بون - رشا حلوة (دويتشه ﭭيله) : في مقالها* لـ DW عربية تسلط الكاتبة الصحفية رشا حلوة الضوء على مسألة عمر المرأة في العلاقات العاطفية، إذ ترى أن بعض القوانين جندرية تفرض هذا اجتماعيا على المرأة العربية دون الرجل، فهل يختلف الأمر في ألمانيا؟



"عانس"، أو "عنسّت"، نعت يُقال للمرأة التي تعدّت الثّلاثين من عمرها ولم تتزوج حتّى ذاك الوقت، وفي أماكن معيّنة تختلف مسألة السّن المحدد، هذا التعبير هو بمثابة قسوة نفسيّة موجهة لكلّ من لم ترتبط عاطفيًا أو تجد لها شريكًا لحياتها في بلادنا. ولوّ سُألت معظم النّساء اللواتي لم يرتبطن عاطفيًا أو زوجيًا حتى الآن، لقلن بأن هذا الوصف من أبشع وأقسى الأوصاف التي ينسبها بعض أفراد مجتمعاتنا وشرائحه إلى المرأة التي تكبر بالسّن، ولم تجد احتمال حبّ أو شراكة زوجيّة بعد، والأبشع من هذا، بأن المجتمع يتعامل معها بأنها "غير صالحة" لذلك بعد، وأنه "فاتها القطار".

نعرف أن الوصف بإمكانه أن يُنسب للرجل أيضًا في بلادنا، لكن بالطبع، لا يُنسب لا علنًا ولا سرًا، لأن الرّجل، ووفقًا للقوانين الجندريّة التي تُفرض علينا، نساءً ورجالًا، يمكن للرجل أن يحبّ أو يرتبط عاطفيًا أو يتزوج في الجيل الذي يراه مناسبًا، كما أنّ هذه القوانين تسمح للرجل بأن يرتبط عاطفيًا بامرأة تصغره بسنوات كثيرة، ويرى بعض أفراد المجتمع أن الأمر لا عيب فيه، لكن إنّ أحبّت امرأة أو أرادت أن ترتبط عاطفيًا برجل يصغرها سنًا، والحديث هنا لا يدور عن عامٍ أو عاميْن، إنما أكثر من كذلك، عندها ينهال عليها النقد من كلّ حدب وصوب.

بإمكاننا أن نذكر هنا مثالًا مهمّا، لامرأة جميلة وقوية، لم تمنعها أو تحدها هذه القوانين المجتمعيّة على الوقوع في الحبّ مجددًا: الصّبوحة، المغنيّة اللبنانيّة صباح، التي وعلى الرّغم من شعبيتها الكبيرة، وحبّ الناس لأغانيها، بقي هذا الموضوع "شائكًا" في نظر الكثيرين، وأحيانًا كان الموضوع حاضرًا بقوة للسخريّة منها، ونعتها بأنها "مجنونة" و"هبلة" وما إلى ذلك. وبإمكاننا أيضًا أن نشير إلى مثال آخر، إلى الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون وزوجته بريغيت تورونو التي تكبره بأربعة وعشرين عامًا، وسوف يستعيد كلّ منا صدى صوتًا سمعه مرة عندما عُرف هذا الخبر: "عزا! كيف متزوجها هاي!؟".

هنالك أمرٌ من المهم الإشارة إليه في حديثنا عن جيل النّساء وعلاقته باحتمالات الحبّ والارتباط العاطفيّ أو الشّراكة الزوجيّة، هو العامل البيولوجيّ المرتبط بالنساء، بما يتعلّق بالسّن وعلاقته بالحمل، ومدى تأثير هذا الجانب تاريخيًا على العامل الاجتماعيّ بما يتعلق بهذه المعادلة، سواءً ترغب المرأة في أن تحمل أو لا.

بمعنى، العامل البيولوجيّ ومعادلته مع الزّمن، الذي لا سيطرة للمرأة عليه، هو حقيقة وهو أيضًا ألم خاصّ لكل امرأة رغبت أو ترغب في أن تجلب طفلًا أو طفلة إلى هذه الحياة، ولا يمكنها لأنها لم تتزوج أو لا ترغب في الزواج أصلًا، لكن هذا موضوع آخر تمامًا. لكن، التوظيف الاجتماعيّ لهذا الدّور البيولوجي، والذي بُنيت عليه تاريخيًا أدوار اجتماعيّة كثيرة للمرأة، هو ما نتحدث عنه هنا، والذي يلّخص بفكرة أنه كلما تقدم عمر المرأة، أو اقترب إلى الأربعين، لا يحق لها أن تحبّ، تمامًا كما تتقلص إمكانيّة إنجاب طفل أو طفلة بسبب العامل البيولوجيّ.

