القاهرة (الأهرام) : تشيع اليوم جنازة العالم الكبير الدكتور أحمد زويل، من مسجد المشير طنطاوي، تمهيدا لدفنه فى مقابر الأسرة بمدينة 6 أكتوبر، وكان جثمان الفقيد قد وصل أمس يرافقه زوجته السيدة ديما الفحام وولديه نبيل وهاني، كما اصطف الطلبة والأساتذة من جامعة زويل لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.



من ناحية أخري، قدم الدكتور محمد ثروت الباحث بجامعة كالتك، والأستاذ المساعد بجامعة زويل، انفرادا لـ«الأهرام» حول آخر بحث علمى عمل عليه الدكتور زويل قبيل وفاته بأيام قليلة، والذى تقوم فكرته على إدخال تطوير جديد على الميكروسكوب الرباعى لقياس سرعة الإلكترون.


مصر تودع أحمد زويل بجنازة عسكرية تقدمها رئيس الجمهورية
القاهرة (رويترز) - ودعت مصر يوم الأحد في جنازة عسكرية العالم المصري-الأمريكي أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء والذي توفي يوم الثلاثاء الماضي عن 70 عاما في الولايات المتحدة.



وضع جثمان العالم الراحل على عربة مدفع تجرها الخيول وتقدمها جنود يحملون أكاليل الزهور والأوسمة التي نالها زويل على مدى حياته.

وتقدم الرئيس عبد الفتاح السيسي وأسرة زويل المشيعين في ساحة مسجد المشير طنطاوي بمنطقة التجمع الخامس في شرق القاهرة.

وكان جثمان زويل وصل إلى القاهرة يوم السبت من الولايات المتحدة لإقامة الجنازة ودفنه في مصر وفقا لوصيته.

زويل ومحفوظ... هل رحل معهما الحل؟
القاهرة - محمد سلماوي (الأهرام) : اليوم تشهد مصر الجنازة العسكرية المهيبة للعالم المصرى الكبير الدكتور أحمد زويل، كما شهدت منذ عشر سنوات وفى مثل هذه الأيام أيضا، جنازة مماثلة لأديبنا الأكبر نجيب محفوظ، والحقيقة أن ما يجمع بين زويل ومحفوظ لم يكن فقط أن كلا منهما شيع الى مثواه الأخير بأرض مصر بجنازة عسكرية مهيبة، فقد كانت هناك قواسم مشتركة كثيرة بين العظيمين الحائزين على جائزة نوبل، وقد لا يعلم البعض أن نجيب محفوظ كان أول من تنبأ لزويل بالجائزة دون أن يعرفه وقبل أن يقابله.



فقد روى لى الأستاذ نجيب أنه حين قرأ أن عالما مصريا وضع مقياسا جديدا للزمن متناهي القصر سيكون له بعيد الأثر على الأبحاث العلمية، تحمس جدا لذلك وخصص مقاله الأسبوعي الذى كان ينشره آنذاك كل يوم خميس فى باب «وجهة نظر» بـ«الأهرام» للإشادة بهذا الفتح العلمى الجديد، وقال إن مخترعه يستحق أن تلتفت اليه لجنة نوبل لأنه جدير بتلك الجائزة.

ومرت الأيام وفاز أحمد زويل بالفعل بجائزة نوبل فى الكيمياء، وكان الأديب فى أحد الأيام جالسا مع أسرته فى فندق سميراميس حين وجد شخصا لا يعرفه يقبل عليه بابتسامة بشوش ليقدم له نفسه قائلا: «أنا أحمد زويل الذى كنت أنت أول من رشحه لجائزة نوبل، وقد أردت أن أحييك وأشكرك».

وفى عام ١٩٩١ قبل خمس سنوات من رحيل الأديب الأكبر، اتصل بى الدكتور زويل طالبا أن أصحبه لزيارة نجيب محفوظ ليهنئه بعيد ميلاده التسعين، وقد رحب الأستاذ نجيب بذلك رغم أنه كان فى كل عام ينعى هم تلك الاحتفالات والتهاني التى كان البعض يفرضها عليه دون مراعاة لحالته الصحية، لكن لقاءه بزويل فى تلك المناسبة منذ 2٥ عاما تخطى التهاني الاحتفالية ليكون حوارا عميقا بين عقليتين فذتين من تخصصين يعتقد البعض أنهما متناقضان، وان كان اللقاء قد أثبت أن النهضة الحقيقية لا تقوم إلا بتكاملهما.

