غزة - د. محمد شبير (العلوم) : تعرف الفيروسات بأنها أصغر العوامل التي تسبب أمراضاً للإنسان والحيوان والنبات بل لكل الكائنات الأكبر حجما منها ولا ترى الفيروسات إلا بالمجهر الإلكتروني حيث أن حجمها يقاس بالنانوميتر (10-9 متر). ولا تستطيع الفيروسات أن تتضاعف في العدد إلا إذا وجدت الخلايا التي تستطيع التطفل عليها وهذه الخلايا تمدها بالإنزيمات والطاقة اللازمة لتضاعف المادة الوراثية للفيروس وكذلك تصنيع البروتينات الخاصة بها.



وتقسم الفيروسات إلى مجموعتين رئيسيتين حسب نوع المادة الوراثية فهي إما الدنا (DNA) أو الرنا (RNA). ولكل مجموعة خصائصها الخاصة بها من حيث قدرتها للتطفل على الخلايا المستهدفة، والتي عادة ما تحوى مستقبلات للفيروس على غشائها الخارجي، وبالتالي تتسبب في أحداث الأمراض الخاصة بها.

وقد عرفت الفيروسات منذ أكثر من 130 عاما كمسببات لامراض كثيره وعانى البشر من أوبئة عديدة أهلكت الكثير، مثل: (وباء الجدري)، (الحصبة)، (داء الكلب)، (التهاب الكبد الوبائي)، (شلل الأطفال)، (الحمى الصفراء)، (حمى الضنك)، (النزلات المعويه) التي يسببها فيروس الروتا و(الانفلونزا) بأنواعها المختلفة، بالإضافة الى فيروس نقص المناعة المكتسبة “(الإيدز)”.

ويقدر العلماء عدد الذين فارقوا الحياة بسبب وباء الإنفلونزا الذي تلى الحرب العالمية الأولى في عام 1918 بحوالي 40 مليون شخصا،،، وحديثا نسمع عن أوبئة فيروسية تجتاح الكثير من البلدان مثل: انفلونز الخنازير وانفلونزا الطيور، والسارز الذي يسببه فيروس الكورونا ومرض الايدز.



وتبعا لاحصائيات منظمة الصحه العالميه ومنذ اكتشاف الفيروس المسبب لمرض (الايدزHIV) في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي فقد اصيب حوالي 70 مليون انسانا على مستوى العالم وقد مات منهم حوالي 35 مليونا،، واليوم يعيش حوالي 35 مليونا وهم مصابون بهذا المرض ويوجد اكبر عدد من المصابين في القارة الافريقيه.

وهناك امرضا اخرى تسببها الفيروسات للانسان مثل تلك التي تصيب الجهاز العصبي والقلب والجلد والعينين واللثه والحنجره والبنكرياس والاعضاء التناسليه. ولا تستطيع الفيروسات التطفل على اية خليه الا في وجود مستقبلات لها وغالباً ما تكون هذه عباره عن بروتينات على غشاء الخليه المستهدفه تتعرف عليها بروتينات اخرى توجد على الفيروس. ولبعض الفيروسات القدرة على التطفل على أجناس مختلفة من الكائنات مثل فيروسات الإنفلونزا التي تستطيع التطفل على الإنسان والحيوان والطيور. وهذه الخاصية تكسبها القدرة على تكوين سلالات جديدة باستمرار عن طريق الإختلاط بين السلالات المختلفة لكي تستطيع التغلب على جهاز المناعة.



الوقاية من الفيروسات: لاشك أن جسم الإنسان مزود بجهاز مناعة قوى يستطيع في أغلب الأحيان أن يتغلب على الفيروسات عن طريق تكوين الأجسام المضادة أو محاربة الخلايا المصابة بالفيروس عن طريق خلايا مناعية متخصصة تسمى الخلايا التائية السامة والتي تهاجم الخلايا المصابه بالفيروس. عادة ما يكون جهاز المناعة ضعيفاً لدى الأطفال الصغار أو الكبار المتقدمين في السن وهنا يتغلب الفيروس على جهاز المناعة وربما يؤدي إلى وفاة الشخص. كما أن بعض الفيروسات تندمج مادتها الوراثية مع المادة الوراثية للخلية (Integration) وتمر بمرحلة كمون (Latency) قد تطول لعدة سنوات، وقد استحدثت لقاحات عديدة من الفيروسات مثل لقاح الجدري والكلب وشلل الأطفال والحصبة، والفيروس المسبب لالتهاب الغدد النكفية، كما استحدثت حديثاً لقاحات ضد أنواع مختلفة من فيروسات التهاب الكبد الوبائي.



