[align=justify][align=justify]مساجد مصر /العمارة الإسلامية بمصر وتطورها


1- عصر الخلفاء الراشدين وما قبل العصر الطولونى 20-254 هجرية الموافق 640-868م: عدا الزمن فى هذه الحقبة على آثار مصر - أولى مدن العرب بمصر - فتركتها أطلالا، كما حدث ذلك فى مدينة العسكر التى أسسها العباسيون سنة 133هجرية = 750 ميلادية، وقد امتدت إلى جامع عمرو بن العاص يد التغيير والتوسيع حتى فقد كل معالمه الأولى ولم يبق إلا المكان الذى أنشئ عليه غير أنه قد حدث به ظاهرتان عماريتان على جانب عظيم من الأهمية : الأولى هى الأربع صوامع التى أمر معاوية - أول خلفاء بنى أمية - واليه على مصر مسلمة بن مخلد بإنشائها بأركان الجامع سنة 53 هجرية 672\ 73م على نمط الأبراج التى كانت بأركان المعبد القديم بدمشق، وكانت هذه الصوامع فى الواقع - نواة للمآذن التى أنشئت بمصر بعد ذلك والتى نرى الكثير منها الآن وقد تطورت تصميماتها وتنوعت أشكالها. والظاهرة الثانية هى المحراب المجوف الذى أحدثه به قرة بن شريك - والى مصر من قبل الوليد بن عبد الملك - فى سنة 93هجرية = 712م مقتديا فى ذلك بالمحراب المجوف الذى أحدثه عمر بن عبد العزيز بمسجد المدينة فى سنة 88هجرية = 706/ 7م. .ما يتبين ذلك فيما يلى.



[line]-[/line]
2- العصر الطولونى سنة 254-292 هجرية = 868-905م. أسس أحمد بن طولون الدولة الطولونية بمصر سنة 254هجرية = 868م بعد أن قضى زهرة شبابه فى سامرا قريبا من موالد الفن العباسى وقد أبقى لنا الزمن فيما أبقى من آثار هذه الدولة ذلك الجامع العظيم الذى يعتبر بفرط اتساعه وبساطة تخطيطه وروعة بنائه وجمال زخارفه، مفخرة ذلك العصر. وهو وإن كان قد أستمد عناصر زخارفه من زخارف سامرا، واقتبس منارته الأولى من منارة جامعها على ما يظن، قد أخذ عن جامع عمرو الذى جدد سنة 212 هجرية، نظام وشكل الشبابيك المفتوحة بأعلى وجهاتها الأربع.. لم يدم حكم هذه الدولة لمصر طويلا، إذ سرعان ما استردت الخلافة العباسية مصر فى سنة 292 هجرية = 905م وانتقمت من الأسرة الطولونية، وأزالت كل معالمها، فركدت فى مصر حركة الفنون والعمارة، حتى أننا لم نجد لها نهضة حينما استقل بها الأخاشدة من سنة 324 إلى سنة 358 هجرية = 935-969م.

