مكة المكرمة - واس : يعد مصنع كسوة الكعبة المشرفة من المعالم البارزة في مكة المكرمة، حيث أصدر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، أمره بإنشاء دار خاصة لعمل صناعة كسوة الكعبة المشرفة في منتصف عام 1346هـ.



واستمر العمل في إنشاء كسوة الكعبة المشرفة الذي يحتضن بين جنباته أمهر النساجين المحترفين وأكبر ماكينة خياطة في العالم في الوقت الحالي إلى أن تم تجديد المصنع وتحديثه وافتتح في عام 1397هـ بأم الجود بمكة المكرمة وزود بالآلات الحديثة لتحضير النسيج وإحداث قسم للنسيج الآلي مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية عالية وما زال المصنع يواكب عجلة التطور ويحافظ على التراث اليدوي العريق لينتج الكسوة في أبهى صورها حيث تبلغ تكلفة صناعة الثوب التقريبية حوالي عشرين مليون ريال.

وتكتسي الكعبة المشرفة في التاسع من ذي الحجة من كل عام هجري ثوبها الجديد الذي تم تصنيعه بمصنع الكسوة بأم الجود بمكة المكرمة حيث تصنع الكسوة من الحرير الطبيعي المصبوغ باللون الأسود وتتكون من خمس قطع وتغطي كل قطعة وجها من أوجه الكعبة أما الخامسة فهي الستارة التي توضع على باب الكعبة ويتم توصيل القطع الأربع مع بعضها البعض ويتكون الثوب من 47 طاقة قماش طول الواحدة 14 متراً بعرض 95 سنتيمترا.

ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً ويوجد في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض 95 سنتيمتراً مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية ومحاط بإطارين من الزخارف الإسلامية ومطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ويبلغ طول الحزام 47 متراً، ويتكون من 16 قطعة كما تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص، ويبلغ ارتفاعها سبعة أمتار ونصف المتر بعرض أربعة أمتار مكتوب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرزة تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.

وتبطن الكسوة بالقماش الخام كما توجد 6 قطع آيات تحت الحزام، وقطعة الإهداء و11 قنديلاً موضوعة بين أضلاع الكعبة ويبلغ طول ستارة باب الكعبة حوالي 7.5 متر بعرض 4 أمتار مشغولة بالآيات القرآنية من السلك الذهبي والفضي وعلى الرغم من استخدام أسلوب الميكنة فإن الإنتاج اليدوي ما زال يحظى بالعناية إذ يتميز بالدقة والإتقان والطراز الإسلامي الفريد من نوعه.

وقد قامت وكالة الأنباء السعودية "واس" بزيارة لمصنع كسوة الكعبة المشرفة تم الاطلاع خلالها على المراحل التي يمر بها صناعة ثوب الكعبة المشرفة، كما تم التعرف على آلية صناعة الكسوة التي تتم باستخدام أجود أنواع الحرير الخالص، ويطرز بخيوط ذهبية وفضية، ويتم تغيير القماش مرة واحدة في العام في احتفال خاص، وتتم هذه المراحل في جميع أقسام المصنع المتمثلة في أقسام الحزام والنسيج اليدوي والنسيج الآلي والطباعة والأعلام والستارة والصباغة ويعمل بها أكثر من 200 موظف من الكوادر السعودية المحترفة والمدربة على هذه الصناعة المميزة.

ومن المراحل مرحلة الصباغة وهي أولى مراحل إنتاج الثوب بالمصنع حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ويتم تأمينه على هيئة شلل خام، عبارة عن خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي تسمى (سرسين) تجعل لون الحرير يميل إلى الاصفرار، ويتم استيراده من إيطاليا، وتتم صباغة الحرير على مرحلتين، وهي كما يلي: أ - مرحلة الغسيل: بإزالة الصمغ (السرسين) وتتم في حوض ساخن حيث تصل درجة الحرارة إلى 95مْ وسط حمض قلوي بعدها تغسل الشلل بماء دافئ وماء بارد، في حوضين مختلفين للتخلص من زوائد الصابون العالقة به، وإعادة الوسط القلوي إلى الطبيعي، ومرحلة النسسيج الآلي وخصص هذا القسم للكسوة الخارجية التي زود في تصنيعها، نظام الجاكارد الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية المنسوخة، والآخر خال تتم عليه المطرزات.



