تونس، كمال البستاني (العرب) تونس - تقام في الفترة الممتدّة من 22 إلى 24 يونيو 2018 الدورة الخامسة من المهرجان الدولي للشعر بسيدي بوسعيد، المدينة الواقعة في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة والمطلّة على البحر الأبيض المتوسط، يحرسها وليّها الذي وهبها اسمها: سيدي أبوسعيد الباجي. وهي المدينة التّي آوت أسماء مرموقة في الفنّ التشكيلي والأدب أمثال الفرنسي أندريه جيد والشاعر الفرنسي من أصول رومانيّة لوران غاسبار والفلسطيني محمود درويش.



وتأتي هذه الدورة الخامسة من المهرجان الذي بات محطة عالمية للشعراء وجمهور الشعر، تحت شعار “3 أيام للسلام”، حيث يقوم على تقديم الشعر باللغتين العربية والفرنسية بطرق مبتكرة في كافة أرجاء المدينة.

مهرجان عالمي
يقول الشاعر معز ماجد، مدير المهرجان “الشعر يسائل الوجود، وهو خطاب متحرر من إكراهات المعنى، ومجال عصي عن المألوف وعن التعريف”. ويؤكد أنه في وعي الفريق المنظّم للمهرجان منذ 2013، الأمر لا يتعلّق بتنظيم لقاءات مفتوحة للشعراء فحسب، لكن طموحهم أن يفتكّوا مجالا أرحب للحريات في هذه الضفّة الجنوبيّة للبحر المتوسط، بهدي من طاغور القائل في أوائل القرن العشرين “نحن أجلاف الشرق العراة، سنفتكّ يوما ما حرّية من أجل الإنسانيّة جمعاء”.



يعد التأسيس لمهرجان شعري عالمي في الضفة الجنوبية للمتوسط تحدّيا كبيرا، خاصة في ظل انتشار مهرجانات مختلفة في الضفة الشمالية للمتوسط، والتي تحاول أن تحتكر الشعر، علاوة على أن الشعر، أقدم الفنون، بات يحتاج إلى طرق مبتكرة لتقديمه إلى الجمهور، وهو ما يسعى إليه مهرجان سيدي بوسعيد الدولي للشعر بمدينة سيدي بوسعيد التونسية العريقة والشهيرة لدى عموم الفنانين والمبدعين.

ويشارك في الدورة الجديدة 25 شاعرا من 15 جنسية من بينهم السعودي غسان الخنيزي والعراقي صلاح فائق والمغربي محمد بن طلحة. وستشهد الدورة حضور ثلاثة شعراء من تايوان إضافة إلى الشاعر الإيطالي دافيد روندوني والإسباني إدواردو موجة والصربي جوفنوفيتش دانيلوف. ومن تونس يشارك ثمانية شعراء يمثّلون مختلف الأجيال والتيّارات الشعرية نذكر منهم، فضيلة الشابي وخديجة قظوم وعبدالعزيز قاسم وأمل خليف ومحمد ناصر المولهي وصبري الرحموني.

وميزة المهرجان، كما يلفت ماجد، هي أنّ فعالياته لا تدور في قاعات مغلقة مقصورة على جمهور مجامل، وإنّما تخرج بالشعر إلى الساحات العامة، فتغزو المقاهي والحدائق العامة لتلاقي زوّار المدينة والسيّاح دون سابق إعلام. وهو رهان صعب وجميل يضع الشاعر في مواجهة “مواطنين أو غرباء مثله في المدينة”.

وقد أثبتت الدورات السابقة للمهرجان أنّ الشاعر وخطابه بقدرته على أن يحتلّ مكانا هو جدير به في الفضاء العام.

تونس أرض شعر
حول أهداف الملتقى، يقول مدير المهرجان في تصريح خاص لـ”العرب” “منذ تأسيسه كنا نطمح إلى أن نجعل من هذا المهرجان فضاء للحرية ننتزعها من الواقع الرتيب الملوث بالقضايا الزائفة المفتعلة ونخرج بها جمالا ورقيا في الفضاء العام. اليوم بعد 5 دورات ناجحة يحق لنا أن نطمح لأن يكون مهرجان سيدي بوسعيد للشعر أهم وأعرق تظاهرة شعرية جنوب المتوسط”.

وحول سبل تأسيس هذا الملتقى الشعري العالمي في تونس، والذي بات أبرز التظاهرات جنوب ضفاف المتوسط، يقول معز ماجد “لتأسيس ملتقى عالمي للشعر كان لا بد من شروط عديدة أولها توفر فريق ناشط ومؤمن بهذا المشروع وقد كان ذلك بفضل أفراد مثل رؤوف الدخلاوي ومحمد علي بن الشيخ ورجاء الشابي وكمال الهلالي. الشرط الثاني هو توفر الدعم الحقيقي من طرف السلطات. وذلك كان صعبا في البداية لكن بعد نجاح ثلاث دورات أولى آمنت بنا بلدية سيدي بوسعيد ووزارتا الثقافة والسياحة وأصبح الأمر أسهل”.


ميزة المهرجان أن فعالياته لا تدور في قاعات مغلقة
مقتصرة على جمهور مجامل، وإنما تخرج بالشعر إلى الشارع
ثالثا يرى ماجد أنه كان لا بد لتأسيس المهرجان من علاقات أدبية عالية ومتميزة مع شعراء العالم للتمكن من استقطاب الأسماء البارزة للحضور. حيث لا بد أن يحظى المشرفون على المهرجان باحترام وتقدير كبار شعراء العالم لكي يقبلوا تلبية الدعوات، وهذا يحققه العمل الجدي والتراكم والنجاح من خلال العمل على التطوير والمستمر للتظاهرة.

نسأل ماجد حول أهمية الشعر اليوم، خاصة في ظل الأصوات المتعالية من هنا وهناك متهمة إياه بالجمود والتراجع، ليقول “العديد يجهلون أن الحياة مأساة دون شعر. هم يرون الشعر في شكله المألوف أي نظم للكلام وإلقاء. إنها نظرة كاريكاتورية لماهية الشعر، بينما الشعر هو تجل للجمال في كل أشكال التعبير. نجده في جملة موسيقية أو في أناقة خط مرسوم على حائط هرم، وقد لا يحتاج إلى كلمة واحدة. قد يكون أحيانا السكون ذاته لكنه في كل الأحوال يسائل الوجود”.

حول سؤالنا إن كان الشعر التونسي بخير؟ يجيب معز ماجد بدوره بسؤال “ما معنى أن يكون الشعر بخير؟”، ويضيف “إن كنا نعني بذلك أن يكون الشعراء نجوما محتفى بهم ويدعون إلى التلفزيون ويستأنس بهم الساسة، فهذا موت الشعر بعينه. الشعر تجربة فردية. لكن يمكنني الإجابة على هذا السؤال بالقول إن تونس أرض شعر من دون شك”.