قبل أن أنتقل إلى برلين بأيام قليلة، التقيت بصديقة من أصدقاء الطّفولة، تكبرني بعامٍ ونصف تقريبًا، وكلانا ما بعد الثلاثين من عمرنا. تحدثنا عن السّفر والأماكن الجديدة، كما عن الحبّ والعلاقات العاطفيّة. أذكر جيدًا أن كلانا اتفقنا على فكرة أننا نريد أن نعيش في مدن احتمالات الحبّ فيها غير منوطة بتقدم عمرنا، مدن لا يُسخر من نسائها اللواتي يقتربن إلى الخمسين، وما زلن يبحثن عن الحبّ ولم يُمنعوا عنه بقرار مجتمعيّ. في حديث مع صديقة عربيّة مقيمة في برلين منذ سنوات حول هذا الموضوع، ومعادلة احتمالات الحبّ والارتباط العاطفيّ مع تقدم عمر المرأة في بلادنا مقارنة في مدينة مثل برلين، قالت: "الموضوع ليس برلين تحديدًا، إنما هو مكان أوسّع ومفتوح على العالم وفيه إمكانيات أكثر. الأمر الثاني هو أن في مدينة كبرلين، هنالك حريّة أكبر بأن تدخلي بعلاقة وأن تشعرين بالحبّ وتجربينه بلا ضغوطات اجتماعيّة حول ضرورة الزّواج. في بلادنا، أو في مجتمعات مغلقة، الارتباط هو لهدف الزّواج، أي منذ البداية تحصر المرأة نفسها بإمكانية الحبّ من أجل الزواج. أما في مكان غريب وبعيد، هنالك حرية وأقل ضغطًا وهنالك مساحة للحبّ والتجربة والمغامرة".

بالطبع، أنا أسلط الضّوء بمقالي هذا عن واقع تعيش فيه بعض شرائح من مجتمعاتنا العربيّة، وكما قالت صديقة ثانيّة: "حتى لو كانت امرأة تعيش في حيّ ببرلين وسط عائلتها الصّغيرة أو الكبيرة، لربما ستمرّ بنفس الضغوطات الاجتماعيّة المرتبطة بعمرها والزواج"، أي أن هنالك عوامل عديدة تؤثر على هذا الضغط، بما في ذلك المكان التي تعيش به المرأة وعلاقتها معه، إلخ. لكن بالطبع، هنالك استثناءات عديدة لهذا الواقع، وبالتالي بالتأكيد هنالك قصص نجاح كثيرة لنساء كبرن بالسّن وفرضن على الواقع حقهن بأن يرتبطن عاطفيًا ويخترن شكل حياتهن.

وأنا أكتب مقالي هذا، أستعيد مشاهدًا كثيرة وُصفت فيها امرأة بأنها "عانس" أو "رح تعنّس"، والنظرة الدونيّة التي تُلقى عليها، من نساء ورجال، لأنها غير مرتبطة أو غير متزوجة وكبرت بالسّن، سواء قررت ذلك لأنها لا تربد الزّواج، أو لأن لديها ميولًا جنسيّة مثليّة، أو لأن تقدمها بالعمر منعها من البحث عن الحبّ، وفقًا لقيود المجتمع. أستعيد هذه المشاهد وأنا أتمنى لهن، ولكل امرأة تكبر بالسّن، وتتعدى كل سنّ فرضه المجتمع عليها من أجل أي شيء، أن تجد لها المساحة والأماكن، القريبة والبعيدة، التي لا تتنقص من حقها بأن تمارس كل المشاعر التي وُهبت لها. لهن، ولكل النساء اللواتي لم يحدهن العمر البيولوجيّ من أن يواصلن البحث عن الحبّ واحتمالاته في بلادها أو بعيدًا عنها، سواء بارتباط عاطفيّ أو شراكة زوجيّة، كلّ التحيّة والحبّ.

* المقاليعبرعنوجهةنظركاتبتهوليسبالضرورةرأيمؤسسةDW.