استحداث الأدوية: منذ فترة طويلة يحاول العلماء تصنيع أدوية للقضاء على الفيروسات ولكن المشكلة التي واجهتهم هي أن الفيروسات تتطفل على الخلايا والأدوية التي ربما تقضي على الفيروسات تسبب سمية للخلايا، ولكن كثيراً من المحاولات نجحت حيث استطاع العلماء تصنيع أدوية موجهة لمكونات الفيروسات فقط بعيداً عن مكونات الخلايا، ومن أمثلة هذه الأدوية: Acyclovir الذي يثبط الانزيم الخاص بتضاعف فيروس الهربس. وكذلك Tamiflue الذي يمنع خروج فيروسات الأنفلونزا بعد تضاعفها من الخلايا، وكذلك الأدوية المضادة للفيروس المسبب لمرض الأيدز، حيث تحبط هذه الأدوية عمل الأنزيمات الخاصة بالفيروس نفسه.

تطبيقات الفيروسات :
– من أهم استخدامات الفيروسات استعمالها كعوامل ناقلة لجينات محددة لحقنها في خلايا أخرى لإكسابها صفات وراثيه جديده او ما يعرف بالعلاج الجيني (Gene therapy).

– مجموعة لاقمات البكتيريا (Bacteriophages) في الأمعاء تحافظ على التوازن الميكروبي وتستخدم في علاج بعض الأمراض البكتيرية.

– وهناك مجموعه من الفيروسات تساعد البكتيريا في انتاج سلالات مقاومه للمضادات الحيويه عن طريق نقل جينات من خليه بكتيريه لخليه بكتيريه اخرى.

– بعض الفيروسات تستخدم في الحرب البيولوجيه مثل الفيروس الذي يسبب مرض الجدري.

– إستخدامها كمؤشر على تلوث المياه بفضلات الانسان أوالحيوان.


الفيروسات وعلاقتها بالاورام:
توجد مجموعه من الفيروسات تتسبب في اكساب الخلايا صفات جديده مثل سرعة الانقسام وتكوين اورام مختلفه وهذه الفيروسات يطلق عليها الفيروسات المسرطنه (oncogenic viruses) ومن امثلتها HPV, HTLV, HBV وقد تم تحضير لقاحات فعاله لبعضها.

التشخيص المخبري للامراض الفيروسيه:
تظهر على المرضى بالفيروسات المختلفه اعراض اكلينيكيه يستطيع من خلالها الطبيب الحاذق أن يتعرف على الفيروس المبسبب للمرض ولكن في بعض الحالات يستعين الطبيب بالمختبر لتأكيد التشخيص. وٍيمكن تشخيص الاصابه بالفيروسات باخذ عينه من المنطقه المصابه وزراعتها على خلايا خاصه يتم تحديدها حسب نوع الفيروس المتوقع، وبعد وضع المزارع في حضانات خاصه يتم التعرف على الاثار التي سببها الفيروس لتلك الخلايا، كما يمكن التعرف على الفيروس نفسه عن طريق التقنيات المناعيه. ويمكن ايضا التعرف على الفيروس باستخدام تقنية الهندسه الوراثيه. وفي حالات اخرى يتم حقن حيوانات التجارب بالفيروس للتأكد من تسببه للمرض.


أ.د. محمد عيد شبير



أستاذ علم الميكروبات و المناعة
قسم العلوم الطبية المخبرية – الجامعة الإسلامية

مجلة العلوم بالعربية هي مجلة علمية دورية شاملة تصدر شهريا عن الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية و بدعم من البنك الإسلامي للتنمية. يقوم على تحرير المجلة مجموعة من الأكاديميين من الجامعات الفلسطينية و نخبة من خريجي الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة