غزوان الحسن (سبق) - الرياض: صَدَمَت حوادث القتل التي وقعت أخيراً في شهر رمضان، وجدان المجتمع السعودي، كواحدة من أبشع أنواع جرائم القتل، وهي قتل الأبناء لوالديهم، التي هزت كل أركان الوطن.. جريمتا "ينبع" و"طريب" ناقوس خطر، وبعيدتان كل البعد عن الدين والعادات، والتقاليد التي تربى عليها أبناء المجتمع.
-
الزهراني :
عدم الإحساس بالارتباط الأسري يُعطي الشخص حرية الانحراف والإقدام على القتل
-
الشيمي :
60% من أحداث العنف والقتل في المجتمع العربي عائلية
-
التميمي :
متوسط الأحكام التي يُحكم بها على القاتل تتوقف على ظروف القضية
-
الزبيدي :
عقوق الوالدين سبب من أسباب الحرمان من الجنة والطرد من رحمة الله
كان شاب ثلاثيني قد أقدم على قتل والدته، بإطلاق الرصاص عليها بمحافظة طريب بمنطقة عسير. كما قام شاب في ينبع بقتل والده (64 سنة) ومن ثم إشعال النار به؛ لإخفاء الجريمة، بعد ضربه على رأسه بسبب خلاف نشب بين الشاب ووالده على عدة أمور؛ أهمها رغبته في الحصول على المال للسفر والدراسة بالخارج.
شاب يُطلق الرصاص على والدته وابن يقتل أباه ويُحرق جثته
وناقشت "سبق" عدداً من المتخصصين في علم الجريمة عن أسباب حدوث مثل تلك الجرائم التي لا تتعدى أن تكون مجرد حالات فردية أخذت بالظهور أخيراً.
سلوك مخالف
قال الباحث المتخصص في علم الجريمة الدكتور
فهد بن علي الزهراني: "إن الجريمة هي السلوك المخالف للجماعة.. وعلماء الاجتماع يرون الجريمة تشمل جميع الأفعال المرفوضة اجتماعياً، وهي مشكلة اجتماعية لها تاريخ قديم، والمجرم هو كل شخص يفعل أو يمتنع عن فعل ما، ويتعارض فعله أو امتناعه مع القيم والمصالح الاجتماعية، ويصدر حكم بإدانته؛ فالقتل جريمة محرمة في كل الأديان، مجرّمة في كل المجتمعات البشرية، وهي أول جريمة منذ فجر الإنسانية عندما قتل هابيل أخاه قابيل، ومن ذلك الحين لم تفلح الجهود الإنسانية في القضاء عليها".
وأضاف "
الزهراني" أن دوافع ارتكاب جريمة القتل هي خلل في عقل القاتل؛ إما بتعاطيه المسكر والمخدرات أو بوجود خلل وظيفي للمخ (المجنون)، وليس على المجنون حرج.
وهناك أشياء عدة دفعت إلى ارتكاب السلوكيات المنحرفة والإقدام على الجريمة في غياب الوعي والإدراك للفعل الشنيع؛ مما أنتج عندنا مجرماً قاتلاً أو ما يسمى بالشخصية المضطربة؛ وذلك نتيجة للعلاقات المضطربة مع الوالدين، وكذلك الإحباط الذي يتولد نتيجة هذه العلاقات الأسرية المضطربة عند الشباب، والتغير الحاصل في المجتمع، وتسابق التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، واختلاف الدور الاجتماعي والتربوي في تنشئة الأبناء، وخلل في وسائل الضبط الرسمية وغير الرسمية.
وأشار "
الزهراني" إلى أن عقوق الوالدين في الأصل نتج عنه عنف أسري تجاه أبويه، وعدم تقبل النصح من الوالدين، وعدم وجود الإحساس بالارتباط مع أسرته وخاصة الناس المهمين في حياة الفرد، وبالتالي فإن عدم الارتباط يعطي الشخص حرية الانحراف والإقدام على القتل؛ أي يعني فقدان الشخص السيطرة على مشاعره وأحاسيسه وضعفها؛ مما يمهد الطريق أمام ارتكاب الجريمة والانحراف؛ فيحدث الصراع مع الوالدين في غياب الوازع الديني والتربوي والاجتماعي، وهو صراع نفسي اجتماعي في شخصية الابن العاق، قال تعالى {وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً}.
