الباحة - عثمان الشعلاني (الحياة) : بعد أن كانت أشجار اللوز في منطقة الباحة مورداً أساسياً لبعض المزارعين اقتصادياً، ورافداً مهماً من روافد الزراعة في المنطقة، أصبحت الآن تواجه شبحاً يهددها بالانقراض، ويطوي أعواماً عدة كانت أحد أهم الأشجار الزراعية في المنطقة إلى النسيان، وذلك في ظل قلة الاهتمام الزراعي بتلك الأشجار من الجهات الحكومية، والمزارعين على حدٍ سواء، إضافة إلى الهجرة الكبيرة من أهالي المناطق الريفية إلى المدن الكبيرة.



وعزا بعض المزارعين في منطقة الباحة خلال حديثهم إلى «الحياة» وجود أسباب عدة أدت إلى انحسار إنتاج اللوز في المنطقة، من بينها إهمال المنتجين الحقيقيين لزراعة اللوز، وقلة الأمطار في الأعوام الأخيرة، إضافة إلى وجود المنافسة القوية مع اللوز المستورد من دول عدة من بينها إيران، سورية، وأميركا بأثمان أقل.

ويؤكد المنسق العام لجمعية البيئة السعودية عبدالله مكني لـ «الحياة» أن إنسان منطقة الباحة كان وﻻ يزال يفخر بانتشار أشجار اللوز في سراة منطقة الباحة وبعض ضواحيها، والتي تحمل ثمارها فوائد طبية عدة، والتي تشبه اللآلئ المنثورة على سفوح جبالها الفطرية، مضيفاً: «تتميز بفوائد طبية عدة منها خفض مستويات الكولسترول الضار، ومساعدته في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب وحماية الخلايا من التلف».

من جهته، يفيد الدكتور أحمد قشاش مؤلف كتاب (النبات في جبال السراة والحجاز) لـ «الحياة» بأن المنطقة الأصلية لشجرة اللوز في بلدان العالم كافة هي بلاد زهران، إذ كان اللوز في الباحة ينتج بكميات كبيرة جداً ويصدّر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وبصفة عامة إلى مناطق الحجاز قديماً، إضافة إلى خارج الجزيرة العربية، مبيناً أن اللوز من السلع التي تحتمل التخزين لأعوام طويلة، كما أن لوز المنطقة له نكهة خاصة وهناك نوع يسمى (لوز الفجري) وينتمي إلى مدينة في ديار بني مالك.



ويشير إلى أن شجرة اللوز تنبت في جبال عدة في المنطقة مثل جبل إبراهيم، وبعض شعاب زهران، وهو يحتاج الى عناية ولا بد أن تعاد زراعته وتشجيع المزارعين كما لا بد أن تنشأ جمعية للوز كجمعية الرمان في المنطقة.
بدوره، يقول أحد المهتمين بزراعة اللوز أحمد الغامدي إن شجرة اللوز الواحدة أو ما تسمى بـ «الغضاريف» و«اللوز الحجازي» تنتج نحو 200 كيلوغرام في الموسم الواحد، فيما تتفاوت أسعار صناديق اللوز في بداية الموسم عن وسطه وآخره، إذ تبدأ الأسعار في أول الموسم في الارتفاع لتعود إلى الانخفاض في وسطه، وتعود مرة أخرى للارتفاع في نهايته.

ويشير إلى أن بعض المختصين يؤكدون أن تناول حبة من اللوز أو ما يعادل نصف حبة يومياً كجزء من الغذاء الصحي، يعد عاملاً مساعداً في تقليل خطر الإصابات القلبية، فضلاً عن الفوائد الجمة لزيت اللوز، إذا استعمل بدلاً من الدهون لتخفيف مستوى الكولسترول في الدم.