بدأ اللقاء بالطبع بالتهنئة بوصول محفوظ الى سن التسعين، وقد علق محفوظ على ذلك مداعبا فقال إنه لا يستحق هذه التهنئة لأنه لا فضل له فى الوصول الى تلك السن، ثم قال لزويل إنه قرأ ذات مرة أنه قد تم اكتشاف من الجينات الإنسانية ما هو مسئول عن تحديد عمر صاحبه، وقد أمن الدكتور زويل على كلامه وعجب لاطلاع الأديب الكبير على ذلك، والحقيقة أن الأستاذ نجيب كان مولعا بالاكتشافات العلمية الحديثة ويتابعها كلما استطاع، بقدر ما كان زويل مهتما بالثقافة وبالشأن العام، فقد كان كلما حضر الى مصر سعى للقاء أهل الفكر والثقافة، حيث كان يتناقش فى أحوال البلد وكيفية النهوض بها، وذلك قبل الثورة بسنوات، وأذكر فى إحدى هذه المرات، وكنا جلوسا فى شرفة فندق «جراند حيات» المطلة على النيل، أن أبدى لى ملاحظة ظلت دائما عالقة بذهنى، فبعد مناقشة استمرت قرابة الساعة ونصف الساعة تطرق فيها الحضور الى كل مشكلات البلد السياسية والاقتصادية والثقافية، وبعد أن انصرف معظمهم، مال على الدكتور زويل الذى كنت أجلس الى جواره وقال: «المصريون بارعون حقا فى تشخيص المشكلة وتحليل أسبابها، لكنهم نادرا ما يقدمون العلاج»، وأصبحت منذ ذلك الوقت كلما حضرت مناقشة عامة تذكرت تلك الملاحظة التى أبداها الدكتور زويل.

لقد كان فى بحث زويل الدائم عن الحل لمشكلات البلاد دلالة واضحة على انتمائه الوطنى واهتمامه (من الهم) بأحوال بلاده وكيفية الارتقاء بها، وقد كان يعتقد أن النهضة الحقة هى التى يلتحم فيها التقدم العلمى بالإبداع الفكرى والفنى، وقد التقى فى ذلك فكر العملاقين زويل ومحفوظ فى هذا اللقاء النادر الذى جمع بينهما فى ذكرى ميلاد محفوظ التسعين.

كان محفوظ هو الذى بادر بالقول: «إن النهضة التى نريدها للبلاد لن تتحقق إلا على قاعدة من التقدم العلمى الذى يساير أحدث التطورات فى العالم»، ثم دعا لتشكيل لجنة تضم العلماء المصريين فى الخارج يشرف عليها زويل لوضع خطة لتكون مصر حاضرة على الخريطة العلمية للعالم، ثم قال: «كيف تحقق كل من باكستان والهند هذا التقدم النووى رغم مشكلاتهما الاقتصادية ولا نفعل نحن ذلك؟ إن الحضارة الحديثة هى فى الأساس حضارة علمية وليست حضارة فكرية فقط كما كان فى السابق».

فقال الدكتور زويل: «صحيح أن حضارتنا الحالية هى حضارة العلم والتكنولوجيا، لكنى أقول إننا لا نستطيع أن نرتفع بالعلم الى المستوى الحضارى المطلوب دون أن تكون لدينا قاعدة من الثقافة الفكرية والأدبية، فلا يمكن أن يكون المجتمع متحضرا واعيا إلا إذا كانت لديه الثقافة الأدبية والفلسفية والأخلاقية التى تؤهله للتعامل مع العلم والتكنولوجيا، والاعتبارات الأخلاقية التى أقصدها تتعلق بالمجتمع وليس بالباحث العلمى فقط، لأن المجتمع هو الضامن الوحيد لأن تتحول الإنجازات العلمية الى ما فيه خير المجتمع وتقدم الانسانية ولا تسخر لأغراض الشر والدمار».

قال محفوظ: «ان طريقنا الى ذلك لا يكون الا بمسايرة التقدم العلمى واستلهام تراثنا فى الوقت نفسه، وأنت قد فعلت ذلك يا دكتور زويل فاهتمامك بقياس الزمن لا ينفصل عن حضارتنا المصرية القديمة التى كانت أكثر الحضارات الانسانية إدراكا لقيمة الزمن، كما كانت للحضارة العربية إسهاماتها العلمية أيضا»، فذكر زويل الحسن بن الهيثم بشكل خاص الذى جاءت أحدث النظريات العلمية مسايرة لنظريته عن انعكاس الضوء، وقال إنه كتب كتبه هنا فى مصر فى عصر الحاكم بأمر الله، حين كانت الحضارة العربية هى حضارة الأدب والعلم معا.

ونظرت الى هذين العملاقين وتساءلت: إذا كانت الحضارة الإنسانية تقوم بالفعل على العلم والتكنولوجيا من ناحية، والفكر والثقافة من ناحية أخرى، فما الذى ينقصنا لتحقيق تلك النهضة؟ إن لدينا ها هنا عملاقين اعترف العالم أجمع بنبوغهما ومنح كلا منهما أكبر التكريم، لدينا ها هنا الحل الذى كان زويل يفتقده فى مناقشاته مع المصريين، فلماذا لم نغتنم تلك الفرصة النادرة؟ لكن ها هو محفوظ قد رحل، وزويل أيضا قد رحل، فهل نستطيع بعدهما أن نطبق ما اتفقا عليه من ضرورة قيام النهضة على التقدم العلمى والتكنولوجي والنبوغ الفكرى والفنى معا، أم أن الحل قد رحل برحيلهما؟