[line]-[/line]
3- العصر الفاطمى سنة 358-567 هجرية = 969-1171م. فى أواخر أيام الدولة الأخشيدية، كان الفاطميون يرنون بأبصارهم نحو مصر، يريدون أن يجعلوا منها مقرا لخلافة قوية فتية، ويأملون أن يكون لهم فيها شأن غير شأن العباسيين، وأن يتاح لمصر على أيديهم عهد حافل جديد، فما وافت سنة 358 هجرية = 969م، حتى إذا جاء جوهر الصقلى، قائد المعز لدين الله الفاطمى، رابع الخلفاء الفاطميين، وتم على يديه فتح مصر واختط مدينة القاهرة، وأسس بها أول جامع لهم، وهو الجامع الأزهر. وقد اقترن هذا العصر بعدة ظواهر عمارية، منها استخدام الحجر المنحوت لأول مرة فى وجهات المساجد بدل الطوب، ثم تزيين هذه الوجهات بالزخارف المنوعة المحفورة فى الحجر، بعد أن كنا نشاهدها فى جامع عمرو وجامع ابن طولون بسيطة عارية من الزخارف. وكانت القباب فى ذلك العصر صغيرة وبسيطة، سواء من الداخل أو الخارج، وظهر تضليعها من الخارج لأول مرة فى قبة السيدة عاتكة المنشأة فى أوائل القرن السادس الهجرى - أوائل الثانى عشر الميلادى. وابتدأت أركان القبة تتطور نحو المقرنصات المتعددة الحطات، فبدأت بطاقة واحدة، كما فى جامع الحاكم، ثم بحطتين كما فى قبة الشيخ يونس وقبتى الجعفرى وعاتكة وغيرها. إلا أن فخر العمارة الفاطمية كان فى الزخارف التى تستهوى النفوس بجمالها، وتنتزع الإعجاب بها، وبلغت الكتابة الكوفية المزخرفة والزخارف الجصية شأوا بعيدا فى جمال عناصرها، وبديع تنسيقها، واختلاف تصميماتها، وكانت تحتل الصدارة فى المحاريب، وتحلى إطارات العقود والنوافذ. ولم تكن الزخارف الجصية وحدها هى المجال الذى أظهر فيه الصانع المصرى عبقريته، بل كانت الزخارف المحفورة فى الخشب آية من آيات الفن الفاطمى الرائعات، فالأبواب والمنابر والمحاريب المتنقلة، والروابط الخشبية بين العقود، وما فيها من دقة فى الحفر وإبداع فى الزخرف والكتابة، تدل على مبلغ ما وصلت إليه النجارة فى عصر الفاطميين من عظمة وازدهار.

[line]-[/line]
4- الدولة الأيوبية سنة 567-648 هجرية = 1171-1250م. استولى الأيوبيون على مصر فى سنة 567 هجرية = 1171م، وأسسوا بها أسرة حاكمة. وكان عهدهم منذ اللحظة الأولى عهد حروب طاحنة مع الصليبيين، فوجهوا جل اهتمامهم - من أجل ذلك - إلى إقامة الأبنية الحربية، فبنوا القلعة وأكملوا أسوار القاهرة وكان اشتغالهم بهذه الحروب سببا فى ندرة الأبنية الدينية التى خلفوها لنا، وكان من أهم أغراضهم القضاء على المذهب الشيعى - مذهب الفاطميين - فأنشأوا لهذا الغرض المدارس وخصصوها لتدريس المذاهب الأربعة، ولم يبق من هذه المدارس سوى بقايا المدرسة الكاملية المنشأة سنة 622 هجرية = 1225م. وكانت مؤلفة من إيوانين متقابلين. وبقايا المدرسة الصالحية التى أنشأها الصالح نجم الدين الأيوبى سنة 640 هجرية = 1242م والتى كانت مخصصة لتعليم المذاهب الأربعة، إلا أنها لم تكن ذات التخطيط المتعامد، بل كانت فى الواقع عبارة عن مدرستين يشتمل كل منهما على إيوانين متقابلين أيضا. وفى عصر الأيوبيين ابتدأ ظهور القباب الكبيرة كما ابتدأ تطور المقرنصات فى أركانها وتعدد حطاتها. ولم يبق لنا الزمن سوى منارتين كاملتين من منارات ذلك العصر وهما منارة المدارس الصالحية ومنارة زاوية الهنود اللتان تعتبران نموذجين لطراز المآذن المنشأة فى أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الهجرى - أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الميلادى. وفى هذا العصر استمر ازدهار الزخارف الجصية ومثلها النجارة الدقيقة وظهرت الكتابة النسخية وسارت جنبا لجنب مع الكتابة الكوفية.

