الجزائر - حسين محمد (الاتحاد) : احتضنت ولاية البُليدة بغرب الجزائر معرضاً للورود والأزهار، شارك فيه 122 عارضاً من 22 ولاية، كان بمثابة الإعلان عن بداية عملية إعادة الاعتبار للولاية كعاصمة للورود في الجزائر بعد سنوات من تراجع مكانة الورد بها، وشهد المعرض إقبالاً واسعاً من سكان البُليدة والولايات المجاورة لإمتاع البصر بمناظر خلابة.


شارع لأصحاب مشاتل الورود والأزهار - الإتحاد - الإمارات

وتُلقب البُليدة منذ عقود عديدة بـمدينة الورود بسبب شهرتها الكبيرة في إنتاج مختلف أنواعها وهذا منذ عهد الاحتلال الفرنسي حتى الآن، وقلما تجد عائلة من سكانها لا تزرع الورد ولو في فناء بيتها أو بالأواني البلاستيكية، وقد أهَّلها ذلك لاكتساب شهرة واسعة، وكانت تقيم سنوياً مهرجاناً يتم فيه تقاذفُ الورود وكذا رشق السياح والزوار بها ويُسمى «حرب الورود» بحسب بن يحيى حسين، رئيس الجمعية البيئية «الجوالة».

وحافظت ولاية البليدة على ريادتها في زراعة الورود وإقامة مشاتل لها وتموين كل الولايات الجزائرية الـ48 بها، إلى غاية بداية التسعينيات، حيث بدأت مكانتها تتراجع لأسباب غير محددة، إلا أن بعض المتتبعين أكدوا أن السبب الرئيس يعود إلى استفحال الأزمة الأمنية بالبلد، خاصة في البُليدة، حيث شهدت أحداثاً خلفت آلاف الضحايا، ليحلّ الموتُ والفجيعة والأحزان محل الحياة والفرح والورود التي لم تعد تجد مكاناً لها وسط الدمار والخراب، إلى أن استعادت البلاد عافيتها في الألفية الجديدة، فبدأت الورود تستعيد بدورها مكانتها تدريجياً، لكن الأزمة القاتمة بقيت تلقي بظِلالها الكثيفة عليها فلم تتمكن من استرجاع مكانتها كاملة وقلّ الاهتمام بها.



حملة توعية
من هنا فكرت جمعية الجوالة بأنجع الطرق لإقناع السكان والجمعيات المحلية بالعودة إلى الاهتمام بالورود مجددا وزرعها وتوسيع نطاق مشاتلها فأقامت هذا المعرض بمشاركة الولاية، لقطع الخطوة الأولى.

ويقول سفيان رليد، عضو بـجمعية الجوالة بعد انتهاء فترة هذا المعرض سنقوم بحملة واسعة لتوعية السكان بالعودة إلى غرس الورود مجدداً، فهي رمزٌ للحياة والأمل، ومن المؤسف التخلي عن هذه العادة الحميدة، وأعتقد أن السلطات تهتم بما يكفي بهذا المجال لكن السكان لا يهتمون. ... المزيد







مدينة الورود في الجزائر تفقد مبررات اسمها
الجزائر - سلمى حراز (العربية) : شدّ الأندلسيون رحالهم صوب مدينة "البُليدة" الجزائرية قبل قرون، تاركين وراءهم جنانا ساحرة شغفت بها قلوبهم في شبه الجزيرة الإيبيرية، غير أنهم وجدوا سحر الديار في مدينة سبقهم إليها عبق ورودها وشذى عطرها، فسموها غرناطة إفريقيا أو "الوُريْدة".


تحولت من إنتاج الورود إلى استيرادها والورود البلاستيكية عوضت الطبيعية - الأحد 06 رجب 1433هـ - 27 مايو 2012م

البليدة، أو أيقونة العطور العالمية.. يبكيها الجزائريون اليوم بعدما ذبلت ورودها وجف عطرها، لتستبدل بورود صناعية وأخرى يتم استيرادها من أبعد نقطة من الضفة المقابلة وهي هولندا.

