مكة المكرمة - سعید بن دبیس العتیبي (كند) : جاء من الھیئة العامة للسیاحة والآثار تعریف التراث الثقافي المغمور بالمیاه ما يلي: حددت المادة الاولى من اتفاقیة الیونسكو لحمایة التراث الثقافي المغمور بالمیاه المقرة عام ٢٠٠١م معنى التراث الثقافي المغمور بالمیاه بما یلي:



یقصد بالتاراث الثقافي المغمور بالمیاه جمیع آثار الوجود الإنساني التي تتسم بطابع ثقافي وتاریخي أو أثري والتي ظلت مغمورة بالمیاه جزئیاً أو كلیاً بصورة دوریة أو متواصلة لمدة مائة عام على الأقل مثل:


- المواقع والهیاكل والمباني والمصنوعات والرفات البشریة مع سیاقها الأثري والطبیعي.
- السفن والطائ ارت وغیرها من وسائل النقل أو جزء منها أو حمولتها أو أي من حمولتها مع سیاقها الأثري والطبیعي
- الأشیاء التي تنتمي إلى عصر ما قبل التاریخ


أهمیة التراث الثقافي المغمور بالمیاه والتهدیدات التي یتعرض لها:
تأتي أهمیة التراث الثقافي المغمور بالمیاه باعتباره جزء لا یتج أز من التراث الثقافي البالغ الأهمیة في تاریخ الشعوب والأمم وتاریخ العلاقات فیما بینها للبشریة وعنصر بخصوص تراثها المشترك.

ویوجد ثروات هائلة من التراث الثقافي مغمورة بالمیاه في أماكن مختلفة من العالم، إذُ یقدر عدد السفن الغارقة غیر المكتشفة بما یزید عن ثلاثة ملایین سفینة متناثرة في قیعان المحیطات، ویورد معجم الكوارث البحریة على سبیل المثال قائمة تتضمن ١٢٥٤٢ سفینة شراعیة وسفینة حربیة فقدت بین عامي ١٨٢٤و١٩٦٢م.

و اختفت مدن برمتها تحت أمواج البحر، مثل مدینة بورث روایال في جامیكا التي كانت ضحیة زلزال دمرها في عام ١٩٦٢م.

ومن بین مخلفات الحضا ارت القدیمة المغمورة حالیا بالمیاه منارة الإسكندریة في مصر التي كانت تعرف بأعجوبة العالم السابعة.

وقد أخذ التراث الثقافي المغمور بالمیاه یتعرض لتهدیدات مت ازیدة. إذ شهدت تقنیات اً سریعاً ساعد على الوصول إلى قیعان البحار استكشاف أعماق البحار تقدم و استغلال محتویاتها، وأصبح الاتجار بالقطع التي یتم العثور علیها بین حطام السفن والمواقع المغمورة بالماء أم ارً شائعا ونشاطاً مد ارً للأرباح، وتعاني المواقع الأثریة البحریة من أعمال النهب التي تؤدي في كثیر من الأحیان إلى فقدان مواد علمیة وثقافیة ثمینة وحتى الى تدمیرها، ولذلك كانت هناك حاجة ملحة لاعتماد وثیقة قانونیة من أجل حمایة التراث الثقافي المغمور بالمیاه لصالح البشریة جمعاء.



و بدأ التفكیر في إعداد اتفاقیة لحمایته التراث الثقافي المغمور بالمیاه منذ عام 1993م، حین عرضت أمانة منظمة الیونسكو موضوع حمایة التراث الثقافي المغمور بالمیاه على المجلس التنفیذي للمنظمة والذي طلب من أمانة المنظمة صیاغة وثیقة دولیة جدیدة لحمایة التراث الثقافي المغمور بالمیاه.

وبناءا على ذلك عرضت الأمانة وثیقة تفصیلیة شارحة لأهمیة وجود اتفاقیة دولیة لحمایة التراث الثقافي المغمور على المجلس التنفیذي في دورته (146) والذي أوصى بعد د ارستها أمانة المنظمة بدعوة فریق من الخب ارء لمناقشة هذا الاقت ارح من جمیع جوانبه، ونظمت الیونسكو أربع اجتماعات للخب ارء الحكومیین من دول متعددة خلال الفترة من ١٩٩٧-٢٠٠٠م ، تم خلالها ودراسه مشروع الاتفاقیة، وأسفرت المناقشات التي دارت خلال اجتماعات الخبراء الحكومیین عن اعتماد صیغة مشروع اتفاقیة، عرض على اللجنة ال اربعة للمؤتمر العام للیونسكو في دورته الحادیة والثلاثون عام٢٠٠١م، وتم تبنیها من جانب المشاركین في هذه اللجنة بأغلبیة أصوات أربعة وتسعین دولة، وعرضت الاتفاقیة على جلسة المؤتمر العام للمنظمة وتم إق اررها بأغلبیة سبع وثمانین دولة.

