إبراهيم

(6)


(الملف 3 من 3)

خليل الله

استيقظ إبراهيم يوما ،، وأمر زوجته هاجر أن تحمل ابنها
وتستعد لرحلة طويلة ،، بعد أيام بدأت رحلة إبراهيم
رحلة مع زوجته هاجر ابنهما إسماعيل الرضيع
سار إبراهيم من أرض مزروعة إلى صحراء تلتها جبال
حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية قصد منها واديا
ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه !!
هبط من دابته، وأنزل زوجته وابنه وجراب طعام وماء قليل
ثم استدار عليه السلام وتركهما ،، فأسرعت خلفه زوجته تقول:
أتتركنا بوادي ليس فيه شيء؟ فلم يرد عليها سيدنا إبراهيم
بل واصل سيره ،، عادت تقول له ما قالته وهو صامت!!
فهمت أنه لا يفعل ذلك من نفسه،، أدركت أن الله أمره بذلك
وسألته: هل الله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم

قالت: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا !
سار إبراهيم وتوارى بين الجبال ثم وقف ورفع يديه يدعو الله:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)
لم يكن بيت الله قد ( أعيد ) بناؤه،، حكمة عليا وغموض
إسماعيل طفل مع أمه سيصير مسئولا مع والده عن (بناء) الكعبة
حكمة أن يمتد العمران إلى هذا الوادي وأن يقام فيه بيت الله
أرضعت هاجر ابنها إسماعيل ،، أحست بالعطش
تحت توهج الشمس ملتهبة وساخنة تزيد العطش
بعد يومين انتهى الماء ،، وجف لبن الأم وانتهى الطعام
تزايد العطش وبدأ إسماعيل يبكي فتركته أمه
وانطلقت تبحث عن ماء مشت مسرعة إلى جبل "الصفا"
فصعدت إليه وراحت تبحث عن أي شيء دون جدوى
سعت مسرعة من الصفا متجاوزة الوادي إلى جبل "المروة"
صعدت إليه باحثة عن أي استدلال دون جدوى
وعادت الأم إلى طفلها الباكي الذي اشتد عطشه
وأسرعت إلى الصفا ثانية ومنه هرولت إلى المروة
سعت سبع مرات بين الجبلين الصغيرين ذهابا وإياباً
منها جاءت سنة السعي لأم إسماعيل هاجر
عادت بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث
وجلست بجوار صوت ابنها الذي كان قد بح عطشاً

لحظة رحمة الله تطفئ اليائس من ركلة قدم الرضيع
معجزة بداية تدفق ماء زمزم غرفت هاجر منه لرضيعها
وأطفأت لهث العطش ،، تارة تزمه وأخرى لترتوي منه
وتارة تزمه حفاظا عليه: ( لن نضيع ما دام الله معنا)

رفرفت الطيور وغردت في سماء الوادي القاحل
طيور جلبها خرير ماء زمزم جلبت الناس حولهما
بدأت الحياة تدِب والقوافل تستقر ،، وبدأت حركة العمران

تعلق قلب إبراهيم بإسماعيل وابتلى الله هذا الحب وعاطفة الأبوة
برؤيا إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل !!
شيخ قد لا ينجب،، وكيف يرقد ابنه على الأرض ليذبحه:
(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)
فماذا كان رد إسماعيل؟ ربما حب الابن لتنفيذ أمر الله:
(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
هنا نجد إسماعيل ينافس أباه إبراهيم في حب الله
ينكب إسماعيل بوجهه على الأرض كي لا يرى نفسه وهو يذبح
ويرفع إبراهيم يده بالسكين تنفيذا لأمر الله وطاعته
تعبير القرآن (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) إسلام حقيقي - لحظة السكين !!
نهاية الامتحان ،، ينادي الله إبراهيم،، (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
صار ذلك (اليوم) عيدا لقوم لم يولدوا بعد،، قوم هم المسلمون

