بيروت - كارولين عاكوم (الشرق الأوسط) : لبى أهالي العسكريين اللبنانين الذين تحتجزهم جماعات سورية متشددة، منذ اقتحامها بلدة عرسال الحدودية مطلع الشهر، النداء، الذي وجهه أبناؤهم في شريط بثه الخاطفون، بالاعتصام وقطع الطرقات، مطالبين الدولة اللبنانية العمل للإفراج عنهم.


أقارب الجندي اللبناني علي السيد الذي قطعت {داعش} رأسه (رويترز)

وعلى الرغم من وعود المسؤولين اللبنانيين بأن القضية لم ولن تترك، فإن الوقائع لا تعكس على الأرض أي بوادر إيجابية وفق كل المؤشرات المتوافرة لغاية الآن، لا سيما في ظل الانقسام في المواقف لجهة القبول أو الرفض بالتفاوض مع المسلحين.

قال إنهم يخاطرون بمصير مليون ونصف المليون نازح


وفي هذا الإطار، قال وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، إن «هناك أكثر من جهة تعمل لمعالجة مسألة المخطوفين»، مشيرا إلى أن «خاطفي العسكريين يعرّضون وجود مليون ونصف مليون سوري في لبنان للخطر بسبب تصرفاتهم وتهديداتهم»، ووصف المشنوق عبر حسابه على «تويتر» عرسال بأنها «منطقة اشتباك دائم تحتاج لقرارات سياسية كبيرة تتعلق بوجود النازحين وكيفية التعامل مع الوضع العسكري، ويجب معالجة الخطر القائم فيه»، مؤكدا أن «الوزارة لن تبقى من المتفرجين على تعرض أي عسكري أو مواطن لبناني للقتل أو الذبح».

ويأتي ذلك في موازاة التوتر الذي يعيشه لبنان بشكل عام ومنطقة البقاع، وتحديدا عرسال، خوفا من انفجار الوضع الأمني مجددا في أي لحظة في هذه المنطقة التي ينتشر على حدودها في منطقة الجرود، شرق لبنان وفي جبال القلمون السورية، آلاف المسلحين من مجموعات متشددة ولا سيما «جبهة النصرة»، و«داعش». وسُجّل أمس تحليق كثيف وقصف للطيران الحربي السوري فوق جرود عرسال، استهدف مواقع المسلحين على طول الحدود الشرقية، وفق ما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام».

وفي السياق نفسه، قال مصدر ميداني لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوضع قاب قوسين من الانفجار، لا سيما أنه ليس هناك أي قرار سياسي بالحسم لغاية الآن، وهو الأمر الذي يضعنا أمام احتمالات خطرة»، ولفت المصدر إلى أن «المشكلة تكمن في عرسال في عدد النازحين الكبير الذين باتوا في معظمهم مناوئين للجيش وعناصره، والأمر نفسه لا يختلف كثيرا بالنسبة إلى أهالي المنطقة، باستثناء العائلات التي لديها أبناء متطوعين في الجيش اللبناني»، وأضاف «رصدنا في مرات عدة عمليات مراقبة تجرى ليلا من مخيمات النازحين، لمواقع الجيش اللبناني»، مشيرا إلى أن «الكمين الذي تعرضت له دورية في اللواء الثامن، أول من أمس، وأدت إلى إعادة التوتر إلى المنطقة، كان بين منفذيه شخصان من أبناء عرسال».



وكان 9 من العسكريين المختطفين قد ظهروا في مقطع فيديو، ليل أول من أمس، يطلبون من السلطات تلبية مطالب الخاطفين وتأمين إطلاق سراحهم، وظهر الجنود في الفيديو وهم يناشدون أسرهم وأقاربهم سدّ الطرق الرئيسة في لبنان للضغط على السلطات للإفراج عن مسلحين مسجونين في سجن الرومية مقابل إطلاق سراحهم، ويقول أحد الجنود المحتجزين في الفيديو إنه في حال عدم تلبية المطلب «سوف يذبحونا خلال 3 أيام». وشملت تحركات الأهالي، أمس، مناطق لبنانية عدة؛ إذ قطعوا طريق عام طرابلس – عكار، شمالا، عند نقطة المحمرة، والطريق الدولية في ساحة بلدة اللبوة في البقاع الشمالي، وطريق رياق - بعلبك الدولية.