إشتملت الاتفاقیة على (35) مادة، بالإضافة الى ملحق یتكون من (13) فقرة خاص بالأنشطة التي تستهدف التراث الثقافي المغمور بالمیاه.

التراث الثقافي المغمور بالمیاه في المملكة العربیة السعودیة:
لموقع الجزیرة العربیة أهمیة إست ارتیجیة منذ القدم لتوسطها بین قا ارت العالم وحضا ارته ومنذ أقدم العصور استوطن الإنسان في الجزیرة العربیة إذ دلت الآثار المكتشفة الى أن اقدم دلائل الاستیطان في الجزیرة العربیة كان في المملكة العربیة السعودیة ویعود إلى نحو ملیون ومائتین سنة (الفترة الإلدوانیة من العصر الحجري القدیم) كما هو في موقع الشویجیطیة بمنطقة الجوف ووداي دحضة في منطقة نجران.

ُومنذ الألف الخامس ق.م نشأت على ساحل الخلیج العربي وخلیج عمان العدید من الحضارت، وتعد حضارة العبید (٥٠٠-٣٤٠٠ ق.م) أولى الحضا ارت المستقرة في المنطقة والحد الفاصل بین فترة العصر الحجري الحدیث والعصور التاریخیة وتنتشر آثارها المادیة في جمیع دول الخلیج وتلى حضارة العبید حضا ارت هیلي وأم النار ودلمون ومجان، كمان نشأت في جنوب الجزیرة العربیة ممالك معین وسباء، و امتد نفوذهما إلى أ اطرف الجزیرة العربیة الشمالیة والشمالیة الغربیة، وفي وسط الجزیرة العربیة قامت مملكة كندة، كما شهد نهایة الألف الثاني والأول قبل المیلاد تطور مدن المملك العربیة على طرق التجارة ومن أهمها تیماء، وثاج ، ودومة الجندل، والفاو عاصمة مملكة كندة، وتمركزت ممالك متعاقبة في شمال غرب الجزیرة العربیة تمثلت في مملكة دیدان ومن بعدها لحیان، وفي القرن الأول قبل المیلاد ظهرت مملكة الأنباط في شمال الجزیرة العربیة.

وكان عصب اقتصاد تلك الحضارت القدیمة یقوم على التجارة عبر الطرق البریة والبحریة، اذ تشیر الأدلة الأثریة الى تبادلات تجاریة تمت بین كل من مجان ودلمون ُ وبلاد ال ارفدین، وعرفت شبكة من الطرق البریة الرئیسیة تربط بین حواضر الجزیرة العربیة وبلاد ال ارفدین وبلدان حوض البحر الأبیض المتوسط.

ومنذ عدة قرون قبل المیلاد دخل النشاط البحري عبر موانئ الخلیج العربي والبحر الأحمر میدان الص ارع السیاسي والاقتصادي بین القوى الموجودة في المنطقة حین عمل الإغریق والرومان على تحویل طرق التجارة العابرة الى البحر بعد ان بسطوا نفوذهم على المنافذ البحریة في كل من بلاد ال ارفدین والشام ومصر وحوض البحر الأبیض المتوسط، ودخل عرب الجزیرة العربیة میدان التجارة البحریة وساعدهم على ذلك الموقع الاست ارتیجي لجزیرتهم التي تحدها البحار من ثلاث جهات. و نمت علاقات تجاریة بین حضا ارت الجزیرة العربیة والأقطار المقابلة لها مثل الهند ومصر والحبشة اذ كانت تتم التبادلات التجاریة عبر الطرق البحریة لتصل الى المواني القدیمة على السواحل الجنوبیة والشرقیة والغربیة للجزیرة العربیة وتنقل عبر شبكة الطرق البریة،وظهرت الم ارفئ والم ارسي البحریة التي ذكرتها الكثیر من المصادر التاریخیة.



