عبد الواحد أولاد ملود (المساء) حينما نتحدث عن مفهوم التنمية، والتنمية المحلية بالخصوص، تثير انتباهنا مجموعة من الخصوصيات، تختلف من منطقة إلى أخرى حسب إمكانياتها واحتياجاتها؛ فهناك مناطق تفتقر إلى الموارد الطبيعية، ومع ذلك نرى مسؤوليها يسعون بما توفر لهم من إمكانيات إلى النهوض بها على هدي من مفهوم الحكامة المحلية؛ في حين نجد مناطق لديها وفرة على مستوى الموارد الطبيعية والمؤهلات، سواء كانت سياحية أو اقتصادية، لكنها تصطدم، لسوء حظها، بغياب العقلنة والحكامة الرشيدة في تدبير شؤونها، بل أحيانا تكون النعم التي حباها الله بها نقمة عليها، فنراها ترزح في ركود تام لا تعرف تحت ثقله الوبيل سبيلا إلى الرقي والازدهار.



وفي هذا السياق، سنقف قليلا عند منطقة شهدت ومازالت تشهد حالة قاسية من التهميش والعزلة، وهي منطقة جماعة سكورة بمدينة ورزازات، وسنركز هنا على قرية سيدي فلاح بحكم ما طواها من نسيان وما تعيشه من غياب المرافق الضرورية التي كانت ستساهم، في حال توفرها، في تخفيف حدة مشاكل أهاليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرقعة الجغرافية ليست إلا نموذجا بسيط لمناطق قروية أخرى عديدة تعيش القهر والعزلة القاسية؛ فعند الوقوف بمنطقة تازنداغت، الاسم القديم لسيدي فلاح، نجد أنها تجمع بين فئات تتعايش في ما بينها دون مشاكل، تتكون من عرب وأمازيغ، تجاوزت مفهوم الميز العنصري القديم مثلها مثل جل المناطق المغربية، لكن يبقى الهم الوحيد لهؤلاء الأهالي هو النهوض وإنماء منطقتهم التي تعرف وفرة على مستوى المعادن، بما فيها النفيسة، فمنذ أن اكتشفت معادن بوسكور التابعة لسيدي فلاح ابتداء من ستينيات القرن الماضي إلى وقتنا الحالي لم تعرف المنطقة أي مظهر من مظاهر التنمية باستثناء المبادرات الجمعوية المحلية، ولم تستفد سوى من قنطرة هي اليوم آخذة في التآكل.



وها هم السكان المحليون اليوم يواجهون مختلف المعوقات التنموية من غياب طريق معبدة تخرج المنطقة من عزلتها وتربطها بالمركز، ومستوصف يساهم في تلقي المواطنين للعلاجات الضرورية، وما يعمق معاناة سكان المنطقة أن المعامل المعدنية لا تستقبل اليد العاملة المحلية ولا توظفها، كما لا تقدم إليهم أي تعويضات عن الأضرار الناتجة عن أشغالها، ولا تتخذ أية تدابير وقائية من التأثيرات الوخيمة المحتملة لاستغلال المعادن ومرور الشاحنات، إذ يظل السكان هناك عرضة لأمراض خطيرة مثل السيليكوز وغيره، إضافة إلى الانعكاسات السلبية لتلك الأنشطة على المؤهلات السياحية للمنطقة من جبال وأنهار وقصور وقصبات... وهي الإمكانيات التي يتم التعاطي معها بالتجاهل مع أنها ثروة حقيقية من شأنها جلب التنمية للمنطقة إن هي استثمرت بالشكل المطلوب؛ غير أن هذا يبقى مجرد أمنية تراوح الخطاب الرسمي دون أن يكون لها أثر في الواقع، ففي مفارقة صارخة عند تفحصنا للبرنامج الحكومي نجد من بين أولوياته النهوض بالتنمية الجبلية والقروية بينما واقع الحال يشهد بأن المنطقة لاتزال خارج الاهتمام الحكومي وأن ما تم فيها حتى الآن لا يعدو كونه استغلالا لمواردها النفيسة التي أثرى بفضلها بعض الأشخاص وبعض الشركات؛ فكيف يفهم هذا في ظل ما تعيشه المنطقة من هشاشة عنوانها الأبرز غياب المرافق التي تخول للمواطن العيش الكريم، ليذهب الأمر بالبعض إلى التساؤل: هل نحن مواطنون أم مجرد مقيمين..؟ وهذا الشأن له ما له في علم السياسة.



إن تجسيد مفهوم التنمية لا يتم من خلال التلويح به في المنابر الإعلامية أو عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، بل هو جزء من الأمن الإنساني الذي تجاوز معناه الكلاسيكي ليشمل ما هو اقتصادي واجتماعي؛ لكن يبدو أنه لازال هناك غياب لرؤية استراتيجية لدى النخب، من جهة، كما لازالت مقولة المغرب النافع والمغرب غير النافع راسخة في بعض العقول منذ فترة الاستعمار، من جهة أخرى؛ فلا شيء آخر يبرر، في نظرنا، بقاء منطقة مثل واحة سكورة غير متوفرة على مستشفى يلبي حاجيات السكان ومرافق حيوية مجهزة بوسائل لوجستيكية تجعل المنطقة تشق طريقها نحو التنمية..