ساوباولو - واس : تواصلت أمس، أعمال المؤتمر الـ 28 لمسلمي أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي، الذي تقام أعماله في مدينة ساوباولو البرازيلية تحت عنوان: "التطرف وأثره على الأقليات المسلمة".



واستهل المؤتمر أولى جلساته لليوم الثاني، برئاسة مدير مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي في الأرجنتين الدكتور محمد بن سند الحربي، بتقديم ثلاثة بحوث تناولت محور الجلسة (التطرف.. مفهومه ونشأته على مر العصور)، حيث استعرض المشاركون التعريفات اللغوية والشرعية لمصطلح التطرف، مع بيان وسطية الإسلام، وأبرز عقائد المسلمين التي تظهر من خلالها الوسطية مقابل الفكر المتطرف كالإيمان والتكفير والولاء.

كما ركّز المشاركون في الجلسة الأولى، على كشف فكر التطرّف والتعريف به من خلال بيان نوعيّ فكر التطرّف المعاصر، وبيان أطراف وخطورة هذه الأفكار.

وتضمنت الأبحاث التي قدمها المشاركون في الجلسة، استعراضًا لطرق المواجهة المشروعة لفكر التطرّف التي تتلخص في الطرق العلمية، من خلال المسلك العلمي والتعليمي كالكتابة والتأليف البيانية التأصيلية أو الداحضة والرادّة، والتدريس، ومن خلال المسلك الدعوي والتوعوي كالخطابة والمناظرة، والمسلك الاحتسابي النظري، ومنه القلبي الواجب، والقولي المشروع، إضافة إلى الطرق العملية، التي تتضمن محاكمة رواد فكر التطرّف وفق أحكام الشرع، وإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام الشرعية تجاه الفكر وحملته ودعاته، والتعريف ببعض أعمال وأحوال علماء الأمة ودعاتها وقادتها تجاه فكر التطرّف.

وأكد المشاركون على ضرورة حماية فكر شباب الأمة من المؤثرات الفكرية العصرية، وتجديد وسائل التواصل وتطويرها بل وإيجادها إن لم تكن موجودة كالحوار والاستماع للشباب.

عقب ذلك، بدأت الجلسة الثانية للمؤتمر برئاسة مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في البرازيل جهاد حمادة، حيث تناول المشاركون فيها دور الحوار في غرس الوسطية والبعد عن التطرف، وأثر التشدد والتطرف في تفكيك المجتمعات، مؤكدين ضرورة احترام الأديان السماوية والتعامل مع الآخرين بما تمليه الشريعة الإسلامية السمحة البعيدة كل البعد عن الغلو والتطرف والإرهاب.

كما أكد المشاركون في أبحاثهم التي قدموها خلال الجلسة، على ضرورة أن تقوم المؤسسات والمراكز الإسلامية بالمهام المناطة بها، في التعريف بمفهوم الإسلام الصحيح، ونشر الصورة الصادقة الحسنة حول الإسلام والمسلمين، ليواجهوا بذلك كل الاتهامات والادعاءات التي يرمى بها المسلمون في مختلف أنحاء العالم.

وشددوا على ضرورة أن تستغل المؤسسات والمراكز الإسلامية، الإعلام بالشكل السليم الذي يكفل لها تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الإسلام، لا سيما مع انتشار وسائل التواصل المختلفة وصعوبة السيطرة عليها، وانتشار الكثير من المعلومات المغلوطة عن الإسلام، التي تشوّه صورته الصحيحة الحسنة.

واختتم المتحدثون في الجلسة الثانية أبحاثهم، مؤكدين أن الحوار هو السبيل الوحيد، لتعزيز مبادئ الوسطية، وتعريف غير المسلمين بمفهوم الإسلام الصحيح، وتحسين صورة الإسلام والمسلمين لدى المجتمعات غير المسلمة.

إثر ذلك، بدأت أعمال الجلسة الثالثة التي رأسها أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي الدكتور محمد البشاري، وتناول المشاركون فيها دور مناهج التربية الإسلامية في محاربة فكر التطرف.

واستعرضت الأبحاث المقدمة خلال الجلسة، دور المؤسسات التعليمية التي تتحمل مسؤولية كبرى من خلال مناهج التربية الإسلامية التي تقدمها للطلبة والطالبات، مع التأكيد على أن نجاح المؤسسات التعليمية عبر مناهجها مرتبط باختيار أفضل الوسائل والمناهج القائمة على الوسطية، والتركيز على الغايات، وإعداد المناهج المدرسية المناسبة لجميع أبناء الوطن في مراحل التعليم المختلفة.

كما شدد المشاركون على ضرورة أن تقوم المؤسسات التربوية بتنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال، نظرياً وعملياً في نفوس وعقول أبناء الأمة، من خلال بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة الممثلة لحضارة الإسلام فكراً وسلوكاً، ومواجهة الفكر المضاد للتطرف، فكر التعصب والتقليد الأعمى والانغلاق، ليحل محله الاجتهاد والحوار، وإشاعة أدب الاختلاف والحوار.