تبلغ مساحة المملكة العربیة السعودیة نحو ملیوني كیلو متر مربع تقریباً تغطي قرابة 70% من مساحة شبه الجزیرة العربیة البالغة 2.8 ملیون كیلو متر مربع وهي تطل على الخلیج العربي من الشرق والبحر الأحمر من الغرب إذ یبلغ طول شواطئها الساحلیة ٣٨٠٠ كیلا، منها ٢٦٠٠ كیلا على البحر الأحمر و١٢٠٠ كیلا على الخلیج العربي ویضم خلیج العقبة والبحر الأحمر ١١٥٠جزیرة في حین یضم الخلیج العربي ١٣٥ جزیرة.

و حیث كانت سواحلها الشرقیة والغربیة هي مسارت طرق التجارة البحریة القدیمة، فمن المؤكد أنها لا تخلوا من حطام السفن الغارقة، وعناصر مختلفة من التراث الثقافي المغمورة بالمیاه، و تقع على تلك السواحل العدید من المراسي والمرافئ القديمة التي أدت دورا مهما في مجال التجارة لعصور مختلفة وتشتمل آثارها على اجزء غارقة في المیاه.

فعلى الساحل الشرقي تقع جزیرة تاروت وفي قلب الجزیرة تقع مدینة تاروت التاریخیة و فیها آثار هامة یرجع بعضها إلى فترة عصر السلالات الأولى لبلاد مابین النهرین أي قبل مدة تت اروح بین ٤٠٠٠ -٥٠٠٠عام، وللجزیرة میناءان رئیسیان كانا نشیطین قبل الإسلام، واستمرر خلال العصر الإسلامي، أحدهما هو میناء دارین الواقع على ساحلها الجنوبي الغربي والآخر میناء سنابس الواقع على ساحلها الشرقي. ومن موانئ الخلیج العربي ایضاً میناء الجرهاء الذي كان مركزا تجاریا في القرن الثاني المیلادي، وذا نشاط یصل الى جنوب الجزیرة العربیة وافریقیة وبلاد ال ارفدین والهند، ومیناء العقیر كان من مو انئ شرق الجزیرة العربیة منذ عصور ما قبل التاریخ وفجره حتى العصور الحدیثة مرورا بعصور ممالك المدن قبل الإسلام والعصور الإسلامیة وكانت الممالك العربية تصدر منه البضائع وتستورد من الهند وبلاد فارس ما تحتاج إليه. و ذكره الحربي في كتاب المناسك بأنه فرضة الصین وعمان والبصرة والیمن.

أما على ساحل البحر الأحمر فتتحدث المصادر عن العدید من المو اني ودورها الحیوي في التجارة البحریة خلال القرون التي سبقت ظهور الإسلام وحتى العصر الاسلامي ومن هذه الموانئ:


لوكي كومي: وهو میناء نبطي، و اختلفت ا أرء الدارسو ن حول التحدید الدقیق لموقعه فالبعض یرى انه یقع قرب ینبع ویرى بعضهم أنه یقع في موقع مدینة الحوراء الأثریة بینما یرى البعض الآخر أنه یقع قرب عینونا وهذا ال أري الأخیر یرجحه اكتشاف میناء أك اركومي وهو میناء یعود لفترة الأنباط أیضاً ویقع جنوب مدینة الوجه بمدینة تبوك في شمال غرب المملكة العربیة.

النبك: تقع إلى الشمال من مدینة ضباء، وهي المعروفة الیوم باسم المویلح، وكانت في القرون الأولى للهجرة من مراسي الطریق إلى القلزم

ضباء: تقع على ساحل البحر الأحمر في منطقة تبوك وهي من الموانئ القدیمة على ساحل شمال الحجاز منذ العصور السابقة للإسلام ومن الم ارفئ المأمونة تلجأ إلیه السفن للاحتماء به عند هبوب العواصف

العویند: تقع على بعد ٤٥ كیلاً شمال مدینة الوجه، وصفها المقدسي في القرن الرابع الهحري في كتابه أ حسن وبأنها ساحل قرح حسن التقاسیم بأنها ذات مرسى ومیناء وادي القرى.

الوجه: تقع في شمال غرب المملكة العربیة السعودیة على الساحل الشمالي للبحر الأحمر بمنطقة تبوك، وصفت بأنها مرس حسناً على طریق الملاحة بین جدة وبحر القلزم، وتوجد عدد من الم ارسي الصغیرة على مقربة من مرسى الوجه ترفأ الیها السفن عند الضرورة منها: مرسى الرس ومرسى ازعم ومرسى جزیرة ریعا ومرسى جزیرة مردونة.