ومن البديهي أن أي نسيج له تحضيراته الأولية من خيوط السدى، التي تختلف باختلاف النسيج من حيث كثافته وعرضه ونوعه، وبداية يتم تحويل الشلل المصبوغة إلى كونات بكرة خاصة لتجهيزها على كنة السدى لكونها تحتوي على عدد معين من الشلل حسب أطوال الأمتار المطلوب إنتاجها، وبالنسبة لأعداد خيوط السدى للكسوة الخارجية فتبلغ حوالي 9986 فتلة في المتر الواحد، يجمع بعضها بجانب البعض على أسطوانة تعرف بمطواة السدى، وتسمى هذه المرحلة التسدية، ثم تمر الأطراف الأولى بهذه الخيوط خلال أسنان الأمشاط الخاصة بأنوال النسيج وتوصل إلى مطواة السدى التي تلف آليًّا حسب الطول المطلوب والمحدد من قبل، وبعد الانتهاء من عملية التسدية تنقل خيوط السدى إلى مطواة المكنة نفسها بالطول والعدد المطلوب، أما خيوط اللحمة العرضية فتجمع كل ست فَتَلات منها في فتلة واحدة على كونات خاصة تزود بها مكنة النسيج ويبلغ عدد خيوط اللحمة 66 فتلة في كل (1سم).

وتتضح من عملية إعداد السدى واللحمة كثافة قماش نسيج الكسوة الخارجية، وذلك لتعرضه إلى العوامل الطبيعية مدة عام كامل، أما بالنسبة للنسيج الخالي المستخدم عليه تطريز الآيات القرآنية التي توضع على الكسوة من الخارج ويثبت خياطيًّا في إعداد السدى فيبلغ حوالي 10250 فتلة بعرض 205 سم، أما خيوط اللحمة فتعد لها أربع فَتَلات، لكل فتلة عدد 56 فتلة في (1سم)، وينتج القماش السادة بعرضين أحدهما خاص للحزام بعرض 110سم والثاني يستخدم في إنتاج الهدايا بعرض 90سم ويتم تزويد قسم الطباعة بهذه الأقمشة لطباعة الآيات والزخارف عليها، ومرحلة الطباعة حيث تم استحداث هذا القسم عام 1399هـ، وكانت الطريقة القديمة المستخدمة هي عملية نثر البودرة والجير بفردها على الثقوب المخرمة التي حدثت لحواف الكتابات فتمر من خلال ذلك ويتم طبعها ومن ثم تحديدها بالطباشير على القماش.

إن التصميمات الفنية والخطوط المكتوبة على الكسوة ليست ثابتة بل ينالها شيء من التغيير من وقت إلى آخر بغية الحصول على ما هو أفضل ثم يجري أخذ إذن تنفيذها من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ثم المقام السامي الكريم، وتشمل التصميمات الزخارف والكتابات المطرزة على الحزام والستارة، وفي قسم الطباعة يتم أولاً تجهيز المنسج، والمنسج عبارة عن ضلعين متقابلين من الخشب المتين يشد عليهما قماش خام للبطانة ثم يثبت عليه قماش حرير أسود (خال) غير منقوش وهو الذي يطبع عليه حزام الكسوة وستارة باب الكعبة المشرفة وكافة المطرزات، والطباعة تتم بواسطة الشبلونات أو سلك سكرين أي الشاشة الحريرية وهذه الشبلونات يتطلب إعدادها جهدًا فنيًّا يضيق المجال عن وصفه بالتفصيل، وببساطة فإن الشبلون عبارة عن إطار خشبي من أربعة أضلاع يشد عليه قماش من حرير صناعي ذي مسامٍ صغيرة مفتوحة تسمح بمرور السوائل، والمطلوب حتى يصبح الشبلون قالب طباعة هو سد المسام جميعها ما عدا مسامَّ الخطوط أو الرسوم المطلوب طباعتها ويتم ذلك بِدَهْن حرير الشبلون، بمادة كيميائية فلمية حساسة من صفتها التجمد في الضوء ولذلك فهي تدهن وتجفف في الفرن المخصص لذلك في الظلام.

ثم ينقل التصميم المراد طباعته على شرائح بلاستيكية بقلم خاص وباللون الأسود المعتم، ليصبح فيلم نيجاتيف، ثم بعد ذلك يصور هذا الفيلم وينقل على حرير الشبلون بتعريضهما معًا للضوء لعدة دقائق حيث يستنفذ الضوء من جميع أسطح الفيلم لتتجمد على السطح ما عدا الأجزاء المحددة باللون الأسود، وبعد التصوير والغسيل تسقط المادة غير المتجمدة من تلك الأجزاء المحددة فقط وتصبح وحدها بالحرير مفتوحة المسام وعندئذ يصبح الشبلون قالب طباعة جاهزًا لنقل التصميم على القماش مئات المرات، ويتم ذلك بواسطة أحبار خاصة تجهز في القسم حيث تسقط تلك الأحبار من خلال المسام المفتوحة بالشبلون محددة الخيوط أو الرسوم المطلوبة طباعتها بشكل دقيق وثابت.

