الشرق الأوسط : يظل الجدل والنقاش لدرجة الانقسام حول رؤية الأهلة قائما ومنذ عقود، ومن المتوقع أن يستمر الانقسام قائما بين الدول الإسلامية في إعلان دخول شهر رمضان وانقضائه لهذا العام والأعوام المقبلة كما كان سائدا في العقود الماضية، وينسحب ذلك على الأشهر التي تسبق رمضان والعيدين، وأكد هذا الانقسام بين الدول الإسلامية اعتماد تقويم أم القرى يوم الجمعة 20 يوليو (تموز) الجاري أول أيام رمضان، وهو التقويم الذي تعتمد عليه السعودية في معاملاتها الرسمية والعقود وأوقات الصلوات والتقويم المدرسي والجامعي، رغم أنه لم يذكر الاعتماد عليه في تحديد المناسبات الدينية ومنها رمضان والعيدان، وذلك لأنه يعتمد الحسابات الفلكية التي تعتبر قطعية بوقت اقتران الهلال وليس بإمكانية الرؤية. في حين رأى المشروع الإسلامي لرصد الأهلة الذي يضم أكثر من 400 عالم ومهتم بعلم الفلك ويتخذ من أبوظبي مقرا له أن غرة شهر رمضان المبارك لهذا العام سوف تكون يوم السبت 21 يوليو من هذا الشهر، مشددا على أن ذلك يعود إلى استحالة رؤية الهلال عقب غروب الشمس في جميع الدول العربية والإسلامية يوم الخميس ليلة الجمعة.



ووفقا لتجمع إسلامي في مكة المكرمة استضافته مؤخرا وحضره 28 عالما دينيا و14 عالم فلك ناقشوا ترائي الأهلة فإنه: إذا غرب القمر قبل غروب الشمس لا تؤخذ بشهادة الشاهد في مكان تحري الرؤية، ولكن إذا غرب القمر بعد غروب الشمس وجاء شاهد في مكان تحري الرؤية تؤخذ شهادته. ورغم ذلك فإن من المؤكد استحالة رؤية هلال شهر رمضان يوم الخميس المقبل ليلة الجمعة حيث إن القمر سيغرب بعد الشمس في أقصى غرب المملكة بنحو 6 دقائق وهو ما لا يتيح رؤية الهلال، وفقا لمعايير رؤية الهلال، والمتمثلة في عمر الهلال وفترة مكوثه ومدى استطالته، وهي ظروف غير متوفرة يوم الخميس المقبل، كما أجمع على ذلك الفلكيون من خلال تصريحاتهم حول رؤية هلال رمضان هذا العام.



ويشار إلى أن السعودية قد سجلت حدثا نادرا قبل أكثر من ربع قرن حيث صام السكان وبعض الدول المجاورة والإسلامية 28 يوما فقط مما يعني أن رؤية الهلال والتثبت من دخوله في ذلك العام لم يكن دقيقا وهو ما دعا المشروع الإسلامي لرصد الأهلة التأكيد على المسؤولين في الدول الإسلامية التثبت الدقيق من الشهود إذا تقدموا للشهادة برؤية الهلال. وأكد المشروع في بيان نشر على موقعه على استحالة رؤية هلال رمضان يوم الخميس، وبالتالي لن يكون يوم الجمعة هو أول يوم رمضان بل يوم السبت المقبل، مشددا على أنه لم يثبت من خلال المعايير وسجلات أرصاد الأهلة العالمية الممتدة منذ العهد البابلي وحتى يومنا هذا تسجيل رؤية للهلال سواء بالعين المجردة أو باستخدام التليسكوب في مثل هذه الظروف الموجودة في العالم العربي يوم الخميس المقبل.

وكان المفتي العام للسعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ قد حذر في كلمة له بمناسبة قرب حلول شهر رمضان ممن يزعم من الناس أنه من العلماء ويشغلهم بالجدل في العبادات ويشككهم فيها ليزهدهم بالقيام بها كالذين يشككون في بداية الصيام اليومي ومواقيت الصلوات، ويقولون لا يجوز الاعتماد على توقيت أم القرى لأنه متقدم على التوقيت الذي يعتمدونه هم مع أن توقيت أم القرى معتمد من قبل العلماء ومن قبل الدولة ولم يلحظ عليه خطأ.

وزاد المفتي العام بالقول: وقد روقب من قبل لجنة من المشايخ انتدبهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رصدوا طلوع الفجر في مكان بعيد عن أنوار البلد فوجدوه مطابقا تماما للتوقيت المحدد في تقويم أم القرى فأصدرت اللجنة برئاسته فتوى باعتماده.

وفي السياق ذاته أعلن المشروع الإسلامي لرصد الأهلة أن غرة شهر رمضان المبارك سوف تكون بإذن الله تعالى يوم السبت الموافق 21 يوليو من هذا الشهر، مؤكدا على أن شهر شعبان الماضي شهد ظاهرة فريدة وقليلة التكرار تمثلت في أن معظم الدول الإسلامية دخلها شهر شعبان في نفس اليوم وهو يوم الخميس وبالتالي سوف يكون يوم التحري هو مساء الخميس الموافق 29 شعبان في معظم الدول الإسلامية، وبين البيان أنه في هذا اليوم تستحيل رؤية هلال رمضان 1433 من جميع المناطق الشمالية من العالم، وبعض المناطق الوسطى، وهذا يشمل العراق وبلاد الشام وجزءا من الجزيرة العربية، وذلك بسبب غروب القمر قبل غروب الشمس، أما ما تبقى من مناطق العالم العربي فإن رؤية هلال شهر رمضان منها يوم الخميس غير ممكنة إطلاقا بسبب غروب القمر مع الشمس أو بعده بدقائق معدودة لا تسمح برؤية الهلال حتى باستخدام أكبر التليسكوبات الفلكية.

وناشد المشروع الإسلامي لرصد الأهلة المسؤولين في الدول الإسلامية التثبت الدقيق من الشهود إذا تقدموا للشهادة يوم الخميس، إذ لم يثبت من خلال المعايير وسجلات أرصاد الأهلة العالمية الممتدة منذ العهد البابلي وحتى يومنا هذا تسجيل رؤية للهلال سواء بالعين المجردة أو باستخدام التليسكوب في مثل هذه الظروف الموجودة في العالم العربي يوم الخميس.

وتعتمد السعودية في دخول رمضان والعيدين على الرؤية بالعين المجردة وشهادة الشهود الذين يتقدمون إلى المحاكم ليلة الرؤية لتأكيد رؤيتهم للهلال ثم اعتماده من قبل مجلس القضاء الأعلى، ثم تحول الاعتماد مؤخرا إلى المحكمة العليا، ويتم الاهتمام بهذا الأمر قبل رمضان بشهرين حيث يتم التثبت من دخول شهري رجب وشعبان بنفس أسلوب التثبت من بدخول رمضان وانقضائه.



