عماد الدين حسين (DW) : في مقـاله* لـDW عربية يسلط الكاتب الصحفي عماد الدين حسين الضوء على سر التقلبات الدراماتيكية لجماعة الإخوان وأخطائها التكتيكية، التي قادت فيها النهاية إلى سقوطها سريعا، وكيف أن ظاهرة "الأخونة" كانت سببا آخر في هذا السقوط.


عماد الدين حسين - DW

السؤال عن مستقبل جماعة الإخوان في مصر والمنطقة العربية ما يزال مطروحاً داخل وخارج المنطقة العربية. الإخوان وبعد "ثورات الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011، تمكنوا من الخروج من الظل إلى كراسي الحكم مباشرة في البلدان الثلاثة.

وتصور كثيرون أنهم في طريقهم للسيطرة على المنطقة بأكملها لعشرات السنين، كما فعلت الثورة الإسلامية في إيران منذ 1979. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن الإخوانية، فقد سقطوا في مصر، وخسروا الانتخابات في تونس، وصاروا رقماً ضعيفاً أقرب إلى الميلشيا في ليبيا، وخسروا أكثر في سوريا بعد أن حلموا مع تركيا بكل السلطة قبل 30 يونيو/ حزيران 2013.

الاستقطاب بشأن تقييم لماذا فشل الإخوان، وما هو مستقبلهم، جعل الإجابات متصادمة. المعارضون لهذه الجماعة يرونها أقرب إلى "شيطان رجيم ينشر العنف والتطرف والإرهاب"، أما المؤيدون فيرونها "مجموعة ربانية من الملائكة تحلق بأجنحة في سماوات العالم!".

ولأن كلتا الإجابتين متطرفة، فإن ما قدمته أليسون بارجتر الباحثة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والحركات الإسلامية، يلقي الضوء على وجهة نظر ثالثة، قد تفسر لنا سر التقلبات الدراماتيكية الذي شهدها تيار "الإسلام السياسي".



هذه الباحثة ألفت كتاباً مهماً في الشهور الأخيرة عنوانه "العودة للخفاء.. جماعة الإخوان والنهضة خلال الربيع العربي". تبدأ المؤلفة كتابها بما صار معروفاً لكثيرين عن صعود تيار الإسلام السياسي، بدء من عام 2011، لكن أهم ما يميز الكتاب - الذي عرض له موقع "مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة" هو أسباب فشل الجماعة في الحفاظ على مكاسبها في مواجهة التحديات المتزايدة.

الإجابة التي تقدمها بارجتر هي أن الجماعة تنتهج النهج التدريجي سياسياً وليس الثوري الراديكالي بسبب عدم استعدادها وعدم كفاءتها لتولي السلطة عقب الربيع العربي. الجماعة كانت في صفوف المعارضة لعقود ولذلك لم تكن مستعدة لتولي الحكم، حيث افتقرت إلى البرامج الاقتصادية والسياسية اللازمة للقيادة.

وفي تقدير بارجتر فإن هناك عوامل ساهمت في السقوط السريع للجماعة أهمها:


أولاً- الأسباب السياسية: وتري بارجتر بأن الفشل يرجع لأسباب سياسية أكثر منها دينية؛ نتيجة نقص الخبرة، وقصور فهمها للواقع المتغير. فقد كشفت المشاكل التنظيمية عن ضعفها وافتقارها للرؤية الواضحة. كما أدى سوء قراءة الوضع، وتركيزها على الهيمنة السياسية بشكل سريع، لوقوعها في أخطاء تكتيكية متعددة.ولم ترق الجماعة إلى وظيفة الحكم، أو أن تعمل كقوة سياسية حديثة ومعاصرة، لأنها لم تكن معتادةً على البحث عن مؤيدين خارج نطاق قاعدتها التقليدية.

ثانياً- الأسباب التنظيمية: وترى الكاتبة أن المصدر الأساسي لقوة الجماعة وهو التنظيم والحشد، والذي مكن مرشحها في مصر محمد مرسي من الفوز بالانتخابات الرئاسية عام 2012؛ كان - في الوقت ذاته- نقطة ضعف أساسية، حيث جعلها تغفل ضرورة العمل مع اللاعبين السياسيين الآخرين، الأمر الذي سرع من سقوطها. فقد أوهمتها تلك القوة بأنها ليست في حاجة للتنسيق مع القوى الأخرى، ولذلك عملت على السيطرة على مفاصل الدولة أو ما أُطلق عليه وقتها ظاهرة "الأخونة".

ثالثاً- الأسباب الفكرية والأيديولوجية: في تقدير بارجتر فإن الجماعة اتسمت بالضحالة الفكرية والأيديولوجية وسطحية المبادئ الأساسية التي ترسخت في عقيدتها منذ إنشائها، والنهج "الانتهازي" والرغبة الشديدة في التضحية بأيديولوجيتها من أجل نصر سياسي قصير المدى، وافتقرت أيضاً إلى القدرة على المرونة والتكيف مع المتغيرات.


وتشرح بارجتر انكشاف ضحالة الجماعة الأيديولوجية، حيث اكتشفت قطاعات جماهيرية عريضة الهوة الواسعة بين خطابهم الديني والتصرفات الواقعية لأعضاء الجماعة بعد توليهم السلطة، وأن ادعاءهم دوماً بأنهم ليسوا طلاب سلطة كشف عن تحايلهم السياسي والاجتماعي.

