بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,

عبد الله بن عمر بن الخطاب،رضى الله عنه

هوعبد الله بن عمر بن الخطاب، ويكنى بأبي عبد الرحمن، أمه زينب بنت مظعون، ولد بعد البعثة بعامين وأبوه لم يسلم بعد، وما إن أصبح يافعا كان الله قد هدى والده عمر بن الخطاب، فأخذ ينهل من الإسلام عن الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، حيث كان يتبعه كظله.

هجرته رضى الله عنه

هاجر للمدينة المنورة مع والده وهو ابن عشرة أعوام وهناك اجتهد في حفظ القرآن. وشارك في غزوة الخندق عندما سمح له يذلك وهو ابن خمسة عشر عاما من العمر، كما شارك في بيعة الرضوان. وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين. يقول عبد الله رضى الله عنه:(عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردّني، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني.)
كان ابن عمر رضى الله عنه رجلاً آدم جسيماً ضخماَ، روى الكثير من الاحاديث عن رسول الله. يقول الامام البخاري "أصح الاسانيد(مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر)". قال الامام أحمد بن حنبل: أصح الأسانيد الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. ويرجع هذا إلى كونه أنه كان يبلغ أحد عشر من عمره عند الهجرة إلى المدينة وتأخر موته إلى عام 74 هـ.

كان فقيها كريما حسن المعشر طيب القلب لا يأكل إلا وعلى مائدته يتيم يشاركه الطعام. كان كثير الاتّباع لآثار النبي محمد، حتى إنه ينزل منازله، ويصلي في كل مكان يصلي فيه، وكان شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه، وتقول عائشة رضى الله عنها "(ما كان أحد يتبع آثار النبي في منازله كما كان يتبعه ابن عمر) ولا يقول إلا بما يعلم، وقد أفتى ستين سنة، ونشر مولاه نافع عنه علماً كثيراً، وقد طلب إليه الخليفة عثمان بن عفان القضاء، فاستعفاه منه، ولما وقعت الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان اعتزل الناس، ثم كان بعد ذلك يندم على عدم القتال مع علي، ويروى أنه قال حين حضره الموت (ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية) فعن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر، قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج.

رفض—استعمال القوة والسيف في الفتنة المسلحة بين علي ومعاوية، وكان الحياد شعاره ونهجه:(من قال حيّ على الصلاة أجبته، ومن قال حيّ على الفلاح أجبته، ومن قال حيّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا). يقول أبو العالية البراء: (كنت أمشي يوما خلف ابن عمر وهو لا يشعر بي فسمعته يقول: (واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم يقتل بعضهم بعضا يقولون: ياعبد الله بن عمر أَعْطِ يدك)ولكنه في عزلته تلك وفي حياده، لا يماليء باطلا..فلطالما جابه معاوية وهو في أوج سلطانه يتحديات أوجعته وأربكته..حتى توعده بالقتل، وهو القائل:" لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"..!!

وذات يوم، وقف الحجاج خطيبا، فقال:" ان ابن الزبير حرّف كتاب الله"!

فصاح ابن عمر في وجهه:" كذبت، كذبت، كذبت".

وسقط في يد الحجاج، وصعقته المفاجأة، وهو الذي يرهبه كل شيء، فمضى يتوعد ابن عمر بشرّ جزاء..

ولوح ابن عمر بذراعه في وجه الحجاج، وأجابه الناس منبهرون:" ان تفعل ما تتوعد به فلا عجب، فانك سفيه متسلط"..!!

وقد سأله نافع:(يا أبا عبد الرحمن، أنت ابن عمر، وأنت صاحب الرسول، وأنت وأنت فما يمنعك من هذا الأمر -يعني نصرة علي- ؟) فأجابه قائلا:(يمنعني أن الله حرّم عليّ دم المسلم، لقد قال عزّ وجل:(قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله، أما اليوم ففيم نُقاتل؟ لقد قاتلت والأوثان تملأ الحرم من الركن إلى الباب، حتى نضاها الله من أرض العرب، أفأُقاتل اليوم من يقول: لا إله إلا الله ؟!)

