السلام عليكم

اقتبستُ عنوانَ الموضوع من حديثِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم الذي رواهُ الإمامُ أحمدُ (6/377) وغيرهُ، وحسنهُ بعضُ أهلِ العلمِ والذي قال في آخرهِ: ''هن شقائقُ الرجالِ''، وفي لفظ: '' إنما النساءُ شقائقُ الرجالِ''، وقد توسع بعضُ المسلمين -مع الأسف- في فهم عبارةِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم التي في آخر الحديثِ على غيرِ مقصودِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم، فأطلقوا لأنفسهم العنان في تنزيل العبارةِ على كل أمر خاص بالرجال فجعلوه للنساء، ولو رجعنا إلى سببِ ورودِ الحديث لتبين لنا أن الأمرَ ليس على إطلاقهِ، وأن العبارةَ فُهمت على غير وجهها المراد بل هو فهمٌ خاطئ، ولنقف على سببِ ورودِ الحديثِ.



عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ،‏ ‏عَنْ ‏جَدَّتِهِ ‏‏أُمِّ سُلَيْمٍ ‏‏قَالَتْ:‏ ‏كَانَتْ مُجَاوِرَةَ ‏‏أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،‏ ‏فَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيْهَا فَدَخَلَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فَقَالَتْ ‏‏أُمُّ سُلَيْمٍ:‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ إِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا يُجَامِعُهَا فِي الْمَنَامِ أَتَغْتَسِلُ، فَقَالَتْ ‏‏أُمُّ سَلَمَةَ‏: ‏تَرِبَتْ ‏‏يَدَاكِ يَا ‏أُمَّ سُلَيْمٍ،‏ ‏فَضَحْتِ النِّسَاءَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،‏ ‏فَقَالَتْ ‏‏أُمُّ سُلَيْمٍ:‏ ‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ وَإِنَّا إِنْ نَسْأَل النَّبِيَّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ نَكُونَ مِنْهُ عَلَى عَمْيَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏لِأُمِّ سَلَمَةَ:‏ ‏بَلْ أَنْتِ ‏تَرِبَتْ ‏‏يَدَاكِ، نَعَمْ يَا ‏‏أُمَّ سُلَيْمٍ،‏ ‏عَلَيْهَا الْغُسْلُ إِذَا وَجَدَت الْمَاءَ، فَقَالَتْ ‏‏أُمُّ سَلَمَةَ:‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏فَأَنَّى يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا هُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ.

فلا يأتي محتجٌ ويقولُ في قضيةٍ تتعلقُ بالمرأةِ: النساءُ شقائقُ الرجال، فنقولُ له: ارجع إلى سببِ ورود العبارة ثم استدل، ولذلك لو رجعنا إلى فهم العلماءِ الذين شرحوا الحديثَ لوجدنا أنهم يضبطون العبارة ضبطاً دقيقاً، هذا الحافظُ ابنُ حجرٍ يقولُ في ''الفتح'': وَإِنَّمَا خُصَّ الذَّكَر بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الرِّجَال فِي الْغَالِب هُمْ الْمُخَاطَبُونَ وَالنِّسَاء شَقَائِق الرِّجَال فِي الْأَحْكَام إِلَّا مَا خُصَّ' أي: إلا ما خُص به النساء. وقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَإِنَّ الْخِطَاب إِذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُذَكَّر كَانَ خِطَابًا لِلنِّسَاءِ إِلَّا مَوَاضِع الْخُصُوص الَّتِي قَامَتْ أَدِلَّة التَّخْصِيص فِيهَا.

فهؤلاءِ العلماءُ فهموا العبارةَ على وجههِا الصحيح فالرجوعُ إلى فهمهم أولى ممن يريدُ تنزيلها في كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ على النساءِ، ويلوي عنقها لتوافق هواه، وعلى هذا الفهم الخاطئ يلزمهم أن يساووا بين المرأةِ في كلِّ شيءٍ، فعلى سبيل المثالِ لا الحصر: يجوزُ للمرأةِ أن تجمعَ بين أربعةِ رجالٍ! وأن تساوى بالميراثِ مع الرجل! وغيرها من الأحكامِ التي هي خاصة بالرجل، ولا أظنُ مسلماً عاقلاً يقولُ بهذا القولِ.