"مدينة الورود" بهذا الاسم تشتهر مدينة البليدة، 50 كيلومتر غرب الجزائر العاصمة، توارث أبناؤها عشق الورود جيلا بعد جيل وشبوا على استنشاق عبق العطور في أرجائها، ففي كل زاوية من زوايا حاراتها العتيقة تشم أريج وردة وعبق زهرة، لتتخذ شوارعها من أسماءها عنوانا، فتجد حي البنفسج "زنيقة النوار" وحي اللارنج.

ويردد العارفون بتاريخ المدينة العتيقة أنها كانت تضم عدة مخابر لاستخراج خلاصة العطور من الياسمين والبنفسج والورود ابان الحقبة الاستعمارية، واستمرت لفترة في ستينات وسبعينات القرن الماضي، بحيث كانت توجه العصارة المستخرجة إلى فرنسا حيث كانت تستغل في أكبر المصانع المختصة في انتاج العطور، لتباع على أنها فرنسية في البلد الأكثر شهرة عبر العالم في انتاج العطور.

مستخلصات ورود الجزائر في باريس
وهي الحقيقة التي أكدها لنا السيد بوعلام عبيدات، صاحب محل لبيع الورود في الدويرة بضواحي العاصمة، ينحدر من مدينة الورود، وورث الحرفة عن والده الذي وصلته بدوره من أبيه. وكان هذا الأخير قبيل استقلال الجزائر عاملا بسيطا في مصنع صغير لاستخلاص العطور بالبليدة.

وقال السيد بوعلام عبيدات في تصريح لـ"العربية نت" إن "والده طالما روى له عن ذكريات جده في ذلك المعمل الصغير. كانت تجمع الورود من مشاتل ومزارع البليدة وضواحيها بكميات كبيرة، ليتم وضعها على البخار لاستخلاص عصارتها عن طريق التقطير التقليدي، ثم توضع في قارورات خاصة وتشحن إلى فرنسا لتستغل في انتاج العطور التي تشتهر بها مدينة الجن والملائكة".

ولم تكن عصارة الورود وحدها التي وصلها شذى عطرها إلى الضفة المقابلة من المتوسط، حسب المتحدث، فالورود أيضا كانت تصدر إلى أوربا انطلاقا من البليدة والمدن المجاورة لها كبوفاريك، كما كانت تنقل إلى فرنسا شجيرات الياسمين البليدي.

فبيوت البليدة لا تخلوا ساحاتها من شجرة ورد أو ياسمين وبنفسج، حتى إنه من تقاليد أهل المدينة أن يبدأ صباحهم بشرب قهوة منكّهة بزهر الياسمين و"ماء الزهر" المقطر في البيوت، وهي عادة أندلسية قديمة كانت تعتمدها نساء المدينة لاستخراج ماء الزهر والورد.

وأبرز السيد عبيدات أن المصنع الذي كان يشتغل فيه جده استمر في الانتاج لسنوات بعد الاستقلال، شأنه شأن العديد من المخابر الصغيرة التي كانت توجد في أزقة المدينة، غير أنه سرعان ما أغلقت أبوابها الواحدة تلو الأخرى بسبب نقص اليد العاملة المؤهلة وتراجع زراعة الورود في المنطقة، خاصة وان استخلاص عصارة الورود يحتاج الى كميات كبيرة منه، ناهيك عن غلاء المواد الأولية التي تدخل في تصنيعها.



خيبة الإيطاليين
اليوم، لم يحفظ الأبناء إرث الأندلس الضائع، والباحث عن الورد في مدينة الورد اليوم لن يجد إلا أطلالا من بساتينها، كما لم تعد صناعة الورود تغري الجيل الجديد، فلا هم أحبوا الورد ولا هم احتملوا أشواكه، ليفتحوا بذلك المجال للمستوردين حتى يسوقوا ورودا قادمة من أوروبا، هولندا تحديدا، وحتى من الجارة المغرب، وهي ورود لا تشبه الورود إلا في شكلها، فعبثا تبحث بين أوراقها عن أريجها.