وبعد أن أسهبت المؤلفة في تفسير لماذا سقط الإخوان، فقد اتجهت إلى ما هو أهم أي محاولة قراءة المستقبل.

وتتوقع بارجتر أن براغماتية الجماعة والادعاء بالاعتدال في أجندتها، سيؤدي لظهور جماعات أكثر محافظة من السلفيين، والذين اعتبرتهم الكاتبة مصدراً مهمّاً للتغيير في المنطقة ستكون له تداعيات كبيرة. والسبب أن ظهور الجماعات السلفية لم يكن في فترات القمع ولكن تزامن مع اتساع الحريات السياسية عقب الربيع العربي، وبالتالي تتوقع الباحثة أن تكون القوى السلفية منافساً قويّاً للجماعة مستقبلاً، خصوصاً في الدول التي حققت فيها الجماعة فشلاً ملحوظاً.

خلافاً لرؤية كثيرين فإن الكاتبة لا تتفق مع القائلين بأن تيار الإسلام السياسي قد انتهى. والسبب – كما تعتقد- يكمن في أن "الإخوان" تولوا الحكم في مصر في مرحلة انتقالية فوضوية ومفاجئة في منطقة كانت تتميز بالاستقرار لعقود. كما أن الربط بين سقوط الجماعة ونهاية "الإسلام السياسي" يقصر الإسلاميين على حزب "الحرية والعدالة" الذي لم يتم إنشاؤه إلا بعد 2011. كما أن الجماعة استمرت في دول عربية أخرى، ورغم ضعف حركة "النهضة" في تونس، إلا أنها ظلت فاعلاً قويّاً.
وترى المؤلفة أنه ورغم الإخفاقات فإن جماعة الإخوان حركة ذات جذور اجتماعية، وبالتالي فإن القول بنهاية تيار "الإسلام السياسي" أمر يصعب تصديقه.



ورغم الحكم القيمي السابق فإن الشروط التي وضعتها المؤلفة لعودة الجماعة مرة أخرى للساحة السياسة مجدداً شبه مستحيلة على الأقل في الوقت الراهن.

وهذه الشروط هي:


أولاً- الإصلاح من الداخل: ورغم استمرار تمتع الجماعة بالدعم بين قاعدتها التقليدية، إلا أنها تحتاج لإيجاد طريقة للإصلاح من الداخل، ما يعني الذهاب لأبعد من الكلام المعتاد عن المشاركة في المراجعات، بل يتطلب إعادة التفكير في ماذا يُقصد بـ"الإخوان المسلمين"، وماذا تمثله اللحظة الراهنة لهم.

الجماعة وبعد الضربة القوية التي تعرضت لها ما يزال الخلاف داخلها يدور حول التغيير القيادي، ورفض الفردية، والمؤسسية وتعديل اللائحة، لكن ما يتعلق بالرؤية والمنهج ما يزال غائباً عن النقاش الداخلي. كما أن الجماعة لا تمتلك خطة واضحة حول إمكانية التعايش مع مؤسسات الدولة القائمة ومشاكلها وتعقيداتها.

ووفقاً للمؤلفة فلن يكون الإصلاح الداخلي أمراً سهلاً؛ لأن الجماعة مثل العديد من الكيانات السلطوية، لم تكن تميل إلى المراجعة الذاتية أو الإصلاح. وعلاوةً على ذلك، فإن أي محاولة لتنفيذ أي إصلاح جاد في مثل تلك البيئة المضطربة في منطقة الشرق الأوسط مهمة صعبة في أحسن الأحوال، على حد وصف بارجتر.


ثانياً- إجراءات استعادة الثقة: ترى المؤلفة أن على الإخوان اتخاذ عدداً من الإجراءات لاستعادة الثقة، مثل بناء تحالفات تقوم على مطالب وشعارات وبرامج عامة تتجاوز ثنائية المدني- الديني.

وتخلص بارجتر في مؤلفها إلى أنه إذا كان الإسلام السياسي لم ينته، فإن ذلك لا ينكر أن جماعة الإخوان واجهت صفعة قوية، للأسباب التي سبق ذكرها.

مرة أخرى الكتاب مهم رغم أنه من وجهة نظري لم يتوسع في رصد الخلل البنيوي داخل فكر الجماعة والتعامل بمبدأ "التقية"، والمناهج التربوية التي يتم تعليمها للصغار داخلها، وهي مناهج تركز على أفكار خطيرة مثل "الجماعة ربانية" و"أستاذية العالم" و"جماعة المسلمين"، إضافة إلى عدم الإيمان الحقيقي بفكرة الديمقراطية أو ولاية المرأة والأقباط، وكذلك غياب برنامج اقتصادي اجتماعي محدد بعيداً عن الشعارات العامة مثل "الإسلام هو الحل".

ورغم كل ما سبق فقد حاول الكتاب تقديم قراءة موضوعية لقضية تشغل جانب كبير من العالمين العربي والإسلامي، ويبدو أنها ستظل تشغله لفترة طويلة.


* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW