المدينة المنورة - تركي الفريدي (واس) : لم يأت اختيار المدينة المنورة عاصمة السياحة الإسلامية 2017م من فراغ، بل كان لأهمية هذه المدينة المباركة التي قصدها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة المكرمة، وعدت مُهاجر ومثوى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، واحتوت على مواقع اشتهرت في التاريخ الإسلامي بارتباطها بالسيرة النبوية الشريفة، وسميت بأسماء مختلفة منها: طيبة الطيبة، وطابة، والدار والإيمان، والحبيبة والمحبوبة ومأرز الإيمان، وعاصمة الإسلام الأولى التي أنبثق منها فجر النور وشُعاع الهداية لأصقاع المعمورة.



وعندما هاجر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة سنة 1هـ ــ 622م، بدأت المدينة المنورة رحلتها مع التغييرات الكبيرة، فقد غيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها من يثرب إلى المدينة، وانهى العداوة بين الأوس والخزرج، فسُمُّوا بالأنصار، وأخى بينهم وبين المهاجرين، وتَشَكَّلَ حينها أول مجتمع مسلم متأخي متحاب، فأخذ ينمو بدخول الناس في دين الله، وتنتظم حياته بالتشريعات التي يتنزل بها الوحي من السماء ويسنها رسول صلى الله عليه وسلم.

ولقد عاش أهل المدينة المنورة سنوات ينعمون بالأمن والاستقرار والتطور الاقتصادي والاجتماعي والعمراني، يتعلمون أمور دينهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن لحق عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى، في ربيع الأول سنة إحدى عشرة للهجرة، وبوفاته صلى الله عليه وسلم انتهت أزهى مرحلة من حياة المدينة، مرحلة النبوة التي صارت فيها عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة، ونواة الأمة الإسلامية وحضارتها المتناميتين.

وتوالت العهود على مر التاريخ على المدينة المنورة حتى جاء العهد السعودي الذي شهدت فيه المدينة المنورة العديد من التطورات المتلاحقة، وطُوي مع هذا العهد الميمون - بفضل الله تعالى - صفحة المتغيرات السياسية واضطراباتها، واستتب الأمن، وتقدمت الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

وحظي المسجد النبوي الشريف بعناية كبيرة خلال العهد السعودي، فقد شهِد سلسلة متوالية من التوسعات والعمارة الحديثة بدأت في عهد الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله -، واستمرت خلال عهود أبنائه الملوك البررة -رحمهم الله - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - الذي يتابع باهتمام بالغ مشروعات توسعات المسجد النبوي، ودشن - رعاه الله - عددا من المشروعات التنموية والتعليمية خلال زيارته لمنطقة المدينة المنورة العام الماضي بقيمة خمسة مليارات ريال لتوفر بيئة معيشية وخدمية أفضل تتناسب مع السكان والزائرين سنويا للمنطقة.

وشهدت المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي نهضة عمرانية ضخمة مازالت امتداداتها مستمرة، حيث ظهرت مجمعات سكنية تجارية تستوعب مئات الآلاف من الزائرين والمعتمرين، حيث تُقدم لهم فيها أرقى خدمات السكن والتسوق، وشتى أنواع الخدمات والإحتياجات المختلفة.

في انتظار الصور من واس

ويفد إلى المدينة المنورة سنويًا ملايين الزوّار من الحجاج والمعتمرين وقاصدي مسجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقضون بالمدينة المنورة عدة أيام يحرصون خلالها على الصلاة في المسجد النبوي الشريف، والتشرف بالسلام على الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبيّه رضوان عليهما، وزيارة العديد من المساجد والمواقع والمعالم التاريخية والإسلامية بالمدينة المنورة، وسط تسهيلات وجهود كبيرة من جميع الجهات الحكومية والأهلية والخاصة ذات العلاقة بخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار.

