بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضل الصحابة رضى الله عنهم اجمعين


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

إن الحديث عن ذوي الفضائل مما تبتهجُ بذكره النفوس, وتستلذُ بسماعه الآذان؛ وترتوي بجماله القلوب, حتى يكون كالسيل المتدفق على الصحراء القاحلة؛ فترجع بعده مروجاً وأنهاراً.

وإنّ مِن أعظم الناس ِفضلاً؛ صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذين بلغوا مراتب الكمال, واهتدى بهم الضلال, واختصهم الله بأعظم الفضائل وأطيب الخصال, وفتح عليهم من الدين والأخلاق ما يعجز عنه وصفُ واصف؛ وينقطع عنده كلُّ حديث, لما علم الله ما في قلوبهم من النقاء والطهارة والصدق والإقدام.

وما وُجِد خُلقٌ إلا وقد أخذ منه الصحابةُ الحظّ الأوفر, وسبقوا إليهِ سبقاً يُتعِب من بعدهم أن يلحق بركبانهم.

فما بالك بأُناس يحبون الآخرة كما يُحب غيرهم الدنيا؛ فهل سيوجد مَن هو أجمعُ لمكارم الأخلاق منهم؟!

وما كان الله تعالى ليختارهم لصحبة نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم؛ ويخصّهم بهذا الفضلِ العظيم؛ إلا لعلمه سبحانه أنهم أهل له؛ قال ابن مسعود رضى الله عنه: " إن الله نظر في قلوب العباد؛ فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته؛ ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدr؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه " .

وهكذا كانوا رضى الله عنهم اجمعين ؛ فقد صاروا منارات هدى, وشموساً أضاءت الأرضين, وأحيوا بسيرتهم قلوباً ميْتةً, ونشطت بعلومهم نفوسٌ مريضة.

أولئك أصحابُ النبيِّ وحزبُــــــه

..........................ولولاهمُ ما كان في الأرض مسلمُ

ولولاهمُ كادت تميدُ بأهلها

.................................ولكنْ رواسيها وأوتادُها همُ

ولولاهمُ كانت ظلاماً بأهلــــــها

..............................ولكـــــنْ همُ فيـــــها بدورُ وأنجمُ


وقد جزاهم الله تعالى بصبرهم رفعةً وسؤدداً؛ وبوّأهم منزلة لا تنبغي لأحد من بعدهم, حتى جعلَ حبّهم ميزاناً للإيمان, وبغضهم علامةً على النفاق.

ومن صَبر صبرهم رضى الله عنهم اجمعين؟

بُعث النبيُ صلى الله عليه وسلم وحيداً فريداً, فآووه ونصروه؛ وصاروا له حصناً منيعاً, إيماناً به وتصديقاً, وحموه من عداء الكفار والمنافقين, وهم يُتَخطّفون ليلَ نهار, ويعالجون مكر الأمم من حولهم, يودُّ أحدهم أن يُنشرَ بالمناشير على أنْ لا يُشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكةٍ تؤذيه.

وكم مسهم من الجوع والابتلاء والضيق في كثير من المواطن؛ حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت, وهم في كلِ يومٍ يزدادون صبراً ويقيناً وثباتاً, تقديماً للآجلة الباقية, على العاجلة الفانية.

لقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم؛ وينادي في المواسم: من يؤويني؛ من ينصرني؛ حتى أبلّغ رسالة ربي وله الجنة؛ فلا يجد أحداً يؤويه أو ينصره؛ حتى إن الرجل ليخرجُ من اليمن فيأتيه قومه ويوصونه ويقولون: احذر غلام قريش لا يفْتِنْك؛ ويمضي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع؛ حتى دخل قومٌ من أهل المدينة في الإسلام, فكان الرجل يخرج إلى النبي r؛ ويرجع إلى أهله فيدعوهم؛ فيسلمون بإسلامه؛ حتى لم تبقَ دارٌ من دور الأنصار إلا وفيها جماعة يظهرون الإسلام.