الحوراء: تقع الحوراء على بعد ١٠ كم شمال مدینة أملج، و كانت في القرون الهجریة الأولى میناء المدن الداخلیة في منطقة وادي القرى(العلا) ولذلك عرفت في المصادر بأنها ساحل وادي القرى، ووصفت بأنها قریة عامرة وأهلها اش ارف وفرضة من فرض البحر ترفأ الیها السفن من مصر، واشتهرت بوجود معدن الأبرما، یقتطع ویصنع فیها ویصدر الى سائر الأقطار، ویبدو أن الحوراء قد هجرت في القرن السابع الهجري، إذ ذكر یاقوت أنه أخبره من رآها في سنة ٦٢٦هـ أنها ماءة ملحة.. ولیس بها أحد ولا زرع ولا ضرع.

مرسى ینبع: وهو ساحل ینبع التي تعرف الیوم بینبع النخل ویقع إلى الغرب منها على بعد ٥٠ كیلا في ینبع البحر الحالیة، وكان خلال الفترة الإسلامیة مرسى لواحة ینبع وأصبح میناء المدینة الرئیسي بعد اندثار میناء الجار في القرن السادس الهجري.

الجار: تقع على ساحل البحر الأحمر على بعد ١٠كم إلى الشمال من بلدة الرایس وتعرف الیوم باسم رأس البریكة وهي میناء المدینة منذ صدر الإسلام ، وقد بنى بها الخلیفة الثاني عمر بن الخطاب رضي االله عنه مخازن لاستقبال الغلال المرسلة من مصر.

وذكرت الجار في المصادر المبكرة بأنها قریة كثیرة الأهل والقصور، و فرضة ترفأ الیها السفن من أرض الحبشة ومصر وعدن والصین وسائر بلاد الهند.

وتشاهد آثار الجار حالیا على هیئة مجموعة كبیرة من التلال الأثریة تحیط بها من ثلاث جهات بقایا أسوار مدینة الجار وبوابتها وبقایا أرصفة المیناء

جدة: المدینة المعروفة على ساحل البحر الأحمر، سكنت قبل الإسلام بفترة طویلة وكانت عند ظهور الإسلام مرسى للسفن، ویذكر بعض المؤرخین أن الخلیفة عثمان بن عفان رضي االله عنه أول من اتخذها میناء لمكة بدیلاً عن الشعیبة التي تقع الى الجنوب منها بمسافة ٦٨كم. ، وُذكرت الشعیبة :میناء قدیم یقع إلى الجنوب من مدینة جدة على مسافة ٦٨ كیلا بأنها میناء مكة قدیما، وقد وقعت بهذا المیناء حادثة جنوح السفینة الرومانیة المشهورة قبل الإسلام والتي قامت قریش بش ارء أخشابها واستخدامها في تجدید عمارة الكعبة المشرفة.

وفي هذا المیناء عثر على (كنز الشعیبة) وهو كنز من العملات الإسلامیة الفضیة ترجع إلى فت ارت العصر الأیوبي والمملوكي و الفترة الرسولیة في الیمن وقد أُستخرج من حطام سفینة غارقة بالقرب من میناء الشعیبة عام ١٩٩٤م من قبل السید جفري مارك دكسون ونقله إلى الولایات المتحدة الأمریكیة و تمت إعادته إلى المملكة بتاریخ ١٣/٢ /١٤٢٧هـ ، ویقدر العدد الكامل لعملات الكنز بنحو خمسة الآف قطعة.

السرین: تقع السرین بمنطقة مكة المكرمة على الطریق الساحلي بین مكة وجازان، جنوباً من مدینة اللیث بمسافة أربعین كیلا، و قد إزدهرت خلال فترة القرن ٣هـ/ ٩م، وكانت من الموانئ الحجازیة المهمة على ساحل البحر الأحمر إذ تعد المیناء الثاني بعد جدة، وكانت تتصل بموانئ الحجاز والیمن وبعض موانئ الساحل الشرقي لإفریقیا.