وحال ورود البليدة اليوم لم يصدم فقط الجزائريين، فالإيطاليون أيضا وقفوا على أطلال مدينة الورود قبل سنوات عندما حلوا بالمدينة لإبرام صفقة استيراد ورودها وإقامة مصنع عطور، لكنهم عادوا إلى الديار خائبين، حسبما روى لنا العم محمد زواني، صاحب محل لبيع الورود التقيناه في المدينة العتيقة.

ويقول العم محمد لـ"العربية نت" في هذا الإطار "صيت البليدة وصل إلى أوروبا، وهو ما أغرى الإيطاليين للاستثمار في المنطقة بعد أن بلغهم أن المدينة التي يفوح أريج ورودها في كل زواياها لا تتوفر على مصنع لإنتاج الورود، وبالفعل شد وفد من المتعاملين الاقتصاديين رحالهم إلى البليدة لمعاينة المشاتل التي تتوفر عليها، غير أن صدمتهم كانت كبيرة، لأنهم لم يعثروا لورودها على أثر".



الثمانينات.. بداية التقهقر
وأردف المتحدث متحسرا على واقع مدينته بالقول "نحن نقاوم للحفاظ على صنعة أجدادنا منذ ثمانينات القرن الماضي، مع أن كل ما يحيط بنا يقلل من عزيمتنا، فالزراعة المحلية تراجعت لأن المزارع لم يعد قادرا على تحمل عبء الأسمدة، وبات يتخوف من كساد سلعته التي تراجع الإقبال عليها إلا في مناسبات محددة، كتزيين السيارات في الأفراح أو في أعياد الحب والمرأة والأم".

وأضاف محمد زواني، المنحدر من أصول أندلسية، أن الوضع بدأ يسوء منذ نهاية سنوات الثمانينات، بعد أن بدأت تتقلص المساحات المزروعة لتأخذ مكانها محلات تجارية تضمن الربح السريع لأصحابها، خاصة وأن زراعة الورود تحتاج الى رعاية وتقنيات خاصة تختلف عن غيرها، إذ أنها شديدة الحساسية وتحكمها التغيرات المناخية.

فكثيرا ما يضطر منتجو الورود إلى رمي المحصول لتلفه بسبب الحشرات والطفليات أو الأمطار، فهي تتطلب توفير البيوت البلاستيكية والزجاجية والأسمدة والمبيدات، وكل هذا يكلف الكثير، إضافة إلى اليد العاملة المؤهلة، والأهم الاستفادة من أموال الدعم الفلاحي للدولة.



ورود هولندية في "غرناطة" الجزائر
ومنذ منتصف الثمانينات بدأ الجزائريون يستقبلون على ضفافهم ورود مستوردة من أوروبا. يتنهد محدثنا بعمق معلقا "في الماضي كان الرجل البُليدي لا يدخل بيته إلا وهو يحمل بين مشترياته باقة ورد، فلا يجلس إلى مائدته إلا والمزهرية أمامه، أما اليوم فلا وجود للورود الطبيعية في بيوتنا، وإن وجدت فهي مستوردة من هولندا لا تجد فيها عبق وردنا، أو حلت محلها ورود صناعية لا روح فيها، اعترف أني أبيعها في محلي نزولا عند طلب الزبائن، فسعرها لا يتجاوز 40 دينارا جزائريا (أقل من 1 دولار)، بينما يصل سعر الوردة الطبيعية إلى 140 دينارا (دولاران)".

ومن أوائل المستوردين الذي أدخلوا الورود الأوروبية إلى البليدة السيد كريمو، والذي لن يصعب الوصول إليه إذا دققت على واحد من أبواب المدينة السبع.

ويقول كريمو، إنه يتعامل مع شركة هولندية تستثمر في المغرب منذ سنة 1986، ويؤكد أن توجهه إلى الاستيراد لم يكن خيارا بقدر ما كان ضرورة فرضها الواقع "، فالإنتاج المحلي تراجع إلى أقل من الثلث، وإن لم نستورد فالمدينة.. بل الجزائر كلها ستدخل في سبات طويل".

ويرى محدثنا أن الحل في استعادة مدينة الورود ماضيها العطر يكمن في "اعتماد الطريقة الغربية كالبيوت الزجاجية للمحافظة على هذا الإرث التاريخي".