لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري، ثم الجعفري‏.‏


كان شاعراً من فحول الشراء، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه بنو جعفر، فأسلم وحسن إسلامه‏.‏


أنشدت له عائشة رضي الله عنها قوله‏:‏



ذهب الذين يعاش في أكنافهـم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب



فقالت‏:‏ رحم الله لبيداً، كيف لو أدرك زماننا هذا‏!‏ وهو حديث مسلسل، لولا التطويل لذكرناه‏.‏


وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد‏:‏



ألا كل شيء ما خلا الله باطل ** ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏. ‏‏.‏



ولما أسلم لبيد ترك قول الشعر، فلم يقل غير بيت واحد، وهو قوله‏:‏



ما عاتب المرء الكريم كنفسـه ** والمرء يصلحه القرين الصالح



وقيل‏:‏ بل قال‏:‏



الحمد لله إذ لم يأتنـي أجـلـي ** حتى اكتسيت من الإسلام سربالا



وقيل‏:‏ إن هذا البيت لغيره، وقد ذكرناه‏.‏ وقيل‏:‏ بل قال‏:‏



وكل امرئ يوماً سيعلم سعيه ** إذا كشفت عند الإله المحاصد



وقال أكثر أهل الأخبار‏:‏ لم يقل شعراً منذ أسلم‏.‏


وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام، وكان قد نذر أن لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم‏.‏ ثم إنه نزل الكوفة، وكان المغيرة بن شعبة إذا هبت الصبا يقول‏:‏ أعينوا أبا عقيل على مروءته‏:‏ قيل‏:‏ هبت الصبا يوماً، وهو بالكوفة، ولبيد مقتر مملق، فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان أميراً عليها، فخطب الناس وقال‏:‏ إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل، وما وكد على نفسه، فأعينوا أخاكم، ثم نزل، فبعث إليه بمائة ناقة، وبعث الناس إليه فقضى نذره، وكتب إليه الوليد‏:‏



أرى الجزار يشحذ شفرتـيه ** إذا هبت رياح أبي عقـيل

أغر الوجه أبيض عامـري ** طويل الباع كالسيف الصقيل

وفى ابن الجعفري بحلفتـيه ** على العلات والمال القلـيل

بنحر الكوم إذ سحبت علـيه ** ذيول صباً تجاوب بالأصيل




فلما أتاه الشعر قال لابنته‏:‏ أجيبيه، فقد رأيتيني وما أعيا بجواب شاعر‏.‏ فقالت‏:‏



إذا هبت رياح أبي عـقـيل ** دعونا عند هبتهـا الـولـيدا

أشم الأنف أصيد عبشـمـياً ** أعان على مروءته لـبـيداً

بأمثال الهضاب كأن ركـبـاً ** عليها من بني حام قـعـودا

أبا وهب جزال اللـه خـيراً ** نحرناها وأطعمنا الـثـريدا

فعد إن الكريم لـه مـعـاد ** وظني يا ابن أروى أن تعوداس




ثم عرضت الشعر على أبيها، فقال‏:‏ قد أحسنت، لولا أنك استزدتيه‏!‏ فقالت‏:‏ والله ما استزدته إلا أنه ملك، ولو كان سوقة لم أفعل‏.‏

وكان لبيد بن ربيعة وعلقمة بن علاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم وحسن إسلامهما‏.‏



ومما يستجاد من شعره قوله من قصيدة يرثي أخاه أربد‏:‏



أعاذل، ما يدريك إلا تظـنـينـا ** إذا رحل السفار‏:‏ من هو راجع



أتجزع مما أحث الدهر للـفـتـى ** وأي كريم لم تصـبـه الـقـوارع

لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ** ولا زاجرات الطير ما الله صانـع

وما المرء إلا كالشهـاب وضـوئه ** يحور رماداً بعد ما هـو سـاطـع

وما البر إلا مضمرات من التـقـى ** وما المال إلا مـعـمـرات ودائع




وقال عمر بن الخطاب يوماً للبيد بن ربيعة أنشدني شيئاً من شعرك‏.‏ فقال‏:‏ ما كنت لأقول شعراً بعد أن علمني الله ‏"‏البقرة‏"‏ ‏"‏وآل عمران‏"‏، فزاده عمر في عطائه خمسمائة، وكان ألفين‏.‏ فلما كان في زمن معاوية قال له معاوية‏:‏ هذان الفودان، فما بال العلاوة? يعني بالفودين الألفين، وبالعلاوة الخمسمائة، وأراد أن يحطه إياها فقال‏:‏ أموت الآن وتبقى لك العلاوة والفودان‏!‏ فرق له وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير‏.‏


وقيل‏:‏ إنه لم يدرك خلافة معاوية، وإنما مات بالكوفة في إمارة الوليد بن عقبة عليها في خلافة عثمان‏.‏ وهو أصح‏.‏


ولما مات بعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً، فنحرت عنه‏.‏


روى أن الشعبي قال لعبد الملك بن مروان تعيش ما عاش لبيد بن ربيعة‏.‏ وذلك أنه لما بلغ سبعاً وسبعين سنة أنشأ يقول‏:‏



باتت تشكى إليّ النفس مجهشة ** وقد حملتك سبعاً بعد سبعينـا

فإن تزادي ثلاثاً تبلغي أمـلاً ** وفي الثلاث وفاء للثمانـينـا




عاش حتى بلغ تسعين، فقال‏:‏



كأني وقد جاوزت تسعين حجة ** خلعت بها عن منكبـي ردائياً



ثم عاش حتى بلغ مائة وعشراً فال‏:‏


أليس في مائة قد عاشها رجل ** وفي تكامل عشر بعدها عمر


ثم عاش حتى بلغ مائة وعشرين، فقال‏:‏


ولقد سئمت من الحياة وطولها ** وسؤال هذا الناس كيف لبيد?


وقال مالك بن أنس‏:‏ بلغني أن لبيد بن ربيعة عاش مائة وأربعين سنة‏.‏


وقيل‏:‏ مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة‏.‏

وقيل‏:‏ مات سنة إحدى وأربعين‏.‏ ثم دخل معاوية الكوفة، وتسلم الأمر ونزل بالنخيلة أخرجه الثلاثة‏.‏