وتستعرض "واس" بمناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة للسياحة الإسلامية 2017م، أهم مايميز المدينة المنورة من المساجد والمواقع التاريخية والمعالم الإسلامية التي يحرص القادمين إليها على زيارتها ومنها المسجد النبوي الشريف والصلاة فيه وزيارة( قبر النبي صلى الله عليه وسلم )، فيُستحب لمن كان بالمدينة المنورة أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم،

وأن يقف عنده باحترام وأدب ولا يرفع صوته، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ ۞ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)، وأن يقف قريباً منه قدر المستطاع عند السلام عليه مستقبلاً المواجهة الشريفة، إضافة إلى (الروضة الشريفة)، وهي موضع في المسجد النبوي الشريف، يقع بين المنبر وحجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويبلغ عرضها قرابة 26 متراً ونصف، وهي الآن محددة بسجاد أخضر اللون مختلف عن بقية سجاد الحرم، ويستحب لمن زار المدينة الحرص على الصلاة والعبادة فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".

ومن هذه المساجد (مسجد قباء) وهو أول مسجد بني في الإسلام، خطه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده عندما وصل إلى منطقة قباء مهاجراً من مكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصده بين الحين والآخر ليصلي فيه، ويختار يوم السبت غالباً، ويحض على زيارته، وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه: "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة "، إلى جانب (مقبرة البقيـع) المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يُسمى بقيع الغرقد نظراً لانتشار شجر الغرقد فيه قديماً، فيما يقع في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سور المسجد النبوي، ويضم البقيع رفات من مات من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين. ويُروى أن ما يقرب من عشرة آلاف صحابي دفنوا فيه، منهم أمهات المؤمنين وزوجات رسول الله صل الله عليه وسلم (عدا خديجة، وميمونة)، وبناته، وآخرهن فاطمة الزهراء، وابنه إبراهيم، وعمه العباس، وعمته صفية، وحفيده الحسن بن علي، وذو النورين عثمان رضي الله عنهم، وغيرهم كثير، وقد وردت أحاديث عدة في فضل البقيع وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن دفن فيه ودعائه لهم.

في انتظار الصور من واس

ومن المواقع التاريخية في المدينة المنورة (مقبرة شهداء أحد) وتقع في شمال المسجد النبوي على بعد أربعة كيلومترات منه، ودُفن فيها سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اُستشهدوا في غزوة أحد التي وقعت في شوال سنة ثلاث للهجرة، وفي مقدمتهم عم المصطفى صلى الله عليه وسلم، الصحابي الجليل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور المقبرة بين الحين والآخر، وكذلك (مسجد القبلتين)، ويقع هذا المسجد على ربوة من الحرة الغربية (حرة الوبرة) بناه بنو سواد بن غنم بن كعب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الثاني للهجرة النبوية المباركة وكانت مواد البناء آنذاك هي اللبن والسعف وجذوع النخيل، ولهذا المسجد أهمية خاصة في التاريخ الإسلامي، لنزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحول إلى قبلة الكعبة المشرفة بعد أن كانت القبلة هي بيت المقدس، كان ذلك يوم 15 شعبان من العام الثاني للهجرة الموافق 11 شباط / فبراير 642م، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور أم بشر من بني سلمة معزياً فصنعت له طعاماً وعند صلاة الظهر نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي وبعد أن أتم ركعتين نزل عليه الوحي بالتحول إلى الكعبة المشرفة قال تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}.

ويوجد (مسجد الجمعة) الذي صلى فيه الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن أقام في قباء أربعة أيام حتى صباح يوم الجمعة الموافق 16 من شهر ربيع أول (من العام الهجري الأول)، ثم خرج صلى الله عليه وسلم متوجهاً إلى المدينة المنورة، (وعلى مقربة من محل إقامته بقباء) أدركته صلاة الجمعـة فصلاها في بطن ( وادي الرانوناء)، وقد حدد المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة وسمي بعد ذلك (بمسجد الجمعة)، كما يوجد (مسجد ذي الحليفة) الذي يُعرف بمسجد الشجرة - مسجد الميقات - وهي شجرة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل تحتها بذي الحليفة كما في صحيح مسلم، ويعرف أيضاً بمسجد ذي الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة المنورة ومن يمر بها، حيث وورد في صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: (بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة وصلى في مسجدها)، وفي رواية له: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم استوت به الناقة قائمة وأهل بهذه الكلمات: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