وقال رجل لابن عمر رضى الله عنه يا خير الناس وابن خير الناس فقال ابن عمر رضى الله عنه ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس ولكني عبد من عباد الله عز وجل أرجو الله وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه. وكان عبد الله كثير الفضائل جم المناقب، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عبد الله رجل صالح) وقال صلى الله عليه وسلم مرة لأم المؤمنين حفصة أخت عبد الله (نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي الليل) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا القليل، وقالت عنه السيدة عائشة: ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر، وقال عبد الله بن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر. وقال ابن المسيب: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة، لشهدت لابن عمر، وقال نافع مولاه: كان ابن عمر لا يصوم في السفر ولا يكاد يفطر في الحضر، وقال أيضاً: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد.

وسأل رجلٌ ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه، ولم يُجبه حتى ظنّ الناس أنّه لم يسمع مسألته، فقال له: (يرحمك الله ما سمعت مسألتي ؟) قال:(بلى، ولكنكم كأنّكم ترون أنّ الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهّم في مسألتك، فإن كان لها جوابٌ عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به) وجاءه رجل يسأله فقال ابن عمر له "لا علم لي بما تسأل" فلما انطلق الرجل قال عبد الله يحدث نفسه "سأل ابن عمر عما لا علم له به فقال لا علم لي به"

وأهداه يوما صديقا وعاء مملوءا..

وسأله ابن عمر: ما هذا؟قال: هذا دواء عظيم جئتك به من العراق ..قال ابن عمر: وماذا يطبب هذا الدواء..؟؟ قال يهضم الطعام..

فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه:" يهضم الطعام..؟ اني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما".!!

ان هذا الذي لم يشبع من الطعام منذ أربعين عاما، لم يكن يترك الشبع خصاصة، بل زهدا وورعا، ومحاولة للتاسي برسوله وأبيه..

كان يخاف أن يقال له يوم القيامة:(أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)..

ويحدثنا أيوب بن وائل الراسبي ، فيخبرنا أن ابن عمر جاءه يوما بأربعة آلاف درهم وقطيفة..وفي اليوم التالي، رآه أيوب بن وائل في السوق يشتري لراحلته علفا نسيئة –( أي دينا ) ..فذهب ابن وائل الى أهل بيته وسالهم أليس قد أتى لأبي عبد الرحمن – يعني ابن عمر – بالأمس أربعة آلاف،وقطيفة..؟

قالوا: بلى..

قال: فاني قد رأيته اليوم بالسوق يشتر علفا لراحلته ولا يجد معه ثمنه..

قالوا: انه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعها، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره، خرج.. ثم عاد وليست معه، فسألناه عنهتا. فقال: انه وهبها لفقير..!!

فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف. حتى أتى السوق فتوقل مكانا عاليا، وصاح في الناس:

" يا معشر التجار..

ما تصنعون بالدنيا، وهذا بن عمر تأتيه اربعة الاف درهم فيوزعها، ثم يصبح فيستدين علفا لراحلته"..؟؟!!

كانت حياة عبد الله بن عمر تتراوح بين العبادة والفتيا للناس والحج والعمرة، وكان يحج سنة ويعتمر أخرى، ويعد عالماً في مناسك الحج. وكان يجتهد في العبادة وترويض النفس، كان دخله وعطاؤه بمئات الآلاف وكان يعيش عيش الفقراء والمساكين، حيث كان يوزع كل ما وصل إليه من مال وعطاء. مات بمكة سنة أربع وسبعين وقيل سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة, بعد أن أصابه أحد جنود الحجاج بن يوسف الثقفي بجرح من رمح مسموم.

وله من الأولاد :-أبو بكر وأبو عبيدة وواقد وعبد الله وعمر وحفصة وسودة (أمهم صفية) وعبد الرحمن وسالم وعبيد الله وحمزة (أمهم أم ولد) وزيد وعائشة (لأم ولد)




المراجع
البداية والنهاية – ابن كثير
الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر
أسد الغابة – ابن الأثير الجزرى
تذكرة الحفاظ – الذهبى
حلية الأولياء – أبو نعيم الأصفهانى