بسم الله الرحمن الرحيم

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

كلمة لجينيات - أن تُهاجم أحكام الشريعة وتنتقص من قدر العلماء وتشوه سيرتهم وتُحرض ضدهم الأقلام الليبرالية عبر صفحات الصحف السعودية فإن هذا من باب حرية الرأي والتعبير وأن هذا الرؤية يجب أن تحترم ، أما عندما تنتقد تصريحات طائفية من مطران لبناني في مقالة صغيرة عبر عمود أصغر في جوف صفحة توارت بعد الثانية والعشرين، فتلك نعرة عنصرية بغيضة لا يمكن السكوت عنها وتستدعي أن يعتذر منها وزير الإعلام شخصياً وسفيرنا في لبنان وتنتزع المقالة من أحشاء الجريدة التي أنجبتها.

لقراءة الخبر : وزير الإعلام السعودي يحذف مقالة لكاتب انتقد أسقفًا مسيحيًا أضغط هنا



القضية ليست مجرد كلمات انتقد فيها الكاتب السعودي عبد العزيز البرتاوي طائفية المطرانِ بولس مطر رئيس أساقفة بيروت أثناء عطلة ليلة ما يسمى بـ"عيد الميلاد"، والتي تعرض فيها للإسلام وطالب بأن تكون لبنان للمسيحيين وحدهم ليعم الأرض السلام، لكن من خلال قراءة تطورات الحدث جيداً وربطه بما يمر به علماء الشريعة من هجوم شرس في الصحافة السعودية يمكن أن نفهم طبيعة ما يجري.

في بداية تأسيس الصحافة في المملكة كان الهجوم على العلماء وأحكام الشريعة بمثابة خط أحمر لا يمكن تخطيه أو الإقتراب منه، أما في العشر سنوات الأخيرة فقد تميزت بعض المقالات بالهجوم المستمر على العلماء ووصفهم بما لا يليق ، فهم في نظر بعض الكتاب ظلاميون ورجعيون ومتخلفون، لأنهم يريدون من الأمة أن ترجع إلى عصور الظلام والتخلف، بحسب اعتقادهم.

وكان الغرض من الهجوم على العلماء وحملات تشويه صورتهم بين الناس هو النيل من الشريعة ذاتها، لأن هؤلاء الكتاب يعتقدون أن الإنسلاخ من أحكام الشريعة هو السبيل الوحيد لانعتاق الأمة وتقدمها ، ولذلك يجب تنحية تطبيق أحكام الشريعة في بلادنا– في اعتقادهم – لأنها السبب الرئيسي في التخلف والانحطاط الحضاري بزعمهم.

ولأن المجرم لا يستطيع أن ينفذ جريمته إذا علم أن القصاص له بالمرصاد ، وكذلك السارق لا يستطيع تنفيذ جريمة السرقة إذا علم أن يده ستقطع بسبب جريمته النكراء، زاد هجوم هؤلاء الكتاب وطالبوا بإقالة العلماء حينما لم يجدوا رادعاً لما تخطه أقلامهم، مما زادهم جرأة على مضغ لحوم العلماء على صفحات الجرائد .

في مقابل ذلك تم منع أغلب مقالات الكتاب الإسلاميين في صحفنا أو التضييق عليهم والعبث في نصوصهم، بل إن الردود التي يرسلها القراء على ما ينشر ضد العلماء في أكثر هذه الصحف كثير منها لا يرى طريقه إلى النشر.

في خضم ذلك هب وزير الإعلام عبد العزيز خوجة في بلادنا التي قامت على الجمع بين السيف والقرآن ، معتذراً لرئيس أساقفة بيروت الذي قال بالحرف الواحد أنه " لا سلام للبنان..ولا للبنانيين..إلا حين تجمعهم كلمة "أبانا" الذي في السماء..ودفء بيت واحد هو هذا الذي نقبع فيه اللحظة: الكنيسة".!!

الغريب أن البرتاوي لم يفعل أكثر من أنه انتقد طائفية المطران ودعوته الإقصائية ضد الآخر الذي هو المسلم اللبناني وحقه في العيش على أرضه وإظهار شعائره أسوة بغيره من الطوائف والملل الأخرى، ولكن لأن من الناس من يمشي على قدم واحدة ويرى بعين دون الأخرى وينكر انه أعور البصيرة، تم حمل الصحيفة التي نشرت المقال إلى التبرؤ من الكاتب وتسفيه ما كتب، ووصل الحال إلى استجداء وزارة الإعلام والسفارة في بيروت صفح كبير قساوسة لبنان عن ذم طائفيته.

والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا يُصر البعض أن يكون ملكي أكثر من الملك..؟!، يغضب لقساوسة لبنان في أقصى الخريطة، ولا تهتز له شعرة إذا ما تمت السخرية من العلماء والدعاة حتى يتم حمل أحدهم على الإستقالة.

إن وزير الإعلام مسؤول بين يدي الله تعالى عن هذا الوضع المقلوب، وهي مسؤولية جسيمة لابد من التوقف طويلاً إزاءها، وإن لم يصنع شيئاً لإعادة الأمور إلى نصابها فبماذا سيجيب ربه عند الوقوف بين يديه في ذلك اليوم الرهيب؟!

كما أن العلماء والمشائخ وطلبة العلم والدعاة والفضلاء لهم نصيب من هذه المسئولية، ويجب أن يتحملوا دورهم للذب عن الإسلام وأحكامه قبل أن يتسع الخرق في ساحتنا الثقافية ويصعب العلاج، حيث أن الغلو والتشدد الذي ظهر في بلادنا كان من أسبابه ما يجري في صحفنا من الهجوم على العلماء ورموزه ، والتوسع في عرض آراء الساعين في الأرض فساداً ، ونشر غثاء الليبراليين مطية الغرب الذين تضرب معاولهم حصن الإسلام ويظنون أنهم يحسنون صنعاً.

إن هذا الاحتقان الخانق الذي يسببه التناقض في المواقف بين إباحة لحوم العلماء والدفاع عن طائفية مطران بيروت، سوف يؤدي إلى الانفجار إن لم يتداركه العقلاء من المسؤولين، وهو من أبرز أسباب الاستفزاز الذي أفرز ظاهرة الغلو والتشدد، وليس من مصلحة أحد تغذية هذه الظاهرة في وقت تحاصر بلادنا تحديات كبرى تستدعي التلاحم والاتفاق على حقائق الإسلام ومحكماته.

ولقد شوهت الصحافة وكتابها الليبراليين عن عمد سمعة السعوديين في العالم كله، وأصبحت أداة هدامة لمبادئ هذه الدولة وعقيدته وقيمه وعلمائه دون حياء أو خوف من المحاسبة، وبعد أن وصل الأمر إلى هذا المستوى المفضوح في الجرأة والوقاحة على عقيدة المجتمع وقيمة وأخلاقه وأهل العلم فيه فلا يجوز أن تبقى الدولة صامته أمام هذه الانتهاكات المتكررة، ويجب أن توضح الأمور، وتميّز الحقائق.

وإن الاستنفار الرسمي ضد مقال جاء في سياق حرية الرأي والتعبير ما قصد به كاتبه إلا وجه الله والغيرة على الإسلام وصد هجوم مطران الطائفي، هي مسألة في غاية الخطورة تحتاج من "خوجة" وغيره إلى توضيح !!

والله من وراء القصد !