الدام حيث العيون جنوباً ومزارع الهياثم والمنصف غرباً.

    هذه الآثار ظاهرة على الأرض ويعرفها أهل المنطقة منذ القدم لكن لم يعرف كنهها بالضبط حتى تم تنقيب المنطقة من قبل فريق الغزي



    كان أول من لفت الانتباه الى وجودها هو فلبي عام 1336هجري، كان فلبي في رحلة استكشافية مدعومة من الملك عبد العزيز وعنما قابل فلبي الامام عبد الرحمن لوداعه أوصاه الامام بتفقد عين فرزان وقنواتها ليبدي مقترحاته حول استغلالها ولوقوع العين قرب الآثار فقد وقعت عينا فلبي على هذه الركامات الحجرية الدائرية مصادفة وبالطبع قدّر أهميتها لكنه ظنها آثار مساكن ولم يخطر بباله أنها مقابر حتى قدمها في الجمعية الجغرافية الملكية فصحح له هوقارث هذا الخطأ بناءً على خبرة الأخير في مشاهدة قبور مشابهة في البحرين.

    هذا الموقع بعد اتكشافه أثرياً من قبل الغزي قد يعيد كتابة تاريخ الجزيرة العربية في فترة ماقبل التاريخ.كانت النظرية السائدة انه لم يكن في نجد أي حضارة او مستوطنات دائمة بل مجرد أناس يعيشون على الصيد او مساكن حجرية موسمية.وكان يظن ان حضارات شرق الجزيرة هي الأولى في الظهور.لكن آثار فرزان كما اوضحت اعمال التنقيب تشير بصورة واضحة الى حضارة مستوطنة و مهمة وقوية في الألف الرابعة قبل الميلاد.



    السؤال: هل هذه الحضارة هي الأصل ثم امتدت الى هجر ويبرين والبحرين أم لا؟

    بدأت رحلتنا فجر الخميس السادس من شهر ذو الحجة كان لنا موعد مع ثلة من المهتمين بالآثار بقيادة أ. د. الفاضل عبد العزيز بن سعود الغزي رئيس قسم الاثار بجامعة الملك سعود الذي ألح على استضافتنا في بيته الثاني الذي قضى فيه اكثر من ثلاثة أعوام مشمراً عن ساعديه في اكتشاف وتنقيب جبل فرزان، او كما يسمى أبرق فرزان القريب من العفجة الواقعه في محافظة الخرج بمنطقة الرياض والتي تزخر بالعديد من مظاهر الحضارة القديمة.



    تمتد هذه القبور الحجرية الركامية على شكل شريط ضيق طوله أكثر من 12كم من الشرق الى الغرب وبعرض يقارب كم واحد،،، يمكن مطالعة الموقع من قوقل أرض عبر هذا الرابط

    وهذه لقطات من قوقل الأرض تصور كثافة القبور وقد تناثرت في سفوح وعلى ظهور مرتفعات فرزان… لاحظ ان بعضها شريطي الشكل كما سنذكر لاحقاً.



    عندما أقبلنا على الموقع وقبل مدخل محافظة الخرج بعشرين كلم اتجهنا يميناً لتستقبلنا استراحات العفجة ومرتفعات فرزان وهذه الاستراحات المبنية حديثاً استولت على كثير من انحاء فرزان بما فيها الاثار نفسها.



    وزادنا حيرة عندما وقفت سيارة عبد العزيز بالقرب من الاستراحات والمزارع ونزل مبتسماً يشير الى الأرض الاثرية المهملة، وكانت الصدمة! فالمنشئات الصخرية والقبور القديمة بجوار الاستراحات وبعضها يئن تحت وطئة مكب النفايات! واستغربنا من بلدية المنطقة التي أعطت الضوء الأخضر لأي ملوث ان يرمي مخلفاته بالمكان دون الاكتراث بأهمية الموقع التاريخية. والمضحك أن احد مكاتب العقار وضع لوحة على احد القبور كتب فيها: للبيع.



    هذه لوحة للبيع عند أحد القبورالركامية. بالطبع لا نلوم الناس، لأنهم لا يعلمون أنها قبور،، فهي تبدو لعين الرائي كأنها ركام رمته القلابيات المنتشرة في منطقة الاستراحات!

    وقد بذل الغزي جهوداً مهمة لحماية الاثار من التوسع المفرط في الاستراحات وكان لجهوده أثر في بقاء جزء منها.

    ترجلنا من السيارات وبدأ مستضيفنا بالحديث حول المكان واهميته التاريخية ومشاهداته وأشاد بدعم دارة الملك عبد العزيز مادياً ومعنوياً، وكذلك شراء الارض المقام عليها المشروع من قبل عبد العزيز اللعبون الذي رافق عبد العزيز الغزي كثيرا في هذه المهمة وخوفاً من ان يكون مكان المشروع استراحة!



    منظر عام لبعض القبور الحجرية



    أ. د. الغزي يشرح لأعضاء الرحلة.لاحظ ضخامة الصخر المستخدم مسطبة للقبور

    وتحدث عن قصة اكتشاف الموقع فقال منذ ان قرأت عن ما يحتويه هذا الجبل من شواهد حضارية ومادية في مقال لهاري سنت جون فيلبي نشرها عام 1918م وكان ذلك خلال دراستي للدكتوراه في جامعة لندن وعندما بدأت انفذ العمل الميداني على موقع أثري في محافظة الخرج عام 1998م للحصول على مادة علمية جديدة لاطروحة الدكتوراه قمت بزياره لذلك الجبل للاطلاع على مكوناته فشدني مارأيت وبقي في مخيلتي أن تلك المنشئات (لا يمكن أن تشيدها الا أمه قوية في اقتصادها وتنظيمها).



    المقابر الركامية تملأ السهل والجبل



    مجموعة من القبور الغير متهدمة لاحظ صف الصخور الضخمة طولياً لعمل مسطبة دائرية ثم صف ثاني من الصخور تغطي الفتحة الرئيسية



    احياناً تكون الركامات مغطاة بالرمل والحصى



    ان الحجارة الضخمة لمستخدمة للبناء تتطلب مجهود مجموعة من الرجال لتحريكها



    ()()()

    قامت أعمال التنقيب في جزء صغير من المنطقة وفي مساحة 600 في 200 م وعند حصر القبور فيها بلغ حوالي 320 قبر باختلاف اشكالها. فهناك قبور تتبعها ملاحق صغيرة وقبور عنقودية مقاساتها متشابه وقبور دائرية جميله ومستطيلة ومركبة وقبور شريطية طويلة بالاضافة الى قبور صغيرة يعتقد انها للاطفال



    رصد الغزي أيضاً اكثر من 17 مذيل قبري حيث يتم تقسيمه الى عدة قبور أكبرها عند الرأٍس ويعتقد انها تخص عائلة واحدة، لاحظ القبور الدائرية على التل المقابل.



    ()()()

    وذكر ان القبر المصمم والمبني بشكل احترافي يكون في الغالب لشخصية مهمة ومعظمها نفذت بطريقة متميزة، ومتراصة بشكل مذهل يجعلنا نعتقد ان الهدف من اتقان العمل قد يكون لدافع ديني لأن بنائها يتطلب جهد بدني عظيم ويستغرق الكثير من الوقت.

    والقبور تبنى مرتفعة عن الارض وبشكل متقن فتكون بالحجر المسطح القوي المتماسك ويكون القبر مجوف يشابه افران الخبز، وله فتحه تغطى بمسطبة او غطاء صخري طبيعي





    د. حمد الموسى يتفحص أحد الركامات التي سبق نبشها،،،





    وبداخل القبر المجوف والمغطى تماما توجد مادة رملية ساعدت في بقاء الهيكل العظمي على شكله الطبيعي ولان من صنع هذه القبور يعتقد ان الاموات سيعودون للحياة ولذلك وجد مع بعضهم حربه او سلاح والاخر وجد معه غزال وبعض الحلي القديمة.

    وللأسف فإن أغلب الملقيات تم نهبها ولم يبق الا القليل جداً، ولعل أهم الملقيات التي وجدها فريق التنقيب هو رأس حربة نحاسي وقد ساعدت هذه في تحديد عمر الاثار الزمني التقريبي حيث بينت انه يعود الى 4000 سنة ماضية (قياس الكربون المشع)

    ومؤكد ان القاريء سيتبادر في ذهنه كيف تبقى هذه الهياكل العظمية آلاف السنين بدون أن تتآكل؟ وكانت اجابته ان الهيكل العظمي يبقى على شكله تماما ولكن في حال لمسه ينهار ويتلاشى مثل الرمل ولهذا يقوم المختصون بمعالجة الهيكل بمادة تجعله متماسك لينقل الى معامل خاصة بهذه الاكتشافات، وقد لاحظ فريق التنقيب ان كل الهياكل العظمية قد وضعت على جانب واحد في وضعية “الجنين” وفي الغالب يكون توجيه الميت الى الشرق وهذه الوضعية تماثل تماماً قبور دلمون والظهران مما يدل على وجود علاقة بين هذه الأمم من ناحية المعتقد. وذكر الغزي ان بعض الهياكل عليها آثار حرق بالنار وان هذه الظاهرة وجدت في حضارات أخرى ولا يُعرف مغزاها بصورة مؤكدة..



    صورة تبين السقف،، في الوسط توجد تحت الرمل صخور ضخمة كغطاء متقن للقبر.



    بعض القبور الحجرية تتميز بمسطبتين وجهد أكبر لبنائها

    أنهينا الجولة ونحن متجبون مما رأينا وكلنا يفكر؛ "كم مر على وجه هذه الأرض من أمم" عاشت وازدهرت، ثم ذهبت لا ندري عنها! من هذه الأمة التي قبرت افرادها بهذه القوة والأبهة الزائدة ولماذا؟كيف عاشوا وعلى ماذا بنوا اقتصادهم؟ أسئلة محيرة بدأت تتكشف بعض الغازها مع هذه البعثة التنقيبية ونحن بإنتظار كتاب د.الغزي ليفصح عما يراه.