وبيّن دكتور علم الجريمة، أن الكثير من الأبناء أصبحوا آلات جامدة ليس لديهم مشاعر رحمة وشفقة تجاه والديهم، وهم أقرب الناس إليهم، وهذا الجحود بسبب قلة إلايمان بالله. ومهما تعددت الأعذار والأسباب؛ فلن تغني تلك المبررات عن بِر الوالدين شيئاً أمام الله سبحانه وتعالى.
وختم حديثه مبيناً أن هذه الجرائم تراكمية في نفس القاتل؛ لعدم وجود كبح المشاعر السلبية تجاه والده، وهي جرائم يسهل الكشف عنه بعد حدوثها؛ من خلال العلاقات المتوترة بين أفراد الأسرة ومع الوالدين.
غير سوي
أوضح الدكتور الأخصائي النفسي بعلم الجريمة "أحمد الشيمي" لـ"سبق"، أن أحدث الدراسات تشير إلى أن60% من أحداث العنف والقتل في المجتمع العربي كانت عائلية؛ أي أن القاتل والمقتول من نفس العائلة.
وأردف: "إن القتل في مثل هذه الحالات يضعنا أمام ما يسمى بالوضع النفسي غير السوي؛ بالمعنى النفسي والاجتماعي والإنساني؛ لأن الإنسان مفطور على رعاية وحب والديه وحمايتهما، وحين يصبح هو نفسه سبب هلاكهما وقتلهما يكون غير سوي".
وبيّن أن القاتل في مثل هذه الحالات قد يكون مصاباً بالفصام والاضطراب الضلالي، أو قد يكون يتعاطى المخدرات عموماً والحشيش خصوصاً؛ لأن المخدر يؤثر على اللا وعي، ويُشَوّه الإدراك، ويُحدث هذا النوع من القتل؛ حيث يصاب القاتل باكتئاب شديد، ويكون الاكتئاب مصحوباً بضلالات وهمية لا تتعدل بالإقناع والمناقشة، وأن الحياة بائسة ويائسة، ومن الأفضل أن نغادرها، ويقتل الأب أو الأم أو حتى الابن، ويفكر في الانتحار، وقد تفرغ الطاقة العدوانية في حالة القتل هذه؛ فيبقى هو على قيد الحياة.
وأشار "
الشيمي" إلى أن هناك حالات تكون نتيجة ضعف علاقة الأسرة بين بعضها، أو نتيجة تغيّب الأب أو سفره، أو تغيب الأم، وعند حدوث أي مشكلة كبيرة في الأسرة تؤدي للقتل نتيجة لضعف الحب بين أفراد الأسرة.
وخَتَم حديثه مؤكداً على الحاجة الملحة إلى تقوية الوازع الديني لدى جميع فئات المجتمع، من خلال الندوات والمحاضرات الدعوية التي تتحدث عن بشاعة الأمر، وكذلك الانتباه من الفئات الهشة في المجتمع، التي تعاني ظروفاً استثنائية من الناحية النفسية والمادية.
ظرف القضية
قال الدكتور المحامي "سامي التميمي" لـ"سبق": "تصنيف هذه الجرائم تحت كونها جرائم قتل تخضع لشروط وضوابط تطبيق عقوبة القتل في شريعتنا السمحاء من حيث توافر أسباب ارتكاب الجريمة واكتمال أركانها، مثلها مثل أي جريمة قتل عادية؛ ولكن بعض العلماء المعاصرين يرون أنه يجب ألا يشمل هذه الجريمة أي عفو من أي نوع عن القاتل".
وعن متوسط الأحكام التي يُحكم بها على القاتل أجاب "التميمي": "هذه تتوقف على توافر ظروف معينة لكل قضية؛ سواء ظروف مخففة للعقوبة أو ظروف مشددة لها، ومثال الظروف المخففة: أن يكون القاتل مريضاً نفسياً، أو واقعاً تحت تأثير ضغط عصبي يُفقده توازنه، أو كان في حالة دفاع شرعي عن النفس، وما شابه ذلك من الظروف المخففة المصاحبة لارتكاب الجريمة. والظروف المشددة مثل القتل غيلة مثلاً وغيرها من الحالات التي يصاحب ارتكاب الجريمة فيها ظرف يستوجب تشديد العقوبة وتغليظها".
