دويتشه ﭭيله : تمكنت الفنانة العصامية فاطمة ملال من تجاوز حدود قريتها الصغيرة في جبال الأطلس المغربية من خلال أعمالها الفنية التي تجمع بين المحتوى البسيط والألوان الساحرة. وتتحول من مبدعة في نسج الزرابي (السجادات) إلى رسامة تشكيلية.



ولدت فَاطمة ملاَّل في إحدى القرى النائية في مضايق دادس في عمالة تنغير الواقعة جنوب شرق المغرب عام 1968 من عائلة متوسطة عاشقة للفن والموسيقى. وكما هو حال غالبية النساء المنتميات إلى جيلها لم تستفد فاطمة من التعليم، الذي ظل لعقود حكرا على المحظوظين من الذكور فقط. في حين يتوزع عمل الفتيات على الأشغال المنزلية والعمل في الحقول بالإضافة إلى جمع الحطب في الجبال ذات التضاريس القاسية والاعتناء بالماشية، في انتظار الزواج ومواصلة تلك المهام في بيت الزوج.

من نسج الزرابي إلى الصباغة
بدأت علاقة فاطمة بالفن بنسج الزربية (السجّاد) الأمازيغية التقليدية. وفي حديث مع DW عربية تقول "عندما أتفرغ من أشغالي المنزلية أكرس وقتي لنسج الزرابي (السجادات) وهو عمل ليس بالسهل ويحتاج إلى التركيز والصبر والدقة في اختيار الألوان والأشكال". وأينما يتجول الزائر في منزل فاطمة، يرى زرابي متقنة الصنع باليد وكأنها لوحات فنية تختزل ما يدور في خاطر صاحبة اليد التي نسجتها.


لوحات لوحة ملال تجمع بين الأشكال البسيطة والألوان الدافئة...

وقد كبرت فاطمة وكبر معها عشقها لفن الكتابة على الزربية وازداد تمسكها بلغة الألوان والجمال رافضة أن تستسلم للمنجل وجمع الحطب وحدها كقدر محتوم. ولأن مُطرب الحي لا يطربُ شاءت الأقدار أن تنتظر الفنانة فاطمة طويلا لتجد من يحتضن تجربتها خارج أسرتها. فكما كان الحال مع الفنانة المغربية الشعبية طلال (1929 - 2004) التي اكتشف موهبتها الناقد الفرنسي بيير كودير والرسام الألماني فيرنر كيردت لتؤسس لما يسمى ب"الفن الفطري" في المغرب، فإن الفضل في اكتشاف موهبة فاطمة ملال ودعمها يعود إلى سيدة سويسرية. وتقول فاطمة " تعرفت على سيدة سويسرية خلال زيارتها لقريتنا وعندما رأت الزرابي التي نسجتها، عبّرت لي عن إعجابها بما أقوم به واقترحت عليّ نقل تلك التجربة إلى الصباغة بالألوان على القماش.

إطلاق العنان للخيال
في فصل الخريف والشتاء الذي يعتبر فترة راحة للمزارعين يكون وقت الفراغ كبيرا ويتسرب الملل لنساء القرية. وبينما تقضي العديد من النساء وقت فراغهن في الدردشة وتبادل الزيارات، تختار فاطمة صداقة الريشة والألوان واللوحة. وتقول "عندما أمسك بالفرشاة، أترك الحرية لمخيلتي لاختيار الأشكال والألوان التي تريدها وأبدأ في سرد قصة أو حكاية من تجاربي الشخصية أو من التجارب التي أعايشها في الوسط الذي أتواجد فيه".


تستلهم الفنانة المغربية العصامية فنها من محيطها...

اللوحة جواز سفر فاطمة إلى العالم
ما يثير الانتباه في اللوحات العفوية لفاطمة ملال هو المحتوى البسيط المُعبّر عنه بألوان ساحرة: أطفال يقفزون من القمم العالية إلى النهر، نساء يحملن الحطب بمشقة فيما يشبه أسطورة سيزيف، شيوخ منهكون ومغلوب عليهم، القصبات التي ترمز إلى الهندسة الأمازيغية المتقنة والتي بدأت تتعرض للاندثار، حروف "تيفيناغ" الأمازيغية، إلى غير ذلك. وبعد أن كانت فاطمة لا تتجاوز حدود قريتها النائية، صارت اللوحات جواز سفرها الذي قادها إلى مختلف القارات وكبريات المدن العالمية في بلدان كفرنسا، سويسرا، الولايات المتحدة والخليج. وعن هذه التجربة تقول فاطمة : "شاركت بلوحاتي، التي هي جزء من هويتي، في معارض عالمية وتجاوب معها زوار المعارض في كل البلدان التي زرتها". وخلقت هذا الرحلات واللقاءات مع الأجانب رغبة لدى فاطمة لتعلم اللغة الفرنسية لتسهيل التواصل معهم.


لوحات فاطمة ملال تعطي الانطباع وكأنها مشاهد حية من الواقع..

وفي كل مرة تعود فاطمة من سفر بعيد، تلتئم حولها نساء وبنات القرية لسماع رواياتها حول الغرب والفن. تجربتها غرست لدى بنات القرية الرغبة في تعلم استخدام الريشة وليس المنجل والحطب فقط. الآن تحول بيتها إلى ورشة لطالبي تعلم لغة الجمال في منطقة تفتقر إلى مرافق ثقافية، بحيث تقول: " بعد أن كان الناس ينظرون بازدراء إلى الفن بشكل عام وإلى إلى الإبداع الفني للمرأة بشكل خاص، أصبحت لديهم رغبة في تعليم بناتهم أصول وقواعد الفن التشكيلي".