حلي: تقع حلي في منطقة مكة المكرمة، ویطلق اسم حلي على وادي حلي كما یطلق على مدینة حلي المعروفة في المصادر باسم حلي یعقوب، التي یرجح أنها المدینة المركزیة لبلدات الوادي، وعرف مرسى حلي أو میناؤها منذ القرن ٣هـ/٩م وذكرت بأنها فرضة من جاء من الیمن وفرضة من صعد القلزم ، ویستدل من روایات المصادر أن مرسى حلي ظل معروفا حتى القرن ٩هـ/١٥م وربما بعد ذلك بزمن طویل.

عثّر: تقع عثر على ساحل البحر الأحمر في منطقة جازان على بعد ٤٠ كیلا إلى الشمال الغربي من مدینة جازان، ویعود تاریخها إلى فترة حضارة الممالك العربیة بجنوب الجزیرة العربیة والعصر الإسلامي المبكر حتى القرن السابع الهجري / الثالث عشر المیلادي، وذكرت في المصادر الجغ ارفیة بواصفها حاضرة إسلامیة للمخلاف السلیماني في فترة القرنین ٤-٦هـ/ ١٠-١٢م ومحطة على طریق الحج الیمني الساحلي ومیناء كانت له صلات تجاریة مع موانئ الیمن والحجاز والحبشة.

الشرجة: تقع على ساحل الموسم في أقصى ال ازویة الجنوبیة الغربیة من منطقة جازان، و عرفت في المصادر بوصفها إحدى محطات طریق الحج الیمني الساحلي ومیناء إسلامي كان یتصل بموانئ الحجاز والیمن والحبشة، وتشیر الدلائل الأثریة إلى أن الشرجة ظلت مزدهرة حتى القرن ٩هـ/ ١٥م.




اهتمام المملكة العربیة بالتراث الثقافي المغمور بالمیاه:
یتطلب مجال استكشاف التراث الثقافي المغمور بالمیاه كفاءات متخصصة ومدربة في هذا المجال ومتخصصین و آلیات وتقنیات في مجال الغوص تحت الماء لم تكن متوفرة فیما مضى لدى الجهة المعنیة بالآثار والمتاحف في المملكة العربیة إلا أن المملكة العربیة السعودیة ممثلة في قطاع الآثار والمتاحف قد بدأت وفق إمكانیاتها بالاهتمام بالآثار الغارقة بوصفها جزءا من أثارها الوطنیة وكان هذا الاهتمام من واصدار الأنظمة والتشریعات اللازمة لحمایة التراث خلال: المسح الأثري والدراسات، الثقافي المغمور بالمیاه، والتعاون الدولي.


أولا: مجال المسح الأثري والتنقیب ضمن مشروع المسح الأثري والتنقیب لاستكشاف آثار المملكة العربیة السعودیة جهت بعض أعمال المسح نحو استكشاف بعض الموانئ البحریة شملت مسح و وتوثیق موقع میناء الجار وتنفیذ موسم تنقیب في موقعي عثر وسهي على ساحل البحر الأحمر، وموسمین تنقیب في میناء العقیر على ساحل الخلیج العربي واستخراج بعض القطع الأثریة من تحت الماء.

شهدت الفترة الأخیرة انطلاقة أكثر نحو الاتجاه لاستكشاف الآثار الغارقة إذ أُنشئت وحدة للآثار الغارقة في قطاع الآثار والمتاحف بهدف إج ارء الد ارسات والأبحاث وتنسیق أعمال بعثات التنقیب والدراسات في هذا المجال.

كما أبرمت الهیئة العامة للسیاحة والآثار اتفاقیات تعاون مع بعض الجهات الحكومیة المعنیة بالنشاطات البحریة مثل المؤسسة العامة للموانئ وهیئة المساحة الجیولو جیة وو ازرة الز ارعة، والهیئة السعودیة للحیاة الفطریة، والمدیرة العامة لحرس الحدود، للاستفادة من خب ارت هذه المؤسسات وتقنیاتها في مجال الغوص، وتعاونها في الإبلاغ عن أي آثار غارقة تستكشفها هذه الجهات أثناء ممارستها لأعمالها الاعتیادیة، كما أبرمت الهیئة العامة للسیاحة والآثار اتفاقیات تعاون مع بعض ٕمكانیات في هذا المجال لاستكشاف الآثار البعثات الأجنبیة التي تمتلك خب ارت والغارقة، وتدریب الكوادر السعودیة وتأهیلهم.

وكان من نتائج هذا التعاون : انتشال سفینة غارقة قبالة میناء القنفذة على ساحل البحر الأحمر: تم اكتشاف حطام سفینة غارقة قبالة میناء القنفذة أثناء اعت ارضها تنفیذ مشروع مرسى محافظة القنفذة، وبادرت الهیئة العامة للسیاحة والآثار بالتعاون مع و ازرة الز ارعة التي تنفذ المشروع وحرس الحدود وخب ارء في مجال الغوص بانتشال هذه السفینة، وهي سفینة كبیرة الحجم، یبلغ طولها (٥٦ (مت ار تتضمن محتویاتها أسلحة وذخائر تعود للفترة العثمانیة، كما عثر بأسفل السفینة على قارب یبلغ طوله(٢٨ (مت ار، وسیتم عرض السفینة المنتشلة والقارب ومحتویاتهما في مكان مفتوح للجمهور بمدینة القنفذة .



كما تم اكتشاف مجموعة أخرى من السفن الغارقة في میناء القنفذة و تعمل الهیئة العامة للسیاحة والآثار حالیاً على إعداد ودراسه لتحویل موقعها إلى متحف تحت الماء وتزویده بنفق زجاجي یمكن للزوار من خلاله الإطلاع على السفن الغارقة ومحتویاتها.

مشروع البعثة السعودیة البریطانیة (جامعة یورك) لمسح مواقع ما قبل التاریخ في جزیرة فرسان بمنطقة جازان وسواحل جنوب غرب المملكة. في إطار اتفاقیة تعاون مع البعثة البریطانیة(جامعة یورك)، بدأت البعثة السعودیة البریطانیة أعمالها لمسح مواقع ما قبل التاریخ في جزیرة فرسان بمنطقة جازان وسواحل جنوب غرب المملكة في العام ٢٠٠٩م، وأنجزت حتى عام ٢٠١٣م أربعة مواسم من أبرز نتائجها:

1 . تسجیل ١٦٠موقعاً تحتوي على بعض أدوات العصر الحجري وبعض المنشآت المعماریة وقطع الفخار.

2 . العثور على أربعة كهوف حول جزیرة قماح عثر في بعضها على أدوات تعود للعصر الحجري وقطع من حجر البازلت.

3 . اكتشاف فترة استیطانیة تعود إلى (٩٠٠٠ (سنة في جزیرة فرسان حول شاطئ جنابة.

4 . اكتشاف دلائل نشاطات بشریة تعود لما قبل ٦٠٠٠عام أصبحت مغمورة تحت الماء نتیجة للتغی ارت التي حدثت على مستوى منسوب میاه البحر عبر التاریخ.




مشروع البعثة السعودیة الألمانیة (جامعة فیلبس بألمانیا) لمسح الآثار الغارقة في الساحل الغربي للمملكة ما بین اربغ والشعیبة

بدأت البعثة السعودیة الألمانیة أعمالها لمسح الآثار الغارقة في الساحل الغربي للمملكة العربیة السعودیة ما بین اربغ والشعیبة في العام ٢٠١٢م، وأكملت حتى عام ٢٠١٣ موسمین من العمل، ومن أبرز نتائج أعمال البعثة:


1 . تم عمل مسح أثري شامل لسواحل اربغ والشعیبة للكشف عن أي دلائل لنشاطات بشریة تتمثل في أي آثار ثابتة أو منقولة.

2 . تنفیذ مسح شامل تحت الماء في رابغ والشعیبة للكشف عن الآثار الغارقة.

3 . تم الكشف عن بقایا سفینة من نوع السفن التي عرف استخدامها في الفترتین الهلنستیة والبیزنطیة وتشتمل حمولتها على ج ارر من نوع Amphora التي شاع استخدامها في تلك الفترة بالإضافة إلى عدد من أحجار الطحن و معثو ارت أخرى یحتمل أن یكون منشأها شرق حوض البحر المتوسط.

4 . المؤتمر السادس لأثار وتراث البحر الحمر لأهمیة جانب الأبحاث العلمیة وتبادل التجارب العالمیة نظمت الهیئة العامة للسیاحة والاثار خلال الفترة من ١٧-٢١مارس ٢٠١٣م "المؤتمر السادس لآثار وتراث البحر الأحمر دروس الماضي وآفاق المستقبل"، وتم تنظیم هذا المؤتمر في مدینة تبوك، بالتعاون بین الهیئة العامة للسیاحة والآثار ومركز مارس للدراسات العربیة والإسلامیة في جامعة اكست ار بالمملكة المتحدة وجامعة تبوك، وبمشاركة جامعات: طیبة والملك عبد العزیز وجازان وعدد آخر من الجهات الحكومیة والخاصة وشارك فیه تسعة وثلاثون من العلماء والمتخصصون من ستة عشر دولة.