ثم لما طال الأمر؛ اجتمع أهل المدينة فقالوا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويُخاف؟

فرحل إليه سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم فبايعوه بيعة العقبة, وكان مما بايعهم عليه صلى الله عليه وسلم؛ أن ينصروه إذا قدم عليهم ويحموه مما يحمون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم ولهم الجنة؛ وهذا يعني أنهم يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على حمايته في ديارهم؛ أمّا خارج المدينة فلا يُلزمون بذلك.

فقام أسعد بن زرارة رضى الله عنه -وقد كان أصغر القوم- فقال: رويداً يا قوم ، فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل، إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم، مناوأةٌ للعرب كافة، وقتْل خياركم؛ وأنْ تعضَّكم السيوف، فأمّا أنتم قومٌ تصبرون على ذلك، فخذوه وأجركم على الله، وأمّا أنتم قوم تخافون على أنفسكم خيفة، فذروه؛ وبيّنوا ذلك؛ فهو أعذر لكم عند الله؛ فقالوا أخِّر عنّا يا أسعد؛ فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا.

فقاموا إليه فبايعوه، وأخذ عليهم الشرط، ويعطيهم على ذلك الجنة.

فلما كانت غزوة بدر؛ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد قافلة لقريش, فلما سمعت قريش بذلك؛ خرجت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما أتى النبيَّ خبرُ خروج قريش ليحموا مالهم, استشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه؛ فقام أبو بكر فقال وأحسن, ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن, ثم قام المقداد بن عمرو وقال: يا رسول الله امضِ لما أراك الله فنحن معك, والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إن هاهنا قاعدون, ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرَك الغماد "وهو موضع باليمن" لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علىَّ أيها الناس, وإنما كان يعني الأنصار؛ لأنه أخذ عليهم العهد بحمايته داخل المدينة فتخوَّف أنْ لا ينصروه على عدوِّه لأنه كان خارج المدينة.

فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك, قال له سعد بن معاذرضى الله عنه؛وهو سيد قومه : والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله؟. قال أجل؛ قال: لقد آمنا بك وصدقناك, وشهدنا أن ما جئت به هو الحق؛ وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك, فوالذي بعثك بالحق؛ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك, ما تخلّف منّا رجل واحد, وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غداً, إنا لصُبُرٌ في الحرب, صُدُقٌ في اللّقاء, ولعلّ الله يُريك منّا ما تقر به عينك, فسْر بنا على بركة الله.

فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ ونشَّطه ذلك؛ ثم قال: سيروا وأبشروا, فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, وإليه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم.

ولما جاءت غنائم غزوةِ حنين للنبيِ صلى الله عليه وسلم؛ بدأ بالأموال فقسمها بين قريش وقبائل من العرب؛ تأليفاً لقلوبهم على الإسلام؛ ولم يكن للأنصار منها شئ؛ فوجد الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة, حتى قال قائلهم: لقي والله رسول اللهصلى الله عليه وسلم قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادةرضى الله عنه من الأنصار، فقال: "يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لّما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء؛ فقال: فأين أنتَ من ذلك يا سعد ؟. قال يا رسول الله: ما أنا إلا من قومي، فقال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة؟ فجاء رجالٌ من المهاجرين فتركهم فدخلوا, وجاء آخرون فردهم, فلما اجتمعوا؛ أتى سعد فقال: لقد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار, فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله؛ ثم قال: « يا معشر الأنصار: ما قالةٌ بلغتني عنكم؛ وجِدةٌ قد وجدتموها في أنفسكم, ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله بي, وعالةً فأغناكم الله بي, وأعداءً فألف الله بين قلوبكم, فقالوا: الله ورسوله أمنُّ وأفضل.

ثم قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟. قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسولِه المنُّ والفضل.