ومن المراحل التي يمر بها الثوب قسم المختبر الذي يقوم بمطابقة الخيوط للمواصفات من حيث رقمها وقوة شدها ومقاومتها كما يقوم بتركيب ألوان الصبغة وتجربتها على عينات مصغرة من الخيوط لاختيار أفضلها ومن ثم تزويد هذه النسب للمصبغة للعمل بموجبها مع وضع عينة في مكنة الصباغة ومن ثم تعاد ثانية للمختبر لإجراء الاختبارات اللازمة عليها من حيث (ثبات اللون عليها و قاومتها للغسيل و قوة شدها) وإجراء جميع التجارب اللازمة عليها وبعد إنتاج القماش يتم تزويد المختبر بعينات عشوائية من الأقمشة ليتم إعادة فحصها والتأكد من أن جميع المنتج على نفس المواصفات المطلوبة، وذلك من حيث السمك و مقاومة الاحتكاك ومقاومة الغسيل والظروف الجوية الصعبة لمكة المكرمة .



وأهم ما يميز ثوب الكعبة المشرفة هو التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية، وتتم مرحلة التطريز الفريدة أولاً بوضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط والزخارف مع الملاحظة الفنية في كيفية أصول التطريز، والمطبوعة على الأقمشة المشدودة على المنسج حيث يشكل (إطارًا) على مستوى سطح القماش، ثم يطرز فوقها بخيوط متراصة من القطن الأصفر لما ستطرز عليه بالأسلاك المذهبة، ومن القطن الأبيض لما ستطرز عليها بالأسلاك الفضية في اتجاهات متقابلة وبدقة؛ ليتكون الهيكل الأساسي البارز للتصميم والحروف، ثم يغطى هذا التطريز بأسلاك من الفضة فقط، المطلية بالذهب ليتكون في النهاية تطريزٌ بارزٌ مذهبٌ يصل ارتفاعه فوق سطح القماش من 1-2.5 سم، وتعمل الأيدي دون ملل أو تعب وبمهارة عالية في تنفيذ تحفة فنية رائعة يتجلى فيها روعة الإتقان ودقة التنفيذ وجمال الخط العربي الأصيل.

والمرحلة الأخيرة هي تجميع الثوب، حيث تم تحديث هذا القسم بالآلات الجديدة عام 1422هـ، ويتم إنتاج قماش الكسوة من مكنة الجاكارد على هيئة قطع كبيرة (طاقة) كل قطعة بعرض (10سم) وبطول 14م 15 تكرارًا، يتم تفصيل كل جنب من جوانب الكعبة على حدة حسب عرض الجنب، وذلك بتوصيل القطع بعضها مع بعض مع المحافظة على التصميم الموجود عليها، ومن ثم تبطينها بقماش القلع القطن بنفس العرض والطول، وعند التوصيلات تتم خياطتها بمكائن الخياطة الآلية وبها مكنة تمتاز بكبر حجمها في الطول إذ تبلغ حوالي 16 مترًا وبطاولة خياطة 14 مترًا ومزودة بجهازي خط ليزر لتحديد مكان وضع الخامات على الكسوة وتعد أكبر ماكينة خياطة في العالم من حيث الطول وهي خاصة بتجميع طاقات القماش جنبًا إلى جنب، وتعمل بنظام تحكم آلي كمبيوتر مع ضغط هواء بنسبة 5 بار وبها خاصية تثبيت القماش مع البطانة القلع في وقت واحد بكينار متين مصنوع من القطن بعرض 7 سم تقريبًا لتزيد من متانتها وقوة تحملها أثناء التعليق وفي أعلى الثوب يتم تثبيته بعرى حبال تتم خياطته مباشرة على الثوب بواسطة المكائن التي تعمل بنظام تحكم آلي ويتم تثبيت القطع المطرزة للحزام وما تحته والقناديل الخاصة بكل جنب من جوانب الكعبة بنظام آلي كذلك. حيث تبلغ مقاساتها من جوانبها الأربعة ما بين الركنين 10.29 مترًا وتستهلك 11 طاقة من القماش وجهة باب الكعبة 11.82 مترًا وتستهلك 12.50 طاقة وجهة الحِجْر 10.30 مترًا وتستهلك 10.50 طاقة و جهة باب الملك فهد 12.15 مترًا وتستهلك 13 طاقة ونظرًا لثقل ستارة الباب يتم تعليقها مباشرة على جدار الكعبة المشرفة، وقبيل تغيير الثوب تشكل لجنة من المختصين في المصنع لمراجعة وتثبيت القطع المطرزة في مكانها المناسب، وكذلك التأكد من اتصال تكرار الجاكارد والتأكد من عرض كل جنب على حده، والقطع المطرزة المثبتة عليه.

وينتج المصنع كسوة واحدة في العام الواحد، إلى جانب كسوة احتياطية إذا دعت الضرورة إليها، كما يشرع العاملون بتوزيع مهام الكسوة في شهر شوال من كل عام حيث تراعى الدقة في العمل وجودة الإنتاج والكشف النهائي تحت المظلة الخاصة بقسم تجميع الثوب، حيث يعد عامل الوقت من الجوانب المهمة التي يجب مراعاتها مع الدقة والمواظبة في العمل والتركيز الذي يوفر بدوره جماليات الكسوة.