دويتشه ﭭيله : تفتقت موهبة بعض الشباب العربي من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف أيضاً بـ"داعش"، عن طريق السخرية، منتقدة التطرف الديني والفكر التكفيري بالنكتة.



في الوقت الذي بات فيه مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي، المعروف أيضاً بـ"داعش" يتوسعون في العراق وسوريا، متسلحين بالدم والمال المسروق والأفكار التكفيرية، بات التنظيم يلقى سخرية غير مسبوقة من قبل الشباب العربي على شبكات التواصل الاجتماعي، امتدت أيضاً إلى موقع "يوتيوب" لمقاطع الفيديو. هذه السخرية ركزت بالأساس على التطرف الديني.

من الطرق التي وظفها الشباب العربي لانتقاد "داعش" صفحة على موقع "فيسبوك" حملت اسم "فتاوى داعش"، وهي صفحة تضمنت مجموعة من الفتاوى الدينية المبالغ بها لإثارة الضحك، من قبيل: "يحق للمرأة أن تتنفس إذا شعرت بالاختناق" و"سيقوم الإخوة المجاهدون بقطع رؤوس جميع الأطباء، فلا حاجة لنا بهم، لأن الأعمار بيد الله"، وغيرها...

ولا يقتصر هذا النوع من السخرية على الكتابة، بل تعداه إلى نشر مقاطع فيديو تحتوي على أغاني ورقصات هدفها السخرية من "داعش" وإضحاك المتلقي، مثل فيديو منشور على موقع "يوتيوب" بعنوان "اضحك على فرقة داعش الموسيقية"، أو "أغنية دعشاوي كاملة" أو "مدد مدد .. فرقة الراحل الكبير تسخر من إرهاب داعش بأغنية".

ويبدو أن هذا النوع من السخرية من تنظيم داعش قد لاقى نجاحاً كبيراً، خصوصاً مقاطع الفيديو المنشورة على موقع "يوتيوب"، إذ حقق الفيديو المعنون بـ"فايف جي 2013 - داعش روتانا خليجية" من فلسطين، نحو 115 ألف مشاهدة في ظرف شهر واحد. كما حقق فيديو "اضحك على فرقة داعش الموسيقية" من لبنان أكثر من 184 ألف مشاهدة. أما "أغنية دعشاوي كاملة" من العراق، فقد حققت ما يصل إلى 231 ألف مشاهدة.

"نحارب التطرف بالسخرية"
إسرافيل المغربي أحد الشباب الذين اختاروا السخرية طريقاً لانتقاد التطرف الديني في فكر "داعش"، والوسيلة عنده نشرُ النصوص ورسوم الكاريكاتير الرقمية على صفحته الخاصة في موقع "فيسبوك". ويقول إسرافيل في لـDW عربية: "السخرية هي أرقى أشكال النقد، خاصة إن كان الهدف منها هو تفكيك وتعرية فكر أو جماعة أو توجه أو أيديولوجيا، والسخرية من داعش تأتي في هذا السياق، باعتبار المنتمين لهذا التنظيم تصدر عنهم أفعال وتصورات خطيرة وأحياناً مضحكة".


صفحة "فتاوى داعشية" على موقع "فيسبوك" إحدى الصفحات التي تسخر من فكر تنظيم "الدولة الإسلامية"

ويضيف إسرافيل: "إن التصدي لفكر داعش لا ينبغي حصره في العمل العسكري، بل يجب مجابهته بالفكر المضاد والنقد والسخرية، وهي وسائل يمكن أن تعري الأفكار المحنطة والتصورات البائدة التي يسعى معتنقو الفكر الجهادي إلى فرضها على الجميع".

"وحشية لا تستوعب الرد الجدي"
وفي ذات السياق، يفسر نصري عصمت، صحفي مصري وخبير في تطوير الإعلام الإلكتروني، استعمال مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الشباب لترويج السخرية مما سموه فكراً "متطرفاً" بـ"وعي هؤلاء الشباب بخطورة التطرف الشديد لداعش، وانفصالها عن الواقع وعن الحياة الحديثة التي يعيشها الشاب العربي اليوم، حتى في أكثر البلدان العربية بؤساً".

ويستطرد عصمت، في حديث مع DW عربية، بالقول: "وباعتبار الشباب هم الفئة الأكثر استهلاكاً للإنترنت، فهذا أمر يخوّلهم بأن يكونوا الفئة الأكثر استخداماً للسخرية من داعش. إن هذه المجموعة ترتكب جرائم جنونية، إذ لا مجال للنقاش والرد الجدي وتقديم الحجج، وتبقى السخرية من شذوذ هذا الفكر هي الحل".


يرى الصحفي المصري نصري عصمت أن السخرية بديل عن
محاججة "داعش" بشكل منطقي، لأنها لا تقبل النقد (أرشيف)


خلط بين السخرية والحقيقة...
أما شامة درشول، المحاضرة في موضوع الإعلام الاجتماعي من أجل التغيير، فترى أن هؤلاء الشباب يختارون هذا المحتوى الساخر لأنه "أكثر محتوى يشهد انتشاراً وتفاعلاً. وما يزيد من تفاعل الناس معه وضعه في صيغة صورة يتم التلاعب بها رقمياً وتضمينها تعليقاً ساخراً بما يشبه الكاريكاتير، إلا أنه كاريكاتير رقمي مباشر في معناه وصادم ومستفز، كما أنه أقل عمقاً من الكاريكاتير الذي تعودنا عليه في الصحف".

وترى درشول أن استعمال الشباب لمواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر هذا المحتوى الساخر "راجع إلى تحول هذه المواقع إلى منصات بديلة يجد فيها المواطن في العالم العربي منبراً يدلي فيه بآرائه بأي طريقة يريد، وهو وضع جعله يتفاعل مع أي حدث يطرأ في مجتمعه بطرق مختلفة تتفاوت بين الجد والهزل. والتفاعل مع مسألة "داعش" لا يخرج عن هذا النطاق".

وقد ينتج عن مثل هذه السخرية، حسب شامة، "خلط بين الأخبار الحقيقية والمحتويات الساخرة، ففيسبوك وتويتر ليسا فقط منصتين للترفيه، بل منبرين إعلاميين حقيقيين ومصدرين للمعلومة. واستعداد المواطن لتصديق مثل هذه الأشياء هو أكبر تحدّ يهدد الدور الإعلامي للشبكات الاجتماعية".