ويرى أحد المهتمين بزراعة اللوز المهندس سفر الغامدي أنه رغم الأسعار المرتفعة في البيع التي تصل في بعض فترات موسم الحصاد إلى بيع مكيال الربع بنحو 140 ريالاً، فإن الطلب المتزايد يظل عاملاً مؤثراً ومهماً في تلك الارتفاعات التي لا يأبه بها مرتادو الأسواق، خصوصاً محبي اللوز، منوهاً بأن خصائص أشجار اللوز تتميز بتحملها لمختلف الظروف المناخية، وهي مقاومة لقلة المياه إذ ترتوي من دون أي تدخل كون موسم إنتاجها يرتبط دائماً بنهاية فصل الشتاء.

ويضيف: «أثبتت أشجار اللوز قدرتها على تحمل الجفاف وعادة ما يجفف اللوز عند قرب انتهاء الموسم ليصبح بعد ذلك يسمى (اللباب) الذي يأخذ في شكله النهائي بذرة خشبية الشكل، يميل لونها للبني الفاتح وهو يقدم في حينه كمكسرات، ويتفاوت سعر الصندوق الواحد من اللوز المجفف مع القشر من 90 إلى 120 ريالاً».



ويشكو أنس الزهراني من إهمال زراعة اللوز في الباحة مقارنة بدولة اليابان المنتجة أيضاً للشجرة، إذ إنه يكون في أواخر آذار(مارس) إلى منتصف أواخر نيسان (أبريل) من كل عام بقعة ساحرة تخطف الأبصار، وذلك عندما تبدأ أزهار الكرز أو ما يعرف باسم «ساكورا» في اليابان بالتفتح، لتغمر البلاد بغطاء من الأزهار الوردية غاية في الرقّة والجمال، مضيفاً: «إن لون زهر اللوز في الباحة قريب جداً من لون زهر الكرز، ولو حظي اللوز في الباحة باهتمام من إمارة المنطقة وذلك بحث البلدية بأن تستخدم شجرة اللوز في زينة الشوارع لكان من الأفضل للمنطقة، أو تخصيص موقع كالحديقة للوز أوعمل مهرجان له كمهرجان الرمان والعسل والموز».

... وتخصيص مواقع زراعية لحمايتها من الاندثار
< أكد المدير العام لفرع الزراعة بمنطقة الباحة المهندس سعيد جارالله لـ «الحياة» أن وزارته خطت خطوة أفضل في الوقت الحالي، وذلك بتخصيص ثلاثة مواقع زراعية مجهزة في شكل كامل لزراعة أشجار اللوز في منطقة الباحة، وذلك لعودة هذه الزراعة إلى الإنتاج وحمايتها من الاندثار، مشيراً إلى تنسيق الوزارة مع المنظمة العالمية الزراعية «منظمة الفاو»، وإمارة منطقة الباحة، إذ عملنا مشروعاً مع المزارع بهدف إيجاد عينات تشجيعية لحث المزارعين على الاهتمام بزراعة مدرجاتهم.



وأضاف: «تم تحديد ثلاثة مواقع لزراعة اللوز في محافظة المندق، بني حسن، ومحافظة القرى، ونتمنى من المزارعين ان يتعاونوا معنا بإعطائنا المدرجات الزراعية الموجودة، والتعاون معنا في زراعتها، إذ إن المواقع الثلاثة جهزت ومهيأة لزراعة اللوز فيها والزيتون خلال موسم زراعة الشجرة هذا العام، وذلك بعد تدشينه من أمير المنطقة، وزراعة أول شجرة ، والتي ستكون خلال الأسابيع المقبلة».

وأشار الجار الله إلى إقامة ورشة عمل تنعقد في الإدارة العامة حول موضوع زراعة أشجار اللوز في الباحة والاستفادة منها، إذ سيتم استقطاب الكثير من المزارعين وعرفاء القرى ومشايخ القبائل، وذلك بهدف الاطلاع على المشروع، وحث المزارعين كافة للاستفادة من التجربة.