وهدف المؤتمر إلى تسلیط الضوء على بیئة وآثار وتراث البحر الأحمر، وفهم تكییف المجتمعات القدیمة لها، والخطوات اللازمة للحفاظ على تلك الموارد الثقافیة والاقتصادیة ود ارستها، وتناولت المحاور العلمیة للمؤتمر:الآثار الظاهرة والغارقة والموانئ والمدن القدیمة وطرق المواصلات وأنواع التراث اللامادي، وجغ ارفیة وبیئة البحر الأحمر.

ثانیاً: الأنظمة والتشریعات:
تعمل المملكة العربیة السعودیة على سن الأنظمة اللازمة لحمایة التراث الثقافي و اكتشافه ودراسته وعرضه، حیث صدر نظام الآثار في المملكة العربیة السعودیة عام ١٣٩٢هـ ، وتعمل الهیئة العامة للسیاحة والآثار حالیا على تطویر هذا النظام لیواكب المستجدات المحلیة والعالمیة في مجال حمایة التراث الثقافي، وقد تضمن تنص على حمایة التراث مشروع نظام الآثار الجدید المتوقع صدوره قریباً موادا الثقافي المغمور بالمياه والإجراءات اللازمة لاستكشافه ودارسته وحمایته وعرضه.

كما أعدت الهيئة العامة للسياحة والآثار لائحة قانونية تتضمن ضوابط عمل البعثات الأجنبیة التي یتم الاتفاق معها للعمل في مجال المسح والتنقيب على أ ارضي المملكة العربیة السعودیة أو میاهها الإقلیمیة.

ثالثا: التعاون الدولي:
المملكة العربیة السعودیة عضو في منظمة الیونسكو ومن الدول المؤسسة لها، وقد انضمت إلى اتفاقیات الیونسكو المعنیة بحمایة التراث الثقافي وهي:


- اتفاقیة حمایة الممتلكات الثقافیة في حالة نزاع مسلح ١٩٥٤
- اتفاقیة حظر ومنع استی ارد وتصدیر الممتلكات الثقافیة بطرق غیر مشروعة ١٩٧٠
- اتفاقیة حمایة التراث العالمي الثقافي والطبیعي ١٩٧٢


ویجري حالیا ودراسه اتفاقیة التراث الثقافي المغمور بالمیاه تمهیدا للانضمام الیها.


وكانت المملكة العربیة السعودیة قد ساهمت مع الیونسكو والمجتمع الدولي في إعداد اتفاقیة التراث الثقافي المغمور بالمیاه إذ شاركت وكالة الآثار والمتاحف بو ازرة التربیة والتعلیم (قطاع الاثار بالهیئة العامة للسیاحة والآثار حالیا) في الاجتماع الثالث للخب ارء الحكومیین الذي نظمته الیونسكو في مقرها بباریس خلال الفترة من ٣ -٧ مایو ٢٠٠٠م وكذلك الاجتماع ال اربع للخب ارء الحكومیین الذي عقد أیضا في مقر الیونسكو في باریس خلال الفترة ٢٦ مارس- ٦ ابریل ٢٠٠١م وقد خصص الاجتماعین السابقین لمناقشة مشروع الاتفاقیة.

كما شاركت المملكة العربیة السعودیة في مؤتمر الیونسكو (31) الذي عقد في باریس في الثاني من نوفمبر ٢٠٠١م وشاركت في التصویت على مشروع الاتفاقیة وتم إق اررها بصورتها النهائیة في ذلك المؤتمر.



قائمة الصور المرفقة في الدراسة:
أحد مباني میناء العقیر
جرار فخاریة من میناء العقیر
منظر من میناء الجار
كنز الشعیبة وتبدو العملات ملتصقة ببعضھا عند بدایة استخراجھا
انتشال حطام سفینة غارقة من میناء القنفذة – البحر
عملات كنز الشعیبة في بدایة معالجتھا وتفكیك التصاقھا
معثورات أثریة من السفینة الغارقة في میناء القنفذة
مسح الساحل الغربي من المملكة العربیة السعودیة
جرة فخاریة استخرجت من میاه البحر في منطقة رأس الشیخ حمید


إعداد : د. سعید بن دبیس العتیبي