ومن المواقع التي لها علاقة بالتاريخ الإسلامي المجيد والسيرة النبوية العطهرة (جبل أحد) الذي سمي بهذا الإسم لتوحده وانقطاعه عن غيره من الجبال أو لما وقع من أهله من نصر التوحيد ويقع شمال المدينة وبسفحه وقعت معركة أحد قال عنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام (هذا جبل يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة)، ومنها (جبل الرُماة) وهو جبل صغير يقع قرب جبل أحد وفى الجهة الجنوبية الغربية منه في المنطقة التي وقعت فيها غزوة أحد سنة ثلاث للهجرة، ولذلك يسمى بجبل الرماة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الرماة عليه قبيل الغزوة وأوصاهم أن يحموا ظهور المسلمين ويمنعوا تسلل المشركين من خلفه.

في انتظار الصور من واس

ويمتد هذا الجبل من الشمال إلى الجنوب مع شيء من الميل نحو الشرق وبقربه مجرى وادى قناة، وهو قليل الارتفاع، وقد تضاءل حجمه وارتفاعه حالياً بسبب ارتفاع مستوى الأرض المجاورة له بالطمي الذي كانت تُخلفه السيول من وادي قناة وبسبب تحسين المنطقة وشق الطرق حولها، لذلك تبدو بقاياه اليوم دون ما كانت عليه من قبل، وقد دفن عدد من شهداء أحد بقربه من جهة الشمال.

ومن المساجد التاريخية في المدينة المنورة (مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه)، وهو أحد مصليات العيدين التي صلى في موضعها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صلى فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه العيد في خلافته، ثم بناه عمر بن عبد العزيز رحمه الله، ومنها مسجد الإجابة (بني معاوية)، ويقع في منازل بني معاوية من الأوس، سُمي بمسجد الإجابة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته فيه كما ورد في الحديث الشريف: (أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية، حتى مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا فقال صلى الله عليه وسلم (سألت ربي عز وجل ثلاثاً، فأعطاني اثنين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق ولا يهلكهم بالسنةِ ففعل، وسألته أن لايجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).

ويوجد مساجد الفتح (الأحزاب) وهي ستة مساجد أولها مسجد الفتح الذي يقع فوق جزء من جبل سلع حيث ضربت خيمة للنبي صلى الله عليه وسلم أيام غزوة الخندق وفيه صلى ودعا على الأحزاب أياما واستجيب له يوم الأربعاء، وقد صلى أيضا عليه الصلاة والسلام في بعض المساجد التي حول مسجد الفتح والتي سميت بأسماء بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، إلى جانب (بئر رومة)، وهي بئر قديمة تُنسب لرجل من قبيلة غفار اسمه رومة، وفي العهد النبوي احتاج المسلمون إليها، فحض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على بذلها للمسلمين فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه وجعلها في سبيل الله، ويروى أنه زاد في حفرها ووسعها، فنُسبت إليه.

والاحتفاء باختيار المدينة المنورة عاصمة للسياحة الإسلامية 2017م الذي دشنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة، السبت الماضي بحديقة الملك فهد المركزية، أعدت اللجان العاملة لهذه المناسبة العديد من الفعاليات والأنشطة النوعية التي تُبين مكانة وتاريخ طيبة الطيبة، وتعكس ماضيها الزاخر امتداداً لحاضرها المزدهر، وسط تضافر جهود كافة الجهات ذات العلاقة، للوصول إلى تقديم برامج وأنشطة وفعاليات تليق بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتاريخيها الإسلامي العريق.

إعداد : تركي الفريدي - تصوير : فايز المطيري

في انتظار الصور من واس