الجزائر- حسان جبريل (الأناضول) : اجتاحت ملاعب كرة القدم الجزائرية خلال الفترة السابقة، موجة من العنف الجماهيري غير المسبوق، أدت إلى جرح مناصرين وتحطيم منشآت وتجهيزات في الملاعب، وسط عجز من السلطات الرياضية عن وقفه رغم العقوبات المفروضة على الأندية.



وفرضت لجنة الانضباط التابعة للرابطة الجزائرية المحترفة للعبة، عقوبات كثيرة على عدة أندية بحرمانها من جماهيرها لعدة مباريات إضافة لغرامات مالية.

وفرضت اللجنة مساء أمس، عقوبة على مولودية وهران بحرمانه من جماهيره لمباراتين وعقوبة على مولودية بجاية، بخوض 4 مباريات دون جمهور، على أن تكون منها إثنتان خارج ولاية بجاية.

كما فرضت اللجنة عقوبة مالية قدرها 200 ألف دينار (1805 دولارات أمريكية)، على كل من الفريقين، وذلك بعد الأحداث التي وقعت خلال وعقب المباراة بينهما الجمعة الماضي.

وشملت العقوبات أيضًا ناديي مولودية الجزائر وشباب بلوزداد الذين سيلعبان مباراتين من دون جمهور.

وتسببت أحداث الشغب التي شهدها ديربي العاصمة السبت الفائت، في فقدان أحد المشجعين بصره، بعد أن تعرض لإصابة في عينه باستعمال جهاز الإشارة الخاص بالبحّارة وصيادي السمك.

كما أظهرت صور التقطها أحد الهواة تعرض أحد مشجعي مولودية وهران للضرب المبرح من طرف المئات من أنصار مولودية بجاية خارج الملعب.

وقال العضو السابق للمكتب الفدرالي في الاتحاد الجزائري لكرة القدم، محمد بوكاروم إن العنف في الملاعب "مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى، ولم يكن يعرف هذا العنف سابقًا".

وفي حديثه للأناضول أضاف بوكاروم أن "الملاعب الجزائرية كانت سابقًا للترويح عن النفس والتسلية والمشاهدة، لكن مع هذا الجيل تغيرت الأمور كثيرًا، شباب اليوم يتوجهون للمعلب لتفريغ كل شيء عندهم هناك، مع ما يصاحب ذلك من كوارث".

وأكد أن "العقوبات الحالية الممثلة في اللعب من دون جمهور والغرامات المالية لن تأتي بأي نتيجة وسيستمر الوضع على حاله"، وكأن السلطات "غائبة عن أداء دورها".

ويرى المسؤول الرياضي السابق أن الحل يتمثل في "أخذ زمام المبادرة واتخاذ قرارات صارمة والضرب بيد من حديد ضد المشاغبين".



ودعا إلى "تحديد المشاغبين عن طريق الفيديو، واعتماد نظام إبعادهم عن الملاعب وحرمانهم من متابعة مباريات فريقهم المحلية، أو التنقل معه خارج الديار، إضافة لفرض نظام رقابة قضائية عليهم، وضرورة توقيعهم بصفة منتظمة في مراكز الشرطة".

إلّا أنه قال في الوقت نفسه "الذين يثبتون توبتهم وعزوفهم عن العنف يمكن السماح لهم مجددًا بدخول الملاعب".

من جهته يرى رئيس المنظمة الوطنية الجزائرية للصحفيين الرياضيين يوسف تازير، أن "العنف في الملاعب أصبح خطرًا يهدد مستقبل كرة القدم في الجزائر".

وأوضح تازير في تصريح للأناضول "أنه رغم الإجراءات المتخذة إلّا أن الظاهرة في تصاعد مستمر ومخيف".

وقال "أسباب العنف متعلقة بالمجتمع ككل وليس فقط بتعصب المناصرين والفرق الرياضية، العنف في الملاعب يعكس حقيقة ما يجري في المجتمع".

وبحسب تازير فإن "هذا لا ينفي مسؤولية المؤسسات والهيئات الرسمية، لأن هناك تساهلًا من الهيئات الرياضية وحتى من المؤسسات المكلفة بحفظ الأمن العام".