وأضاف "التميمي": "إن هذه النوعيات من الجرائم يجب الوقوف عندها طويلاً؛ لأنها من أبشع الجرائم التي تُرتكب في أي مجتمع؛ فإقدام الابن على قتل أحد والديه سواء الأب أو الأم أو حتى معاملتهما معاملة سيئة، فيه مخالفة لشريعتنا الغراء، ولما أمرنا به سبحانه وتعالى من حسن معاملتهما ومصاحبتهما بالمعروف وحسن معاملتهما، والآيات والأحاديث التي تحثّ على ذلك كثيرة ولا تخفى على أحد".
ولكن مع الأسف الشديد البُعد عن تعاليم ديننا وما استجد في مجتمعاتنا من انتشار للمخدرات وتفشي الكثير من العادات والتقاليد التي ليست من ديننا في شيء والتي تبثها وسائل الإعلام والوسائل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، كان لها أثر عظيم وكبير في مثل هذه الجرائم.
ونوّه إلى أنه يجب على الوالدين احتواء أبنائهم وعدم استخدام العنف في التعامل معهم؛ لأن العنف قد يعتبره الأبناء عداء لهم ويدفعهم إلى الانتقام من الآباء.
وأكد على أهمية توعية الأبناء بحقوق آبائهم عن طريق المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، إضافة إلى محافظة الوالدين على آلية دينية وشرعية صحيحة للتربية.
أكبر الكبائر
قال عضو الجمعية العلمية السعودية للعقيدة إمام وخطيب جامع سهل بن سعد بالرياض الشيخ الدكتور إبراهيم محمد الزبيدي لـ"سبق": "إن العقوق من أكـبر الكبائر، جاء في الصحيحيىن من حديث أبي بكرة أن النبي قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور (أو قول الزور) -وكان متكئاً فجلس- فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت"، ويبلغ العقوق الأسـود ذروته حينما يقتل الولد أمه، أو يقتل أباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وأضاف "الزبيدي": "هناك من الأولاد من ينسى سريعاً هذا الحب والعطاء والحنان والرعاية، ويندفع في جحود وعصيان ونكران، ليسيء إلى الوالدين بلا أدنى شفقة أو رحمة أو إحسان، وتتوارى كل كلمات اللغة على خجل واستحياء؛ بل وبكاء وعويل حينما تكتمل فصول المأساة، وفي الصحيحيىن من حديث عبدالله بن عمـرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: "إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه؛ فقال الصحابة: وهل يشتم الرجل والديه؟ فقال المصطفى: نعم، يسب الرجل أبا الرجل؛ فيسب أباه، ويسب أمه؛ فيسب أمه".
وأوضح "الزبيدي" أن العقوق سبب من أسباب الحرمان من الجنـة والطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء؛ ففى الحديث الذي رواه النسائي والبزار بسند جيد وحسنه الألباني، ورواه الحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين من حديث عمر أن النـبي قال: "ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة. قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجلة والديوث". وأن الله جل وعـلا قد قَرَن بِر الوالدين والإحسان إليهما بتوحيده، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}.
واستطرد قائلاً: "إن العقوق ديْن لا بد من قضائه في الدنيا قبل الآخـرة؛ فكما تدين تدان؛ فإن بذلت البر لوالديك سخّر الله أبناءك لـبرك، وإن عققت والديك سلّط الله أبناءك لعقوقك، ستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخـرة؛ ففي الحديث الذي رواه الطـبراني والبخاري في التاريخ، وصححه الألباني من حديث أبي بكرة، أن النبي قال: "اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالد".
وختم "الزبيدي" حديثه قائلاً: "قد يكون أحد أسباب العقوق أن يكون الشخص عاقاً لوالديه وسوء التربية وقرناء السوء، ومن أعظمها المخدرات".
مواقع النشر