فقال صلى الله عليه وسلم: أما واللهِ لو شئتم لقلتم، فلصدَقْتُم ولَصُدِّقتُم: أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك؛ وعائلاً فآسيناك.

أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة من الدنيا؛تألّفْتُ بها قوماً ليُسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟

ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول اللهr إلى رحالكم؟. فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس شِعباً وسلَكَت الأنصارُ شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار؛ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم؛ وقالوا: رضينا برسول الله r قسماً وحظاً».

ولولا أن سخر الله ﻷ لدينه هؤلاء النفر الأخيار؛ لما بقى الدين محفوظاً حتى ظفر بالتمسك به من بعدهم.

كان أحدهم يبذل مهجته وراحته وماله في سبيل الله وهو منشرح الصدر لما ملأ الله قلبه من اليقين والغنى والقناعة.

لما أُسِر خُبيب بن عديِرضى الله عنه؛ أجمع المشركون على قتله؛ وخرجوا به من الحرم إلى التنعيم فصلبوه, فقال له أبو سفيان-وقد كان مشركاً-: أيسرك أن محمداً عندنا يضرب عنقه وإنك في أهلك.

فقال: واللهِ؛ ما يسرني أني في أهلي؛ وأن محمداًr في مكانه الذي هو فيه؛ تصيبُه شوكة تؤذيه؛ فلما أرادو صلبه قال:-

ولســــت أبالي حين أقتل مسلماً

.................................على أي شقٍّ كان في الله مضجعي

وذلك في ذاتِ الإله وإنْ يشــــأْ

......................................يبارِك على أوصالِ شلوٍ مُمُزَّعِ

فلســـت بمبدٍ للعــدوِّ تخشعـــــاً

.....................................ولا جزعا ً إنى إلى اللهِ مَرجِعي



حين يكون المال غالياً عند أهله؛ فقد كان أرخص ما يكون عند صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتراهم يُعطون عطاء من لا يخشى الفقر, ويبذلون بذل الكريم على حاجةٍ وإقلال, حتى ترى الرجل منهم يخرج من ماله وكأنه قد حيزت له الدنيا؛ كل ذلك لِما استيقنوا بأن ما عند الله خيرٌ مما يبذلون, وإنّ ما اُدخِر لهم خيرٌ مما أعطوه.

فلما كانت غزوة تبوك, أراد النبي صلى الله علبه وسلم أن يخرج إليها؛ وقد كانوا في شدة من الأمر؛ في سنةٍ مجدبة وحرٍّ شديد, وعسرٍ من الزاد والمال, فحض النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ على الصدقات؛ فجاء عُمر بنصف ماله, وجاء أبو بكر بماله كله, فقال له رسول الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا؟. قال: أبقيت لهم الله ورسوله, وجهز عثمان ثلث الجيش؛ وجاءرضى الله عنه بألف دينار فصبّها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلّبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم, ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم .

وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد ولد لي في هذه الليلة غلام, وإني سميته باسمك, وإن أمّه ماتت؛ فقال له: بارك الله لك في الهبة وآجرك على المصيبة, ثم دعا بوكيله وقال له: انطلق الساعة فاشتر للمولود جارية تحضنه, وادفع لأبيه مائتي دينار للنفقة على تربيته، ثمّ قال للرجل: عُد إلينا بعد أيام، فإنك جئتنا وفي العيش يبس؛ وفي النفقة قلة؛ فقال الرجل: جعلتُ فداك؛ لو سَبَقْت حاتماً ما ذكرته العرب" .

وكل ذو لب يعلم أنه ما سبق أحدٌ الصحابةَ بِدِينٍ ولا فضل؛ إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ وما من وصفٍ حسنٍ إلا وقد تسنموا لواءه؛ وأخذوا منه بالنصيب الأكبر.

نسأل الله أن يرزقنا حبهم؛ ويجعلنا من المقتدين بأفعالهم,,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته