تونس - محمد الماطري صميدة (الشروق) : هذا أسبوع عبد الحليم حافظ... وذلك بمناسبة ذكرى وفاته،،، ورغم أني من حزب أم كلثوم وعبد الوهاب الا أني أصبحت أعشق حزب عبد الحليم حافظ... وأقرأ عنه كثيرا... وأجد أن اسمه يدور في كل مكان وفي كل زمان... وعلى الألسن ويحتل الصفحات الاولى من صحف الشرق... وأجد بعض صور حليم على الجدران وغرف النوم... والبعض الآخر في قلوب المعجبين والمعجبات... وذلكم هو عبد الحليم حافظ.



ولقد كان طبيعيا أن يكون حبه وفتاته المفضلة شغلا شاغلا للأذهان... أذهان العذارى اللاتي يحلم عدد كبير منهن بأن تكون كل واحدة منهن فتاته المفضلة... لكن حليم أحب الكثيرات ولم يخلد في قلبه سوى حب السندريلا سعاد حسني... وعن هذا الحب الخالد... اليك هذه الشذرات من قصة حب حليم وسعاد.

لقد أكد عدد من المقربين من الراحلة سعاد حسني أنها قالت في مذكراتها إنها "كانت المقصودة في قصيدة "قارئة الفنجان" التي كتبها الشاعر نزار القباني للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.



وقالت سعاد في مذكراتها إن "نزار قرر أن يكتب قصيدة تضم حكاية قصة حب حليم وسعاد حسني الخالدة... فقد انفعل وتجاوب مع أحداثها وتطوراتها.. كتب الكلمات... وعرضها على حليم وانفعل بها العندليب، وطلب من نزار تغيير بيت واحد بها الذي كان سيفتح النار عليه هو وهي، وهو البيت الذي يقول "فحبيبة قلبك يا ولدي... نائمة في قصر مرصود... والقصر كبر يا ولدي... وكلاب تحرسه وجنود"، فخاف حليم من جملة "وكلاب تحرسه وجنود".

وأكدت سعاد أن هذا البيت يوحي بالخطر الذي سوف يتعرضان له من النظام السياسي وقتها ولا يعلمان ماذا يمكن أن يلحق بهما بسبب هذا البيت من الشعر، وظلت كلمات هذه القصيدة عند الملحن محمد الموجي لمدة عامين حتى شاءت الأقدار وتحولت إلى لحن رائع وغناها حليم في عيد الربيع عام 1976 أي قبل وفاته بعام واحد.



وبعد نجاح الأغنية مُنع نزار قباني من دخول مصر لفترة طويلة، لأن الأجهزة الأمنية اعتبرت هذه القصيدة تحديا سافرا لها، فلم تكن كلماتها على هوى ومزاج النظام والأجهزة الأمنية، وحاولت هذه الأجهزة إجهاض وإفشال الأغنية بشتى الطرق ولم تفلح، حيث أرسلت بلطجية ودفعوا لهم أجورا خيالية لإفشالها يوم أن غناها حليم، وقد اعتلوا المسرح للتشويش ولكن فشلوا في تخريب الحفل.

وأضافت سعاد: "لم يمكث حليم طويلا... فقد تطورت حالته الصحية... ودخل على إثرها مستشفى (كنجر كولدج) بلندن وقبل دخوله إلى غرفة العمليات للمرة الأخيرة... كتب بخط يده جزءا صغيرا من (قارئة الفنجان) في ورقة وجدوها ضمن متعلقاته وهي "برغم الجو الماطر والإعصار. الحب سيبقي يا ولدي أحلى الأقدار" وكأنه يعلن قبل أن يموت أنه مات وهو يعشق سعاد... وأنها كانت المرأة الوحيدة في حياته، وأوصى حليم نزار أنه لو مات لابد أن يكتب قصتهما معا عندما يسجل (نزار) مذكراته... وطمأن نزار حليم وهو على فراش الموت ووعده بأنه سيعيش ليكتب بنفسه قصة حب وعشق (سعاد وحليم)، ولقد أخلف نزار وعده لحليم مرتين الأولى عندما وعده أنه سيعيش والثانية عندما مات ولم يسجل مذكراته... ولكن ها هي القصة وكما رواها الرواة المقربون من حليم .