وقبل أكثر من ربع قرن اضطر السكان في السعودية وبعض الدول الإسلامية إلى صيام 28 يوما في رمضان نظرا لحدوث خطأ في دخول الشهر حيث تأخر ذلك يوما أو يومين، حيث أصدر مفتي عام السعودية آنذاك الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز بيانا طالب فيه الجميع ممن صام 28 يوما بصيام يوم واحد قبل حلول رمضان اللاحق، وهو ما يعرف في الأوساط الشعبية بـ«صيام الغرة» وهو ما أعطى البعض شكوكا حول عدم دقة الرؤية بالعين المجردة وضرورة التثبت الدقيق من الرؤية، ودارت بسبب هذا الحدث الفريد معارك وجدالات ونقاشات صحافية في العقدين الماضيين حول الرؤية بالعين المجردة أو عن طريق التليسكوب أو الاكتفاء بالحسابات الفلكية، ودخل في هذه المعارك علماء دين ومختصون وكتاب رأي حيث حسم الشيخ صالح بن محمد اللحيدان الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء هذا الجدال بالاقتصار على الرؤية بالعين المجردة بشهادة شهود عدل، مشددا بالقول: إن المملكة ولله الحمد باقية على ما كانت عليه ولم تتغير بإرجاف المرجفين أو تخرصات المتخرصين، في حين رأى الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي عضو تقويم أم القرى أن ما ذهب إليه اللحيدان من أن المملكة لم تتغير بإرجاف المرجفين وتخرصات المتخرصين يقصد بها أنها لم تأخذ بحسابات الفلك وإنما تمسكت على سبيل الإطلاق بالرؤية للهلال دون النظر إلى ولادة الهلال وغروبه بعد غروب الشمس أو قبل غروبها. معتبرا أن قول اللحيدان بأن المملكة لم تتغير عما كانت عليه ولم تأخذ بالمعايير العلمية من قطعيات علم الفلك صحيح. لكن هل يعتبر هذا منقبة للمملكة أو ظاهرة تخلف؟ متسائلا: لعل الرأي العام من ذوي العلم والفكر والنظر يجيب عن ذلك.

وكان الشيخ المنيع قد أكد في بيان نشر في الصحف قبل عدة سنوات أن لا تعارض في رؤية الهلال بين الحساب الفلكي والنص الشرعي، لافتا في هذا الصدد إلى أن الاختلاف يقع في تحديد أول يوم من الشهر لا في تحديد ولادة الهلال ولا اقترانه بالشمس فهذان الأمران محل إجماع بين علماء الفلك قاطبة مسلمهم وغير مسلمهم والاختلاف اختلاف في الاصطلاح، مشيرا إلى أنه ينبغي الأخذ بعلم الفلك في نفي ثبوت دخول الشهر وليس في إثباته، حيث لا يثبت إلا بالرؤية الشرعية، موضحا أنه قد يقول أحد المعترضين على الأخذ بعلم الفلك في حال النفي بأن الهلال يولد بعد غروب الشمس ومع ذلك يرى بعد غروب الشمس فكيف يكون ذلك؟ والجواب عن هذا ومن علماء الفلك بأن هذه الحالة تقع في السنة مرة في أحد شهورها. وحقيقة الأمر أن رؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال أن الاقتران والولادة لم يحصلا إلا بعد غروب الشمس. هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية وإنما هي رؤية سرابية وهي رؤية عاكسة صورة القمر خلف الشمس كعكس المرآة لمن هو خلفها والحال أن صورته فيها أمامه.

واعتبر الدكتور حمزة المزيني الذي يعد أكثر من دخل في نقاش صحافي حول رؤية الهلال وكتب أكثر من 60 مقالا بهذا الخصوص أن النقاش حول رؤية الأهلة سيظل قائما مثلما كان سائدا في الماضي، بل إن استمرار النقاش حوله ليس له جدوى البتة بدليل أن المعتمد في الرؤية على العين المجردة وشهود العدل في إثبات دخول وانقضاء رمضان وما قبلهما من الأشهر وكذلك عيد الأضحى وهو من الثقة العمياء في هؤلاء الرائين والشهود.

وأبلغ «الشرق الأوسط» أن هؤلاء الرائين ومعهم الشهود الذين يرون ما لا يراه الفلكيون هم يعدون إعدادا مجانيا لإثبات الرؤية، بل إنهم يضربون بكلام الفلكيين عرض الحائط، ولا يرون اعتبارا للمعايير العلمية للتأكد من الرؤية الدقيقة، والأنكى من ذلك الشهود الذين يزكون من رأى الهلال مع تأكيد استحالة رؤيته، معيدا إلى الأذهان صيام السكان في السعودية وبعض الدول العربية والإسلامية قبل أكثر من ربع قرن 28 يوما باعتماد صيام السعودية من خلال الاكتفاء بالرؤية بالعين المجردة من قبل الشهود العدول، مما يعطي شكوكا بعدم مصداقية من رأى بدخول رمضان في ذلك العام والأشهر التي قبله.



