أبوظبي (رويترز) - تتفق الرؤى الدينية المتشددة في فيلم المخرج الألماني ديتريتش بروجمان (دروب الصليب) وفيلم الموريتاني عبد الرحمن سيساكو (تمبكتو) من حيث ضيق الأفق وتراجع مساحة التسامح الإنساني فضلا عن تحريم الموسيقى ولو كانت في مدرسة لضبط إيقاع التمارين الرياضية أو في بيت يعزف فيه أصدقاء ويغنون.



وعلى الرغم من تباعد الجغرافيا التي تدور فيها أحداث الفيلمين فإن للتشدد أرضا واحدة يقف فيها من يظن نفسه امتلك الحقيقة المطلقة وينظر للآخرين باستعلاء باعتبارهم غير مؤمنين تماما بما يتصور أنه صحيح الدين.. المسيحي في الفيلم الأول والإسلامي في الفيلم الثاني.

ويتنافس (تمبكتو) في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان أبوظبي السينمائي أما (دروب الصليب) فيتنافس على جوائز مسابقة (آفاق جديدة) المخصصة للعمل الأول للمخرج.

ونال (دروب الصليب) جائزة أفضل سيناريو في مهرجان برلين 2014 أما (تمبكتو) فيتنافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي والتي تمنحها أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بالولايات المتحدة (الأوسكار) في دورتها القادمة.



و(دروب الصليب) الذي كتبه بروجمان وشقيقته آنا بروجمان طوله 107 دقائق ويضم 14 دربا أو محطة تمر بها بطلة الفيلم وهي تلميذة صغيرة لا تدل ملامحها البريئة على أنها تحمل هذا القدر من التشدد الذي يجعلها تعتزل زملاءها في المدرسة ولا تشارك في حصة الرياضة البدنية بحجة وجود موسيقى "وهي من عمل الشيطان" حتى لو اقتصرت على ضبط إيقاع الحركة.

وباستثناء الموسيقى في مشاهد حصة الرياضة البدنية يخلو الفيلم من الموسيقى ولا تتحرك الكاميرا التي تثبت في المشاهد الأربعة عشر ويتحاور أبطال الفيلم داخل الكادر الثابت.

ولكن الحوار المكتوب بحرفية عالية يأسر المشاهد الذي يظل مشدودا إلى الدراما منذ المشهد الأول وطوله يزيد على 20 دقيقة وفيه يتولى رجل دين تعليم الأطفال كيفية الاقتداء بما يراه تعاليم السيد المسيح عن الخلاص والفضيلة والمعصية.

ولم يكن رجل الدين تقليديا متجهما بل شابا وسيما قوي الحجة قادرا على الإقناع فلا تملك التلميذة إلا الاستجابة لتعاليمه. وفي المنزل كانت الأم أكثر تشددا إذ تحيط ابنتها المراهقة بصرامة التزمت وتحذرها الوقوع في الضلالات ومنها الموسيقى.



وتعتبر بطلة الفيلم المراهقة نفسها في مهمة دينية لا تقل عن مهمة المسيح فتعيش حياتها حذرة من "الشهوات" التي لم تفكر فيها ولكنها تواصل الاعتراف والقسوة على النفس وعلى الآخرين الى ان تموت في نهاية الفيلم.

ولكن المتشددين في فيلم سيساكو (تمبكتو) لا يموتون بل يصنعون الموت لغيرهم ولو بالشبهات فيرجمون من ظنوا أنهم ارتكبوا الزنا ويقيمون ما يرونه حدودا ويستحلون لأنفسهم اقتحام المنازل واقتحام المسجد بالأحذية لأنهم "مجاهدون في سبيل الله" كما يقول كبيرهم ردا على استنكار شيخ المسجد لسلوك الذين سيطروا على (تمبكتو).

والفيلم الذي كتبه سيساكو وكيسن تال يستعرض طوال 100 دقيقة كيف لا يرى المتشددون في الدين إلا المنع فيحرمون السجائر وكرة القدم والموسيقى والغناء كما يفرضون على النساء الحجاب ولبس القفاز ولو كانت بائعة سمك يمنعها القفاز عن ممارسة مهام عملها.

كان الأهالي يتغلبون على الطبيعة الصحراوية القاسية في (تمبكتو) بالغناء والموسيقى ومتع الحياة البسيطة ولكن سيطرة المتشددين عليها جعلت كثيرين يفرون وبقي المغلوبون على أمرهم.

ويحمل الفيلم الأوجاع الإنسانية لبسطاء مسالمين يعيشون في هذه البقعة وسط إفريقيا وكيف تتحول حياتهم إلى جحيم باسم الدين الذي يقدمه الفيلم بريئا من سلوك المتشددين الذين يحاسبون الناس على نياتهم ولا يعرفون الرحمة.

وستعلن نتائج الدورة الثامنة لمهرجان أبوظبي السينمائي التي يشارك فيها 197 فيلما من 61 دولة يوم الجمعة في حفل الختام.