وجاءت هذه التحركات، بعد تداول صور على مواقع التواصل الاجتماعي للعسكري اللبناني المختطف لدى «داعش»، الرقيب علي السيد، ابن بلدة فنيدق في الشمال، والتي تبين عملية ذبحه، ومن ثم، يوم أمس، فيديو يظهر عملية الذبح، وهو ما نتج عنه حالة غضب واستياء من أهالي المخطوفين.

وبينما لم تؤكد قيادة الجيش أو السلطات اللبنانية صحة الخبر أو عدمه، بات الجميع، وبما فيهم أهالي السيد، على قناعة بأن الضحية هو ابنهم، مع العلم أن العسكريين المختطفين، يتوزعون بين «جبهة النصرة» و«داعش»، وتطالب الأولى التي تحتجز 18 عنصرا بانسحاب حزب الله من المشاركة في القتال بسوريا، بينما يطالب «فجر الإسلام» التابع لـ«داعش» الذي يحتجز 11 عسكريا، بإطلاق سراح موقوفين إسلاميين في سجن رومية.

وأشار أحد أقرباء عناصر الأمن الداخلي، المخطوفين، إلى أن اللجنة التي شكلت قبل يومين من مشايخ من عرسال وسوريين، توجهت، أمس، إلى الجرود؛ حيث من المتوقع أن يعملوا للتفاوض مع الخاطفين من «داعش»، لافتا إلى أنهم حصلوا على تطمينات تفيد بأن المخطوفين من الأمن الداخلي، جميعهم بخير، ولا خوف عليهم، لا سيما المحتجزون لدى «جبهة النصرة»، بينما الخوف بشكل خاص، هو على العسكريين الموجودين لدى «داعش» بعد تهديده بإعدامهم إذا لم تستجب الدولة اللبنانية لمطالبه، وبعد صور الجندي علي السيد التي أثارت الخوف والرعب في صفوف المسؤولين والأهالي على حد سواء.

وبينما أبدت هيئة العلماء المسلمين استعدادها للعودة، عندما تجد الفرصة المناسبة، إلى المساعي التي كانت قد بدأتها عند اعتقال العسكريين، وأدت إلى إطلاق سراح 6 منهم، قبل أن تعلن انسحابها، أشار رئيس جمعية «لايف»، نبيل الحلبي، الذي عمل في بداية الأمر مع الهيئة في هذه القضية، إلى أنه لغاية الآن لا بوادر إيجابية تشير إلى انفراج قريب في هذه القضية، وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه يتواصل بشكل غير مباشر مع الخاطفين عبر «الجيش الحر» وناشطين سوريين، والمعلومات تؤكد أن المخطوفين بخير، من دون أن يستبعد أن ينفذ «داعش» تهديده بتصفية العسكريين إذا لم تنفذ مطالبه.

وكشف الحلبي أنه بصدد العمل على مفاوضات مع «داعش» لإطلاق سراح اثنين من العسكريين، بجهود خاصة، تنفيذا لطلب عائلتيهما، لافتا إلى أن «أحدهما يعاني من مشكلات صحية»، لافتا إلى أن انسحابه من المفاوضات في المرحلة السابقة، جاء على خلفية مقتل فتى سوري لاجئ في مستشفى الأمل في بعلبك، في ظروف غامضة، وهو الأمر الذي حصل قبل يومين، في غياب أي تحقيق في هذا النوع من الحوادث التي تتكرر.