بغداد - د. أحمد سيد أحمد (العرلق للجميع) : أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثورى الإيرانى كمنظمة إرهابية، كجزء من سياسة العصا الأمريكية الغليظة تجاه النظام الإيرانى، تستهدف تطويقه والتأثير على سلوكه وتضييق الخناق عليه، وتحمل هذه الخطوة تداعيات عديدة داخل إيران وخارجها، فالحرس الثورى الذى أنشئ عام 1979 كذراع عسكرية لحماية الثورة الإيرانية، ويخضع لسلطة المرشد الأعلى مباشرة، أصبح جزءا أساسيا من المعادلة السياسية والاقتصادية والأمنية فى إيران، فمن الناحية العسكرية والأمنية يضم الحرس الثورى عشرات الآلاف المقاتلين، بما يشكل كيانا موازيا للجيش الإيرانى، ويعد المتحكم الأساسى فى التفاعلات الداخلية حيث استخدمه النظام، إلى جانب قوات الباسيج، فى قمع الانتفاضات الداخلية المتكررة ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية، التى انتشرت فى العديد من المدن الإيرانية خلال العامين الأخيرين، إضافة إلى أنه المسئول عن تطوير البرنامج النووى وكذلك البرنامج الصاروخى، ويستحوذ الحرس على 20% من الميزانية العسكرية،



ومن الناحية الاقتصادية يستحوذ الحرس الثورى على نسبة كبيرة من الاقتصاد الإيرانى خاصة فى قطاعات النفط والتجارة والخدمات والتى ازدادت بشكل كبير خلال فترة العقوبات الدولية قبل الاتفاق النووى الذى وقع عام 2015، ولديه العديد من الشركات والمؤسسات التى تعمل فى مختلف القطاعات الاقتصادية. أما من الناحية الخارجية فيعد الحرس الثورى وذراعه العسكرية فيلق القدس أداة النظام الإيرانى فى دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار فى المنطقة العربية عبر دعم أذرعه العسكرية التى يشرف عليها مباشرة فيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليمانى، ويقوم بدعمها عسكريا وماليا ولوجستيا، مثل ميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن وحزب الله فى لبنان، والميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق مثل عصائب أهل الحق والنجباء والفاطميون ولواء أبى العباس والزينبيون وغيرها من الميليشيات التى تدين بالولاء لنظام الفقيه فى إيران، وتعتمد عليه بشكل كبير فى مواردها المالية والعسكرية، حيث يسعى الحرس الثورى إلى استنساخ نموذج حزب الله اللبنانى فى العديد من الدول العربية، وهنا مكمن الخطورة، فالنظام الإيرانى والحرس الثورى يقوم بدعم وتمويل تلك الميليشيات على أساس طائفى بما يغذى الصراع الطائفى والمذهبى فى المنطقة، إضافة إلى أن تلك الكيانات والميليشيات تشكل تهديدا وتحديا للدولة الوطنية العربية، حيث تمتلك السلاح والنفوذ وتعيق التوصل إلى حلول سياسية كما هو الحال فى اليمن، وتشكل دولة موازية كما الحال فى لبنان، وتمتلك السلاح كما هو الحال فى سوريا والعراق.



ولذلك فإن إدراج الحرس الثورى كمنظمة إرهابية من جانب أمريكا يعنى فرض عقوبات مالية على كل من يتعامل تجاريا أو سياسيا أو عسكريا مع الحرس الثورى الإيرانى، وكذلك فرض عقوبات على أفراد الحرس وقادته وتجميد أى أرصدة لهم فى البنوك الأمريكية ومنعهم من السفر للولايات المتحدة، وهذه الخطوة وإن كانت لن تؤثر بشكل كبير على أنشطة الحرس الثورى الاقتصادية، لعدم وجود تعاملات ضخمة مع الولايات المتحدة، إلا أنه من شأنها أن تؤثر على الموارد المالية للحرس فى ظل القيود والعقوبات المفروضة بموجب هذا التصنيف على الشركات والأنشطة التابعة له، كذلك فرض العقوبات على الشركات الأجنبية خاصة الأوروبية، التى تتعامل معه فى ظل أنه يعد منظمة حكومية رسمية تمثل جزءا أساسيا فى النظام الإيرانى.

وبالتالى فمن شأن تلك الخطوة أن تؤثر على أنشطة الحرس الثورى الاقتصادية والعسكرية فى الداخل، وتراجع أنشطته فى الخارج مع تقلص إمكاناته المالية نتيجة لسياسة العقوبات التى فرضتها الإدارة الأمريكية بعد الانسحاب من الاتفاق النووى فى مايو من العام الماضى، وفرض حزمتين من العقوبات فى أغسطس ونوفمبر الماضيين شملتا تقريبا جميع قطاعات الاقتصاد الإيرانى خاصة القطاعين النفطى المصرفى، وهو ما بدأت تأثيراته الاقتصادية السلبية تظهر مع تدهور قيمة العملة الإيرانية وتراجع الصادرات من النفط وانسحاب غالبية الشركات الأوروبية من السوق الإيرانية، كما اضطر الحرس الثورى لتقليص مساعداته وتمويله للميليشيات التابعة له مثل حزب الله، والذى كان قد ارتفع العام الماضى إلى 800 مليون دولار، حيث اعترف الحزب بتراجع قدرته على دفع رواتب أعضائه بسبب العقوبات الأمريكية على إيران. كما أن الخطوة الأمريكية قد تدفع العديد من الدول الأوروبية لتصنيف الحرس الثورى منظمة إرهابية مع تزايد أنشطة الحزب فى بعض الدول الأوروبية واستهداف المعارضين السياسيين، مثلما حدث فى فرنسا مع منظمة مجاهدى خلق المعارضة.

ورغم التهديدات الإيرانية باستهداف القوات الأمريكية فى المنطقة ردا على تصنيف الحرس الثورة منظمة إرهابية، وقبلها تصنيف حركة النجباء العراقية. منظمة إرهابية، إلا أن الخيارات الإيرانية تجاه الخطوة الأمريكية تظل محدودة فى ظل وطأة العقوبات الأمريكية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية الداخلية وتزايد الاحتجاجات الجماهيرية ضد النظام واتهامه بتبديد أموال الشعب الإيرانى فى الإنفاق على أذرعه العسكرية فى الخارج على حساب المواطن الإيرانى، الذى يعانى أوضاعا اقتصادية صعبة، كما أن التصعيد أو استهداف القوات الأمريكية قد يقود إلى مواجهة عسكرية مع أمريكا ليست فى صالح النظام الإيرانى، الذى دائما ما يطلق شعارات التحدى للاستهلاك الداخلى فقط، وليظل الشعب الإيرانى هو وحده الذى يدفع ثمن مغامرات النظام فى الخارج.


بقلم: د. أحمد سيد أحم

تم تصويب (43) خطأ فواصل