إلّا أنه يؤكد أن الشرطة ليست المسؤولة بشكل مباشر، فهي قامت بدورها وواجباتها لكن "ربما الإجراءات التي اتخذت تبدو غير كافية، ولم تكف لكبح جماح هذا الخطر الداهم".

ويعتقد تازير أن الإعلام الجزائري ورابطات المشجعين مسؤولون أيضًا عن مكافحة ظاهرة العنف، وأضاف أن "رابطات المشجعين وجمعيات الأنصار غير موجودة على الميدان بل غائبة تمامًا".

وأشار أن الرابطات أصبحت فقط تقوم بالضغط لتنحية مدرب أو رئيس، في حين أن دورها في المدرجات.



وكشف المتحدث أن المنظمة ستعقد الإثنين المقبل يومًا توعويًا وإعلاميًا حول ظاهرة العنف في الملاعب، بالتنسيق مع المديرية العامة للأمن الوطني (الشرطة) والاتحاد الجزائري لمكافحة الفساد الرياضي.

وقال سنناقش موضوع "من يتحمل مسؤولية العنف"، معربًا عن أمنياته أن "نخرج بسياسة واستراتيجية تسعى لتحديد المسببات واقتراح الحلول".

وتابع "كل هذا من أجل جعل الملاعب فضاء للفرجة والتسلية والترويح عن النفس".

وقبل انطلاق الموسم الجاري أعلنت الشرطة الجزائرية انسحابها من تأمين ملاعب كرة القدم، وتم تكليف مدنيين للقيام بالمهمة، إلّا أنه سرعان ما عادت الشرطة إلى الملاعب بعد موجات العنف التي طالت الدوري الجزائري منذ جولاته الأولى.

من جهته يرى رفيق حريش مدير نشرة الصحيفة الرياضية ماركا سبور (خاصة) التي تصدر من قسنطينة شرقي البلاد، أن ظاهرة العنف "صارت في تنامي بالملاعب الجزائرية لا سيما خلال الموسم الكروي الحالي والذي سبقه".

وفي حديثه للأناضول قال حريش إنه "يتوجب على السلطات خاصة الأمنية، التصدي لظاهرة العنف بعدما وصلت إلى حد إزهاق أرواح الأبرياء والتسبب لهم في إعاقات مستديمة، فهناك مشجع فقد بصره خلال مباراة شباب بلوزداد ومولودية العاصمة".

وأضاف "شاهدنا الاعتداء الذي تعرض له مشجع مولودية وهران من قبل مشجعي مولودية بجاية قرب ملعب الوحدة المغاربية".

ويعتقد الإعلامي حريش أن الإجراءات المتخذة من الرابطة الجزائرية المحترفة بحرمان الفرق من جماهيرها غير فعالة ولن تحد من تنامي الظاهرة.

وذكر في هذا الصدد "معاقبة فريق مولودية بجاية بحرمانه من أنصاره خلال الأربع مباريات القادمة غير فعال...ولن يحد من تنامي ظاهرة العنف في الملاعب".

وحول إيجاد حلول لظاهرة العنف قال حريش "يتوجب على الرابطة الوطنية بقيادة رئيسها محفوظ قرباج التنسيق مع مصالح الشرطة ومسؤولي الأندية، ويجب تفعيل دور لجان الأنصار وإبعاد بعض أشباه المناصرين وحرمانهم من الدخول للمدرجات".

وأكد ضرورة القيام أيضًا بحملات توعوية من أجل إعادة الأمن والأمان للملاعب الجزائرية التي أصبحت تشبه "ميادين الحروب".

وهدّد الاتحاد الجزائري لكرة القدم، خلال اجتماع له في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، باتخاذ إجراءات ردعية صارمة ضد الفرق التي تتورط في العنف.

وأكد في بيان له إن سقف العقوبات يُمكن أن يمتد إلى حدّ غلق الملعب التابع للفريق، أو إجراء المباريات في ملعب محايد وبمدرجات شاغرة، حتى انتهاء الموسم الجاري 2016-2017.

وحثّ الاتحاد رؤساء الأندية والمدربين واللاعبين والمشجعين على التحلّي بالروح الرياضية، وتجفيف منابع العنف والشغب في الميادين، والمساهمة في رفع المستوى الفني للمباريات.