ترك إبراهيم إسماعيل للمرة الثانية وعاد داعيا لله، خليلا له وحده
هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه بالعراق وعبر الأردن
سكن بادية أرض الكنعانيين كان خلال دعوته يسأل عن أخبار لوط
أول من آمن بإبراهيم من الرجال أثابه الله بأن بعثه نبيا

في لحظة كان إبراهيم لوحده هبطت أقدام ثلاثة من الملائكة:
(جبريل) و(إسرافيل) و(ميكائيل) صامتين ومهمتهم مزدوجة
هبطوا على هيئة بشر جميلي المظهر مبشرين إبراهيم
ومستهدفين قوم لوط بالعذاب - سار الملائكة نحو إبراهيم
ألقى أحدهم حصاة أمامه ،، رفع إبراهيم رأسه إليهم
لم يعرف وجوههم ،، بادروه بالتحية فنهض ورحب بهم

أدخلهم بيته كضيوف غرباء أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا
ثم راغ إلى أهله ! نهضت زوجته سارة - عجوزا ابيض شعرها
ولم يعد يتوهج فيها سوى وميض الإيمان من عينيها
قال لها إبراهيم زارنا ثلاثة غرباء، فسألته: من هم ؟
قال: لا أعرف،، وجوه غريبة،، ملابسهم لا تدل على السفر
سألها عن طعام، فقالت: نصف شاة، فأمر بذبح عجلا سمينا ،،
كونهم ضيوف غرباء،، ليس معهم دواب أو أحمال أو طعام
كان عليه السلام كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء
بدأ شواء العجل على حجارة ساخنة وتم أعداد المائدة
أشار إبراهيم لضيوفه بيده أن يتفضلوا باسم الله !!
بدأ يأكل ليشجعهم ،، لكن ضيوفه لم يمدوا أيديهم للطعام
قرب إليهم الطعام وقال: ألا تأكلون؟ فوجدهم لا يأكلون
رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام : (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)
امتناع الضيف عن الأكل يعني الشر بالمضيف !!
أكثر من مؤشر يؤيد غرابة ضيوفه ،، دخولهم المفاجئ ،،
لم يرى قدومهم أفقياً ،، لم يكن معهم دواب أو أمتعة
وجوه غريبة لا تدل على عناء سفر ومائدة لا يأكلون منها !!

قال له أحد الملائكة: (لاَ تَخَفْ)، رفع إبراهيم رأسه
واعترف على خيفته ،، ابتسم أحد الملائكة وقال:
نحن لا نأكل يا إبراهيم،، نحن ملائكة الله ،، وقد:
(أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)

ضحكت زوجة إبراهيم ،، كانت تتابع حوار زوجها
التفت إليها أحد الملائكة وبشرها بإسحاق، صكت وجهها ،، قَالَت:
(يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) هود

عاد أحد الملائكة يقول لها: (وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ)

جاشت مشاعر إبراهيم وزوجته وتلطف الجو في المكان
واحتل قلبه فرح مختلط زوجته عاقر تقف وترتجف
(أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) 54 الحجر
هل كان يريد أن سماع البشارة ثانية أم بأنهم بشروه بالحق
(قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ) 55 الحجر
(قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) 56الحجر

ليست البشرى بإسحاق ويعقوب بسيطة عليهما
حنين سارة للأمومة لم تطفئ الأيام توهجه
خرّ إبراهيم ساجدا ونهض وتذكر أن الملائكة أرسلوا
إلى قوم لوط ، فبدأ يجادلهم فيما لو رجعوا وأسلموا
أفهمه بمهمتهم ،، بإرسال حجارة من طين مسومة
عاد يحدثهم عن المؤمنين منهم قالت الملائكة
نحن أعلم بمن فيها وأفهموه إن الله قد أمر بهلاك قوم لوط
القرار (عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) لن يرده جدال إبراهيم
توجهت الملائكة لقوم لوط عليه السلام

....

قصة بناء بيت الله تعالى
هي ضمن قصة أبنه
إسماعيل عليه السلام

....