تونس - ناجية المالكي (الشروق) : منذ سنوات قليلة برزت ظاهرة جديدة تتمثل في تكفل قاعات الأفراح بإقامة الأعراس وتوفير كل ما يلزم هذه المناسبة حتى اصبحنا نتحدث عن صناعة الزواج في تونس. فما هو رأي التونسي في هذه الظاهرة؟ وما مدى تأثيرها على عاداتنا وتقاليدنا؟



ومضات اشهارية لقاعات أفراح تدعو كل من يرغب في التخلص من أعباء حفلات الزفاف إلى توفير المال لتقوم قاعة الأفراح بتوفير كل ما يلزم من فستان العروس وحلي , وحلويات ومشروبات ومآدب الأعراس والفرقة الموسيقية وحلاقة العروس والعريس و«كسوة» العريس وحتى الحجز لشهر العسل... كل هذه الخدمات هي من مشمولات قاعات الأفراح التي مازال عددها محدودا في تونس لكن توجد منافسة بينها آخذة في التوسع. فما هو رأي التونسي في الصناعة ؟ وهل يقبلها أم يرفضها؟

تسهيل المهمة وربح للوقت
كأية ظاهرة جديدة في المجتمع تحظى صناعة الزواج في تونس بمن يؤيدها ويرى فيها تسهيلا لمهمة إقامة حفلات الزفاف وتخلصا من أعباء كثيرة تتطلب التفرغ والوقت. والشاب عماد قال إنه لا يمانع من أن تقوم قاعة الأفراح بجميع ما يلزم الزواج خاصة وأنه يقطن بشقة صغيرة وسط العاصمة صحبة عائلته وسوف يكون من الصعب على العائلة استقبال المدعوين وإقامة العرس بالشقة. ولذلك يرى في تكفل قاعة الأفراح باتمام مراسم الزفاف الحل الأمثل الذي سيجنبه الكثير من الهرج والقلق.

وتساند روضة عماد في هذا الرأي وتقول من الأفضل بالنسبة لي أن تتكفل قاعة الأفراح باختيار فستان زفافي لأنها بالتأكيد سوف تختار لي أحلى الفساتين وأرقى المودلات وكذلك الشأن بالنسبة لـ«المشطة» التي سوف تكون لدى أمهر المجملين والمجملات. وتتابع لتقول: حسب رأيي من يحلم بإقامة حفل زفاف راق عليه أن يوكل المهمة لمثل هذه الشركات أو قاعات الأفراح التي تعرف انتشارا واسعا في عدد من الدول العربية.

أما سيدة أم لفتيات وفتيان على أبواب الزواج فإنها لا تمانع هذه الفكرة بشرط أن يكون سعرها أقل من 10 آلاف دينار وأن يكون شهر العسل ضمن المصاريف الجملية التي لا تتجاوز المبلغ الذي ذكرته سابقا.



نكهة العرس تضيع
ومثلما يوجد هناك من يساند فكرة تكفل قاعات الأفراح بحفلات الزواج من ألفها إلى يائها. هناك من يعارض مثل هذه الخدمات ويعتبرها بوابة للقضاء على عاداتنا وتقاليدنا العريقة في الاحتفال بالزواج. والقضاء على نكهة «العرس» التونسي الأصيل الذي لا يحلو إلاّ باللمة العائلية وبضبط تفاصيل الزواج من أولها إلى آخرها.

والشاب عصام يرى أن صناعة الزواج في تونس لا يمكن لها النجاح باعتبار أن التكاليف التي تتطلبها اقامة حفلات الزواج من قبل هذه الشركات تكون مرتفعة جدا. وعلق ليقول: التونسي لم يستطع إقامة حفل زفافه على سطح منزله فما بالك بإقامته في قاعات أفراح تصل تكاليفها إلى أكثر من 10 آلاف دينار؟

الشاب حميدة الخزامي أيضا يرفض الفكرة ويقول إن مثل هذه الحفلات تكون مصطنعة وتغيب عنها التلقائية والفرح. ويضيف إذا لم يكن هناك لمّة عائلية وتحضير قبل شهر للزواج وحجز الفرقة و«الحجامة» وغيرها من الطقوس كحمل «العقيرة» و«الجهاز» وإقامة حفل «الوطية» بمنزل العائلة. هذه التفاصيل فيها حفاظ على العادات والتقاليد وحفاظ على نكهة الزواج وتلقائية احتفالاتنا بهذه المناسبة التي تسمى بـ«فرحة العمر».