[line]-[/line]
5- عصر المماليك سنة 648-923 هجرية = 1250-1517م. عندما ولى الملك الصالح نجم الدين الأيوبى الحكم فى أواخر الدولة الأيوبية أكثر من شراء المماليك الأتراك، وأسكنهم قلعة الروضة التى أنشأها بجزيرة الروضة سنة 638 هجرية ولذلك سموا بالمماليك البحرية، وقربهم إليه، وولاهم المناصب الكبيرة، ووصلوا إلى مرتبة الأمراء فعظم شأنهم وقوى نفوذهم، فما وافت سنة 648 هجرية = 1250م حتى ولى أحدهم - عز الدين أيبك التركمانى - ملك مصر، ومنذ ذلك التاريخ بدأ حكم المماليك لمصر واستمر إلى سنة 923 هجرية = 1517م أى 275 سنة. قضى منها المماليك البحرية 136 سنة من 648 إلى 784 هجرية = 1250-1382م، وأعقبهم المماليك الجراكسة الذين حكموا من سنة 784 إلى سنة 923 هجرية = 1382-1517م أى 139 سنة. فى هذا العصر الذى طال عهداه، تنافس سلاطين المماليك فى إنشاء الجوامع والمدارس، وإقامة الأضرحة والأسبلة وبناء القصور والوكالات وتجلت عظمة العصر المملوكى فيما أبدعوه من روائع المنشأت التى تبدو للناظر شامخة فى غير تبرج، وتزهو بنفسها فى غير خيلاء، فى جمال غير متكلف يستثير إعجاب كل من يراه وينتزع ثناءه انتزاعا. وفى هذا العصر استقر فن العمارة المصرى وأصبح ذا طابع خاص به له مقوماته وتقاليده، يتوارثها المعماريون والفنيون، تظهر واضحة فى تخطيط المساجد وتصميم الوجهات، وفى المداخل الشاهقة بمقرنصاتها الجميلة. وتمشى مع هذا الاستقرار رقى دائم فى صناعة الجص، وتنوع فى زخارفه، يثبت ذلك ما نشاهده فى أبنية النصف الثانى من القرن السابع الهجرى - القرن الثالث عشر الميلادى - إلا أن الرخام انتزع من الجص مركز الصدارة، فصارت المحاريب وأسفال الجدارن الداخلية مكتسية بالرخام المتعدد الألوان متفرد بتصميمات بديعة، يزيد فى بهائها دقة الصناعة وتجانس الألوان، وتبع كل ذلك تطور فى أشغال النجارة وإبداع فى تكوين زخارفها، فسايرت أعمال التطعيم بالسن والآبنوس والزرنشان جنبا لجنب مع الأويمة الدقيقة فى المنابر والأبواب والشبابيك، وخطت أعمال الخراطة خطوات واسعة كما تنوعت تصميمات الأسقف الخشبية، وزاد فى روعتها ما حوته من نقوش جميلة مموهة بالذهب. هذا وتتجلى دقة صناعة التعدين فى الأبواب المصفحة بالنحاس فتظهر فيها براعة الحفر والتفريغ فى النحاس إلى دقة التكفيت فيه. وللعصر المملوكى أن يزهو على غيره من العصور بقبابه ومآذنه فقد أخذت القباب تبنى بالحجر بدلا من الطوب وأصبحت قواعدها تأخذ أشكالا مختلفة، كما ظهر القاشانى مغلفا ببعض رقابها. أما أسطحها الخارجية فقد تدرجت زخرفتها من تضليع إلى خطوط متعرجة ودالات متداخلة، ثم بلغت فى عصر المماليك الجراكسة شأوا عظيما، فازدانت بأشكال هندسية وأخرى زخرفية. وسايرت المنارات القباب فنراها تعلو فى الفضاء فى تيه وإعجاب، تطل على ما حولها فى رشاقة ودلال، يسترعى الانتباه طابعها الخاص - وإن كان بعضها قد خرج عنه - ويبهر الرائى رونقها وزخرفها، فالبعض كسيت خوذته العليا بالقاشانى كما فى خانقاه بيبرس الجاشنكير وجامع الناصر محمد بالقلعة، والبعض الآخر حليت دورته الوسطى بتلابيس من الرخام كما يشاهد فى منارة مسجد برقوق ومنارة مسجد القاضى يحيى، هذا وقد تنوعت زخرفها وكثرت فى أواخر عصر المماليك الجراكسة. وأنشئت فى العصر المملوكى المدارس ذات التخطيط المتعامد، التى تتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات متقابلة، وألحق بها أضرحة لمنشئيها، كما ألحق ببعضها الأسبلة والكتاتيب وفى أواخر عصر المماليك الجراكسة، أخذت هذه المدارس تبنى بأحجام صغيرة بالنسبة لمثيلاتها المنشأة فى عصر المماليك البحرية، وصارت أصحنها تغطى بأسقف خشبية بولغ فى نقشها وزخرفتها. وقد أنشئت هذه المدارس فى الأصل لتكون أماكن تدرس فيها المذاهب الإسلامية إلى جانب إقامة الشعائر الدينية فكانت بذلك تجمع بين الغرضين، أما الآن فهى مستعملة كمساجد فقط لا يدرس فيها.