وفي ذات السياق وضعت الجمعية الإسلامية لرؤية الأهلة في بريطانيا العام الماضي جائزة قدرها ألف جنيه إسترليني لمن يستطيع أن يثبت رؤيته لهلال شوال العام السابق، وذلك في التاسع والعشرين من شهر أغسطس (آب) 2011. وجاء التحدي بسبب أن الجمعية ترى أن رؤية الهلال في ذلك اليوم مستحيلة في معظم دول العالم من بينها السعودية وبريطانيا حتى باستخدام التليسكوب، معتبرة أن جمهور المسلمين يعتقدون بأن دخول شهر رمضان وخروجه لا يكون إلا برؤية الهلال فيما ينقسم هؤلاء في مسألة رؤيته بالعين المجردة أو الأجهزة الحديثة وهذا يرفع احتمالا كبيرا في يوم التاسع والعشرين من أغسطس من العام الماضي بأن كثيرا من المهتمين قد يخرجون لرؤية الهلال في ذلك اليوم لتعارضه مع المعلومات العلمية التطبيقية.

وتنشر «الشرق الأوسط» معايير رؤية الهلال التي حددت وفق عمر الهلال وفترة مكوثه ومدى استطالته من خلال أن عمر الهلال وهو الفترة الزمنية التي تمتد بين وقت الاقتران ووقت غروب الشمس، وأقل عمر رؤي عنده الهلال بالعين المجردة هو (10:32) عشر ساعات واثنتين وثلاثين دقيقة، وسجل باسم الأميركي (أوميارا) لهلال ذي القعدة 1410هـ. والمعيار الثاني هو مكث الهلال وهو الفترة الزمنية التي تمتد بين وقت غروب الشمس ووقت غروب القمر، وأقل مكث رؤي عنده الهلال هو (29 دقيقة) وقد سجل باسم أحد المترائين في بلدة (أشود) الفلسطينية لهلال ربيع الأول 1411هـ. أما المعيار الثالث فهو الاستطالة وهو الفاصل الزاوي بين الشمس والقمر لحظة غروب الشمس، فأقل استطالة رؤي عندها الهلال هي (7.7) درجة سماوية وقد سجلت باسم الأميركي (بيرس) لهلال شعبان عام 1410هـ.

وفيما يتعلق بهلال رمضان لهذا العام 1433 هجرية فسيحدث الاقتران يوم الخميس 29 شعبان (حسب تقويم أم القرى) الموافق 19 يوليو 2012، الساعة 7:25 صباحا حسب التوقيت المحلي للمملكة العربية السعودية، تغرب الشمس في مكة المكرمة يوم الخميس الساعة 7:05 السابعة مساء وخمس دقائق، بينما يغرب القمر الساعة 7:11 مساء ويكون ارتفاع الهلال فوق الأفق لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة ربع درجة تقريبا، وسيكون شكل الهلال «يماني». أما في الرياض فسيكون غروب الشمس : 6:44 مساء، وغروب القمر 6:47 مساء، وفترة مكث الهلال 3 دقائق، ويبلغ ارتفاع الهلال لحظة الغروب ربع درجة فقط.

ومن خلال ذلك يتضح أنه من المستحيل رؤية الهلال في جميع مدن السعودية وفقا للمعايير والتجارب والتأكيدات الفلكية، حيث ستبلغ أطول مدة لمكث الهلال نحو 6 دقائق، وارتفاع الهلال لن يتجاوز نصف درجة سماوية.

وتشارك نحو 9 لجان من مختلف مناطق السعودية في رصد الأهلة والتثبت من دخول هذه الأشهر في وقتها وفقا للمعايير الفلكية العلمية العالمية، ويتم رفعها إلى المحكمة العليا لتأكيد إثبات دخول الهلال أو عدمه، وعادة ما يتم اعتماد الرؤية المجردة.