فلقد بحث حليم وسعاد تفاصيل الزواج واختارا سريرا من النحاس آية في جمال الصنعة... و"حليم" طلب من وجدي الحكيم شحنه إلى شقة الزمالك... قبل أن يخبره حزينا: "توقف عن إجراءات الشحن... الزواج ألغي"!... وقالت "سعاد" مرة إنها لو تزوجت "حليم" لكان عليها أن تسكن في جناح الزقازيق لتحل محل ابن خالته وزوجته... وسوف تتحول إلى ربة منزل لا شغل لها إلا أن ترعى "حليم" وتوفر للنجم الكبير ما يحتاج إليه من عناية في منزله ليواصل تألقه... ولم يكن ذلك رغم حبها لـ "حليم" هو نهاية المطاف في تطلعاتها.. وكان هناك سؤال تردد كثيرا هل تزوج "حليم" من "سعاد"؟

إذن قصة حب "حليم" و"سعاد"... هي قصة حقيقية بين اثنين يمثل كل منهما ظاهرة فنية نادرة التكرار... حب فيه الآمال التي تغذي الأحلام والقدر الذي يطيح بها، فيه بهجة التلاقي ولوعة الفراق...

فلقد لفتت "سعاد" الأنظار بعد تألقها في فيلم "حسن ونعيمة " أمام محرم فؤاد سنة 1959فرشحوها لتلعب دور أخت "حليم" في فيلم "البنات والصيف" عن قصة الكاتب المعروف إحسان عبدالقدوس ـ كان ذلك أول لقاء فني مع "حليم" وآخر لقاء فني أيضا ـ ولكنه كان بداية قصة الحب... أحس "حليم" بقلبه يخفق لأخت القمر كما لقبوها وهي طفلة حيث غنت "أنا أخت القمر" وهي طفلة في برنامج للأطفال فكانت البنت الجميلة الشقية التي لا تخلو ملامحها من أنوثة طاغية. !



ومع إحساسه بالحب التقط "حليم" بحدسه الذي قلما يخيب في الاختيار... الموهبة القادمة وصارع لتقوم "سعاد" بدور حبيبته لا أخته... ولكن هذا الاقتراح لم يلق قبولا من القائمين على الفيلم... وحتى المؤلف اعترض عليه فلعبت زيزي البدراوي دور الحبيبة... واحتفظت "سعاد" بدور الأخت... ولم يخف "حليم" خيبة أمله لعدم أخذهم برأيه... وكان يردد دائما أنه كان مدفوعا باعتبارات فنية تحققت صحتها بعد ذلك... حين أصبحت "سعاد" النجمة الأولى... والحق أيضا أن "حليم" سوف يظل حتى نهاية حياته يحلم بفيلم رومانسي تلعب فيه "سعاد" دور البطولة أمامه.

ولقد كان دور "سعاد" في هذا الفيلم هو آخر مرة تلعب فيه دورا ثانويا... وقد انزاحت كل العقبات أمامها حين لعبت بعد ذلك دور البطولة المطلقة في فيلم "إشاعة حب" أمام النجم عمر الشريف... وبعدها أصبح واضحا للجميع أنهم أمام ظاهرة غير عادية وموهبة فذة سوف تدفع بصاحبتها إلى المقدمة... وخلال النصف الأول من الستينيات بلغت التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي بعثتها ثورة يوليو أوجها... وفي نفس الوقت صعدت أخت القمر إلى مدار النجوم... وقادت حركة التغيير في التعبير السينمائي... وقدمت نموذجا جديدا للبنت المصرية بصوتها المرح وحركاتها الرشيقة الوثابة نموذجا يختلف عما سبق ويجاري ما حدث من تطورات اجتماعية فى سنوات يوليو.

نما الحب بين "حليم" و"سعاد" في هذه الفترة. في بداية لقائهما كان "حليم" قد مثل الفيلم العاشر من 51 فيلما لعبها طوال حياته... في حين كانت "سعاد" تمثل فيلمها الثالث من 58 فيلما هي مجموع أفلامها. خلال عام 1961 قامت "سعاد" ببطولة سبع أفلام كان أبرزها "السفيرة عزيزة" ثم قامت ببطولة 5 أفلام خلال سنة 1962. لم ينقطع لقاء "حليم" و"سعاد" خلال هاتين السنتين... وكان "حليم" يقوم بدور المحب والأب والراعي لـ "سعاد"... ويقدم لها المشورة دائما. ولكن ماذا عن الزواج... ومتى بدأت فكرته؟

البقية من المصدر