[line]-[/line]
6- العصر العثمانى سنة 923-1220 هجرية = 1517-1805م. وبزوال حكم المماليك فى مصر على يد السلطان سليم سنة 923 هجرية = 1517م بدأت نقطة التحول فى العمارة الإسلامية، فوقف تقدمها وضعف أمرها واضمحل شأنها، وافتقرت إلى أمهر الصناع والفنيين الذين جمعهم السلطان سليم وأرسلهم إلى الآستانة، مما ترتب عليه أن فقدت العمارة الإسلامية بمصر مميزاتها الشخصية، وطغت عليها موجة من المؤثرات البيزنطية حملها الفاتح الجديد معه. وقد خلف لنا العصر العثمانى طائفة من المساجد، متأثرة إلى حد عظيم بمساجد الآستانة، وكان أولها وأقربها إليها مسجد سليمان باشا بالقلعة المنشأ سنة 935 هجرية = 1528م. ثم جاء بعده مسجد سنان باشا ببولاق، ومسجد الملكة صفية، ومسجد أبو الذهب، وكل منها يجمع بين قبة كبيرة تسودها البساطة تغطى المسجد، ومنارة أسطوانية تنتهى بقبة مخروطية، فيما عدا منارة مسجد محمد أبو الذهب التى تشذ فى شكلها عن باقى المنارات التركية. وإلى جانب هذا نرى بعض المساجد التى أنشئت فى هذا العصر أخذت الكثير من عناصر العمارة المملوكية سواء فى ذلك وجهاتها ومآذنها وما حوته من تفاصيل داخلية ككسوة الوزارات بالرخام الملون والمغالاة فى نقوش الأسقف إلى غير ذلك مما نشاهده فى المساجد المملوكية.وزاد عليها فى هذا العصر كسوة الحوائط الداخلية بالقاشانى المزخرف، وتغطية القباب بالقاشانى الأخضر.

[line]-[/line]
7- عصر محمد على سنة 1220-1265 هجرية = 1805-1848م. استمرت المساجد التى أنشئت فى عصر المغفور له محمد على الكبير تتجاذبها المؤثرات التركية حينا، والمؤثرات المملوكية حينا آخر، وقد شيد مسجده العظيم بالقلعة على نمط مسجد السلطان أحمد بالآستانة، يشرف على مدينة القاهرة بقبابه ومآذنه رمزا للعزة والسؤدد.

[line]-[/line]
8- العصر الحديث. أطلقنا على الفترة الممتدة من وفاة محمد على إلى الآن العصر الحديث ولم يكن لهذا العصر مميزات خاصة، فأغلب المساجد التى أنشئت فيه لم تكن تزيد على مساحات مسقوفة بوسطها شخشيخة، وسقوفها محمولة على أعمدة رخامية، أما وجهاتها ومآذنها فمقتبسة فى تفاصيلها مما سبقها من المساجد المنشأة فى العصر المملوكى وغيره.

[/align][/align]


المصدر : المجلس الأعلى للسنة النبوية - مصر