(منظمة العفو الدولية) : بيد أن هذه السمعة كبلد قيادي في الإقليم في مضمار حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين تغدو بلا معنى عندما يتيح القانون للمغتصبين أن يفلتوا بجــــــــــرائمهم.




اغتصبت. ولحماية شرفها، عليها الآن أن تتزوج مغتصبها.

اعتدي عليه. وعليه الآن أن يواجه تهمة "اللواط".


ففي تونس، ثمة خطر، إذا ما كنت ضحية للعنف الجنسي بأن تعاقب، بينما يمضي المعتدي في سبيله.

وفي معظم الأحيان، يخذلك القانون. وفي أغلب الحالات، يبلغونك بأن عليك أن تحتملي أذى زوجك. وفي معظم الحالات، لا تجدين أحداً كي تلجأي إليه طلباً للمساعدة. وفي أغلب الأحيان، يبلغونك بأن عليك أن تقلعي شوكك بيديك، وكفى.

وهذا يتركك أنت، الضحية- الناجي- لتتدبر أمرك بنفسك. فقد نجوت من الجريمة، ولكن غدوت ضحية للقانون.

ليس هذا ما يمكن أن تتوقعه من بلد يفخر بأنه يتزعم حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في العالم العربي. ففي نهاية المطاف، أجازت تونس الإجهاض في القانون بناء على الطلب في 1973، أي قبل سنتين من فرنسا.

ولكن حقيقة الأمر هي أن قصة نجاح تونس لم تكتمل بعد. فالثغرات في القانون ما برحت تتيح للمغتصبين أن يفلتوا بجرائمهم، أما الزوجات اللاتي يغتصبن من قبل أزواجهن، فلا حماية قانونية لهن، بينما لا تزال العلاقات الجنسية فيما بين الرجال،

وفيما بين النساء، غير قانونية. ألم يحن الوقت كي تتوقف تونس عن اتهام الناجين وتباشر معالجة قوانينها المعيبة؟


تونسيات يتجولن فى شارع بورقيبة، فبراير 2012

تفشي العنف ضد المرأة
تعرضت نصف النساء في تونس، تقريباً، للعنف مرة واحدة على الأقل في حياتهن، طبقاً لدراسة مسحية أجرتها وزارة الصحة التونسية في 2010. ومن بين هؤلاء، تعرضت 15.7% للعنف الجنسي. أضف إلى هذا حقيقة أن العديد من النساء يترددن في الحديث عن التعرض للعنف الجنسي خشية أن يوصمن بالعار من قبل عائلاتهن أو مجتمعاتهن، ومن المرجح أن تكون الأعداد الحقيقية أعلى من هذا بكثير.

ووجدت الدراسة المسحية كذلك أن العنف الزوجي والأسري هو الأكثر شيوعاً بما لا يقاس. ومع ذلك، فإن القانون التونسي لا يعترف بالاغتصاب الزوجي على أنه كذلك. وفوق هذا وذاك، ما زال القانون يتيح للمغتصبين الخلاص من العقوبة بالزواج من ضحاياهم المراهقات- وهذه ثغرة قانونية أزيلت في الآونة الأخيرة من كتب القانون في المغرب.

أما الناجيات من العنف الأسري فغالباً ما يبلغن من قبل الشرطة أو من قبل عائلاتهن بكل ببساطة بأن "يعالجن الأمر بأنفسهن" أو أن "بتحملن مسؤولياتهن"- بما يعني أنه ينبغي على المرأة المتزوجة تحمُّل الإساءة من أزواجهن.

يتوقع من المرأة غض الطرف عن العنف
على الرغم من المجالات العديدة التي حققت فيها المرأة تقدماً في تونس، ما انفكت النظرات التمييزية إليها تفعل فعلها. فالجنس يعتبر واجباً زوجياً للرجل والمرأة، على السواء، ولكن في الواقع، لا يعني هذا سوى أنه يتوجب على المرأة الخضوع لمطالب زوجها.

امرأة مجهولة: "إذا قلت لا، يجبرني ويضربني- ما دام يحصل على ما يريد."
وكما أخبرتنا إحدى النساء: "ليس هناك خيار اسمه لا، لا يحب ذلك، فمهما كانت حالتي، سواء أكنت متعبة أم مريضة، لا خيار أمامي. وإذا قلت لا، يجبرني ويضربني- ما دام يحصل على ما يريد".

وحتى إذا ما أرادت المرأة أن تبلِّغ عن اغتصاب زوجها لها، فإنها تواجه المتاعب جراء ذلك، لأن القانون التونسي لا يعترف بالاغتصاب الزوجي. أما حال النساء اللاتي يقمن علاقات تتخللها الانتهاكات فليس أفضل، حيث تتقاعس الشرطة عن أخذ شكاواهن على محمل الجد.

وصفت امرأة تبلغ من العمر 40 سنة لمنظمة العفو كيف ضربها زوجها ذات يوم. قالت: "عندما دخلنا البيت، راح يلكمني على رأسي ووجهي ويضربني بحذائه. وازرقَّت عيني تماماً بسبب ذلك". ولكن عندما حاولت إبلاغ الشرطة عن الحادثة، لم يجدِ ذلك نفعاً.

"تقدمت بشكوى في مركز الشرطة، وحصلت على تقرير طبي استدعت الشرطة زوجي بعده. ولكن ضابط الشرطة كان من أصدقائه، ولم يحدث شيء. كل ما فعلته الشرطة هو الطلب منه أن يفكر بالأطفال".

امرأة من صفاقس تبلغ من العمر 40 سنة، مارس/آذار 2015 : "كل ما فعلته الشرطة هو الطلب منه أن يفكر بالأطفال."
اغتصب ووجه إليه الاتهام
تجاوب الشرطة مع اغتصاب المرأة سيء بما يكفي، ولكن إذا كان الشخص مثلياً ومارس الجنس مع رجل- وهو أمر مخالف للقانون في تونس- فإن التمييز الذي يواجهه لا يقل سوءاً، إن لم يكن أكثر سوءاً.

ففي أواخر 2009، قُبض على هادي، البالغ من العمر 37 سنة، وقُدم إلى المحاكمة لإقامته علاقة جنسية مثلية عقب إبلاغه عن اعتداء تعرض له. إذ دفعه ثلاثة رجال داخل سيارته وهو يغادر منزل صديقه. وقام أحدهم باغتصابه، وسرقت نقوده وهاتفه. وطلبت الشرطة من هادي التوقيع على إفادة.


الكتابة على الجدران في تونس تسلط الضوء على المادة 30، التي تعاقب ممارسة الجنس بين الرجال أو بين النساء بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

وجراء ما أصابه من اضطراب بسبب وصول والديه إلى مركز الشرطة، قام بالتوقيع دون أن يقرأ ما كُتب. قال: "قبض علي ووضعت في زنزانة. وكان الرجال الثلاثة الذين اعتدوا علي داخل الزنزانة نفسها".

وأبلغ هادي منظمة العفو أن إفادته قد تم تغييرها لتقول إنه كان قد وافق على ممارسة الجنس مع الرجال الثلاثة. وحكم عليه بالسجن ستة أشهر، ولكن أفرج عنه عقب أربعة أشهر بعد أن خفضت مدة الحكم في مرحلة الاستئناف.

مواجهة الأوضاع
الأوضاع ليست كلها بهذا السوء. فالناس في تونس قد بدأوا بالدعوة إلى تغيير القانون لوضع حد للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس مرة واحدة وإلى الأبد.

والقضية التي حفزت على كل ذلك كانت قضية مريم بن محمد. ففي 2012، وجهت إليها تهمة "الإخلال بالحياء" عقب تقدمها بشكوى ضد اثنين من رجال الشرطة قاما باغتصابها.

حيث ثارت ثائرة التونسيين، فلجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي والاحتجاجات في الشارع إلى أن أسقطت عنها التهم وقدِّم رجلا الشرطة إلى المحاكمة. وبفضل الدعم الجماهيري ومساندة عائلتها، تمكنت مريم من أن ترى العدالة تتحقق. ففي 2014، حكم على رجلي الشرطة بالسجن 15 سنة- في حصيلة غير مسبوعة في مثل هذه القضايا.

منظمة العفو الدولية : "حان الوقت لأن تتوقف تونس عن ترك المغتصبين يسرحون ويمرحون؛ أوقفوا الادعاء بأن الاغتصاب الزوجي ليس اغتصاباً؛ وأوقفوا حبس الرجال لكونهم مثليين."
وفي حادثة أخرى قبل فترة وجيزة، احتشد الجمهور خلف "مروان"، وهو طالب يبلغ من العمر 22 سنة وأدين بتهمة اللواط في سبتمبر/أيلول 2015، وما زالت محاكمته جارية في مرحلة الاستئناف.

وقد دفعت الصرخة العامة، التي قادها ناشطو حقوق المثليات والمثليين وذوي الميول الجنسية الثنائية والمتحولين جنسياً ومزدوجي الهوية الجنسية التونسيون، بدعم من المدافعين المحليين والدوليين عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، السلطات إلى أن تلحظ الأمر وتبدأ بالتفكير في الحلول.

إن الوقت قد نضج كي يحمل الناس في مختلف أنحاء العالم راية ناشطي تونس. فبشيء من الجهد الإضافي، يغدو التغيير ممكناً.

لقد حان الوقت كي تتوقف تونس عن ترك المغتصبين يفلتون من العقاب؛ أوقفوا الادعاء بأن الاغتصاب الزوجي ليس اغتصاباً؛ وأوقفوا حبس الرجال لكونهم مثليين. ثمة من يقول للناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على نوع جنسهم إن عليهم أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم، ولكن ألم يحن الوقت لأن تتولى تونس ذلك بنفسها؟

في أغسطس/آب 2014، وعدت السلطات بحماية الناجين من هذا النوع من أنواع العنف وبدعمهم. والآن هو الوقت المناسب لتونس كي تصنع التاريخ بالوفاء بهذا الوعد.


"مذكرات مريم بن محمد "مذنبة بالتعرض للإغتصاب