واختتمت الجلسة الثالثة أعمالها، بالتأكيد على ضرورة التعمق في فهم حقيقة الإسلام في حضاراته المادية والروحية، وعقيدته القائمة على التوحيد، وعباداته المعنية بتهذيب الفرد والجماعة، وإدراك مفاهيم الاعتدال في الإسلام، التي ينبغي التركيز عليها في مناهج التربية الإسلامية في جميع مراحل الدراسية الأساسية والثانوية والجامعية، وهي الكفيلة بإعداد أو تربية وتنشئة المواطن الصالح، المعتدل، البعيد بإذن الله عن التطرف والغلو.

بعد ذلك، بدأت الجلسة الرابعة لمؤتمر ساوباولو الإسلامي، وتناولت دور الجمعيات والمراكز الإسلامية في الحد من انتشار التطرف، برئاسة ممثل دار الفتوى اللبنانية القاضي عبد الرحمن شرقية.

وتناول الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور مسرج بن منيع الروقي، أثر المجامع الفقهية في حل مشكلات العصر ومعالجة نوازله الفكرية، من خلال توضيح حقيقة الشريعة وإبراز عالميتها وشمولها لبناء الفرد ونشر منهج الوسطية ونبذ العنف والإرهاب وفق المنهج الشرعي الذي أوضحه علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم الفقهية وتنوع بلدانهم، مستعرضاً العديد من المحاور والنتائج والتوصيات حول محور الجلسة.

من جانبه، أشار مدير مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي في الأرجنتين الدكتور محمد بن سند الحربي، إلى أن المتمعّن في واقع الأمة اليوم، يلحظ فرقاً شاسعاً في أهدافها واختلافاً كبيراً في منطلقاتها، حيث يرى الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، والإسراف والتقتير، مؤكدًا أن تلك الأمور جعلت أعداء الأمة يرمون الأمة الإسلامية بالتطرف والإرهاب، ويتخذونها ساحة للصراعات والحروب بدعوى محاربة تلك الأفكار والتصرفات الناجمة عنها.

وأكد الدكتور الحربي، على ضرورة التزام جانب الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين، مشيرًا إلى أن ذلك من أهم الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلاد المسلمين، مبيناً أن الوسطية تمثل منطقة الأمان والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد، بخلاف الوسط فهو محمي ومحروس بما حوله.

وشدد مدير مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي في الأرجنتين، على ضرورة أن يقوم بالأنشطة الدعوية في المراكز الإسلامية، دعاةٌ مؤهلين يحملون العلم الشرعي، والأخلاق الإسلامية، ويسعون إلى غرس الآداب، و تعزيز القيم والمبادئ الإسلامية، ومن تلك القيم والمبادئ مبدأ الوسطية، وذلك من خلال التأكيد على وسطية الإسلام، ونبذه للعنف والغلو والتطرف، والتركيز على تسامح الإسلام، وحرصه على التيسير ورفع الحرج في تكاليفه الشرعية، وبث ثقافة الحوار والجدال بالتي هي أحسن امتثالاً للتوجيه الرباني للرسول الكريم في قوله سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، مع ضرورة الحرص على فئة الشباب وتوجيههم وحمايتهم من الأفكار الهدامة، وصيانة عقولهم من الشبهات التي قد تُلقى عليهم، وإشاعة روح التسامح والتعايش بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى.

بدوره، قدّم الاستاذ المساعد بقسم القراءات بجامعة أم القرى الدكتور أحمد بن علي الحريصي، ورقة علمية بعنوان (طريقة القرآن في الإرشاد إلى التوسط والاعتدال وذم التقصير والغلو ومجاوزة الحد)، تناول فيها المجالات التي أرشد القرآن الكريم فيها إلى الوسطية، ومنها مجال العبادة، والإيمان بالرسل، وحقوق العلماء والأولياء، والتعاملات المالية، والصبر والشجاعة، وأداء الحقوق، والاقتصاد في الأكل والشرب واللباس، مؤكدًا أن القرآن كفيلٌ بمعالجة جميع المشكلات الإنسانية في شتى مرافق الحياة الروحية والعقلية والبدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية علاجاً حكيماً؛ لأنه تنزيل الحكيم الحميد سبحانه وتعالى.

عقب ذلك اختتم الأستاذ المشارك في قسم القراءات بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى الدكتور ياسين بن حافظ قاري، الجلسة الرابعة، ببحثٍ بعنوان (الحوار وأثره في نبذ الفرقة والاختلاف)، مبينًا فيه أن الحوار مبدأ إسلامي عظيم، أشار إليه القرآن الكريم، وتمثّل به النبي صلى الله عليه وسلم في واقعه الدعوي، وسبقه في ذلك أنبياء الله ورسله، ومن ثم تبعه الدعاة من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واتبع سبيلهم إلى يومنا هذا، وذلك لما للحوار من عظيم الأثر في النفوس.

وتضمن البحث الذي قدمه الدكتور قاري، العديد من المحاور المهمة، ومنها تعريف الحوار وأهدافه، ومبادئ الحوار المؤدية إلى نبذ الفرقة والتعصّب التي تشمل الإخلاص والعلم والرفق واللين والتواضع.