صناعة للأغنياء فقط
أما السيد الناصر أب لشابين في مرحلة الزواج قال إن تكفل قاعات الأفراح بإقامة الأعراس هي صناعة في صالح الأغنياء فقط. ويضيف: هذه الفئة من المجتمع عادة ما تكون لها طريقة خاصة في حياتهم العادية وكذلك في تنظيم أفراحهم وإقامة حفلات الزفاف. فهم لديهم الإمكانيات المادية الكافية لإقامة حفلات زفاف أبنائهم بهذه الطريقة, أما عامة الشعب فليسوا قادرين على دفع تكاليف الزفاف المقدرة بـ10 آلاف دينار فما فوق. ويتابع ليقول: قمت بتزويج ابني ولم تصل تكاليف الزواج إلى 4 آلاف دينار. والشيء نفسه عبرت عنه السيد روضة وقالت إن صناعة الزواج مربحة لكنها ليست في خدمة عامة الشعب فهي مخصصة للأغنياء فقط.

الشاب بلحسن ودادي هو أيضا ضد فكرة تكفل قاعات الأفراح بحفلات الزفاف ويرى أن هذه الطريقة تفقد نكهة العرس التونسي الأصيل وتقضي على عاداتنا المجتمعية المتعلقة بالزواج.

شركات الزواج تجارة مربحة على حساب العادات والتقاليد
يرى الأستاذ طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع أنه مع المضي قدما في سياسة التحديث في تونس تغيرت مقاييس وإجراءات وأشكال اختيار القرين. فبعد سيادة زواج الأقارب لمدة قرون، والذي كان يؤمن اختيارا واضحا وآمنا وسهلا ومقبولا للقرين، ساد بصفة تدريجية بعد الاستقلال الزواج المختلط الذي يعتمد على معايير الذوق والاختيار الشخصي ومفردات التكافؤ الاجتماعي والعلمي والاقتصادي وبالتالي تعقدت مسألة الزواج وأصبحت تمثل مشكلا حقيقيا للبعض من النساء والرجال نظرا لأن الحياة بدورها أصبحت أكثر تعقيدا. حياة عصرية تتسم بإيقاعها السريع وبالحراك الاجتماعي والجغرافي للنساء والرجال نتيجة ارتفاع نسبة التمدرس وتضاعف إمكانيات النفاذ إلى سوق الشغل وتراجع لمكانة الزواج التقليدية في مسار الحياة مما أفرز طرقا جديدة للبحث عن قرين وتنظيم حفلات الزواج .فبعد وقفة الأقارب والأصدقاء والجيران لإتمام مراسم الزواج حلت شركات لتقوم بهذه المهمة بمقابل.

تغير الزواج من مفهوم الرابطة إلى مفهوم المؤسسة
من وجهة نظر دينية وإنسانية يعتبر الزواج رابطة بشرية فيها نوع من القداسة، وفي المجتمعات التقليدية كان يعتبر من أهم المشاريع في الحياة. لكن اليوم، وفي مجتمع يعيش على إيقاع العصر وتراجع قيم القرابة والقيم التقليدية الجامعة بين الناس وطغيان قيم الفردية والفردانية، أصبح الزواج مجرد محطة في الحياة. وتحوّلنا من مفهوم الزواج كرابطة إلى مفهوم الزواج كمؤسسة وكعقد اجتماعي وقانوني يبحث فيه عن أكبر عدد من الضمانات وأصبح التركيز على العقد أكثر من التركيز على الشخص الذين سوف نقترن به. هذه الرؤية الجديدة تتطلب وسيطا جديدا أخذ شكل شركات خدمات بمقابل تسهل هذه العملية بأكثر ضمانات ممكنة وتنظيم محكم.

خدمة اجتماعية جديدة
مع تطور الحياة وسرعة إيقاعها لم يعد من الضروري أن ينشغل العروسان بالتحضيرات والتفاصيل الضرورية بما في ذلك من إهدار للوقت والجهد والطاقة ظهرت هذه الشركات كضرورة اجتماعية تفرضها الظروف والمتغيرات بعد تراجع دور القرابة والصداقة والجيرة. في مواجهة هذا المأزق يلتجئ البعض إلى هذه الشركات.

ريبورتاج ناجية المالكي - صور طارق سلتان