    يبقى سؤال آخر وهو ان هذا العدد الهائل من هذه القبور يدل على بلدة ضخمة وعدد سكان كبير فأين آثار البلدة؟ لم يعثر الى الآن على آثار مستوطنات او مباني سكنية في فرزان ولكن هذا ليس بمستغرب فقد كانوا يجلبون موتاهم هنا لوجود الحجارة وارتفاع الأرض حماية لها ومن المحتمل ان المستوطنة في منطقة جو اليمامة على بعد كيلوات قليلة. مثل هذا البعد بين المقابر الركامية وبين الأرض الزراعية رأيناه في قبور يبرين حيث لاحظنا انها على تلال مرتفعة بعيداً عن منطقة العيون والمزارع، أيضاً قبور الفاو الركامية تمتد الى 6كم جنوب البلدة.

    وقفة علمية: القبور الركامية في الجزيرة العربية

    القبور الركامية (مدافن tumuli) كانت منتشرة في المجتمعات البشرية في فترة ماقبل التاريخ “المتأخرة” ووجدت في كثير من دول العالم.

    تنتشر هذه القبور في أجزاء كثيرة من جزيرة العرب ولعل أشهرها وأعظمها هو ما وجد في جزيرة البحرين من مدافن ركامية تنسب الى حضارة دلمون (تعود الى سنة 2200 قيل الميلاد تقريباً)

    ويقدر عدد هذه القبور بحوالي 100,000 على الأقل.

    صورة لجزء من قبور دلمون الركامية وهي تشبه ماوجد في يبرين والظهران والخبر.

    ()()()

    وأيضاً تنتشر المدافن الركامية في المنطقة الشرقية وقد وجدت في أبقيق والظهران والخبر (اكثر من 50,000 قبر)،،، ولا زالت تكتشف أحياناً كما حصل قبل 3 سنوات حيث نشرت الصحف خبر العثور على مدافن ركامية في أحد المخططات السكانية في مدينة الخبر.

    صورة من جريدة اليوم لفتحة في أحد قبور الخبر وهذه الوضعية (وضعية الجنين) تشبه تماماً وضعية الميت في قبور فرزان وكذلك توجيه الميت نحو الشرق



    منها صور فتحة أحد مقابر البحرين في أم النار.

    ()()()

    أما في نجد فتوجد القبور الركامية في الخرج كما ذكرنا في فرزان وكذلك في مرتفعات الدام (القصيعة) فوق عيون السيح



    قبور القصيعاء: قبور ركامية من خلف شبك الاثار…لاحظ ارتفاع المكان فوق سهول الخرج في الأفق

    صور كثيرة،، عن منظر مقرب لأحد القبور الركامية فوق مرتفعات الدام.


    أيضاً نجد انهم اختاروا مكان القبور بعيداً عن أماكن الاستيطان في السهول وكأنهم يبحثون عن أرفع مكان عن الأرض وحيث تتوافر الصخور.

    وأيضاً وجدت القبور الركامة قرب عيون الأفلاج. ومن أهم المواقع أيضاً: يبرين



    صورة فضائية تبين قبور ركامية كثيفة شمال شرق يبرين على مرتفعات و تلال

    هذا قبر ركامي تآكل مع السنين وفوقه 3 صخور ضخمة عند رأس القبر، صورة التقطها فريق الصحراء من رحلة سابقة.

    هذا نمط مختلف من القبور الركامية عبارة عن قبر وحلقة مجوفة (يبرين)

    تم بحمد الله-فريق الصحراء:أحمد الدامغ، زياد السعيد، د.حمد الموسى:كتب التقرير سعد السليمان والتعليق العلمي عبد الله السعيد.

    ونتقدم بالشكر والامتنان د. عبد العزيز الغزي على كرمه المادي والمعنوي وتواضعه الجم في هذه الرحلة كما نشكر مرافقيه الكرام:
    • د. فرحان الجعيد،
    • د. علي الدوسري،
    • يوسف العتيق، و
    • عبد الله العمار


    هذه المقالة نشرت أصلا في موضوع المنتدى : قبور فرزان: شاهدٌ على أمة كتبت بواسطة نصل البراري مشاهدة المشاركة الأصلية
  • متحف الدينار الإسلامي <({})> تاريخ العلم السعودي

  • مواقف وعبر ،،،

  • هيئة المتاحف

  • جائزة ومنح تاريخ الجزيرة العربية

  • عناقيد ثقافية

  • التخطيط والسياسة اللغوية

  • تاريخ و آثار


تنفيذ شركة تصميم مواقع الانترنت توب لاين
روابط مهمه روابط مهمه تواصل معنا
تواصل معنا