القاهرة (رويترز) - تلقي ترجمة مختارات من قصائد الجزائري مالك حداد (1927-1978) أضواء على جوانب أخرى من إبداعه الذي يتجاوز شهرته الروائية في بلاده وفي العالم العربي.



ففي المختارات التي حملت عنوان (عام جديد بلون الكرز) يبدو ولع حداد بالمغامرة الإبداعية ورهانه على الجوهر الإنساني بلغة توحي ولا تصرح وتشير ولا تقرر متجاوزا المباشرة التي كانت تغري بها آنذاك قضيتا اغترابه عن بلاده وغربته في اللغة الفرنسية إضافة إلى خوض الجزائر معركة الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي.

وفي قصيدته (سأداوم الحراسة هذا المساء) يستعرض الشاعر ما يستدعي منه الانتباه لكي يحرس المخفر والأفكار واللغة وكذلك "أولئك الذين يدفعون ثمن الخبز وهم من يصنع الحصاد... نحتاج إلى القليل كي نعطي موسيقى... أعاشر كلمات أبدا لا تتكلم."

وكانت اللغة من هموم حداد القائل "تفصلني اللغة الفرنسية عن موطني أكثر مما يفعله بي البحر الأبيض المتوسط. وبمجرد أن أهم بالكتابة بالعربية يبزغ حاجز رغما عني بيني وبين قرائي: الأمية... فمن نكتب لهم في المقام الأول لا يقرأوننا وعلى الأرجح لن يقرأونا أبدا فهم يجهلون حتى وجودنا ذاته بنسبة 95%" ولكنه يوجه لهم التحية لأنهم أرغموا الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديجول "ذاته على احترامهم" حين انتزعوا الاستقلال بكفاحهم.

وعني حداد باللغة والصور الفنية التي تميل إلى التجريد إيمانا منه بأن "العشاق لا يحبون الكلمات التي استنفدت في الغناء" وهو ما يسجله الروائي الجزائري شرف الدين شكري مترجم هذه المختارات إلى العربية.

فيقول شكري في المقدمة إن قصائد حداد التي كتبها في نهاية الخمسينيات "كانت تحمل أولى تباشير الكتابة السيريالية العربية وأولى الرؤى الشعرية التجديدية" التي تجلت لاحقا في الشعر العربي "محمود درويش تحديدا" وهو ما يراه من آثار وصول لفحات شعر حداد إلى المشرق.

ونشأ حداد في مدينة قسنطينة ثم التحق بكلية الحقوق في فرنسا ولم يكمل دراسته وانخرط في النضال السياسي والكتابة ثم عاد إلى الجزائر بعد الاستقلال ولكنه كف عن الكتابة الإبداعية وكتب مقالات ذات صلة بالشأن الثقافي والواقع السياسي الجديد.

و(عام جديد بلون الكرز.. مختارات من أشعار ونصوص مالك حداد) الذي يقع في 168 صفحة متوسطة القطع صدر في سلسلة (كتاب الدوحة) هدية مع عدد يناير كانون الثاني من مجلة (الدوحة) الشهرية القطرية.

ويقول الروائي والناقد الجزائري سليم بوفنداسة إن مواقف حداد جرى تأويلها "ومنها تدعيمه للانقلاب الذي قام به الرئيس الراحل هواري بومدين على سلفه أحمد بن بلة (1965) وخدمته لنظامه بعد ذلك. جاءت عن قناعة كاتب كان يرى أن البلاد في طور البناء وتحتاج إسهامه" وأنه "عاش النكسة بألم كبير" في إشارة إلى حرب يونيو حزيران 1967.

ويضيف في توطئة عنوانها (الأمير البربري الذي عاش في غير موضعه) أن الكتابة كانت "تخون صاحبها وتعرض عنه بعدما كانت تهاجمه قبل الاستقلال" وأن حداد كان يتمنى أن يقرأ ديواني المتنبي وأحمد شوقي بالعربية وأنه من أوائل المبدعين الذين استدرجوا الشعر إلى أرض الرواية ولكن ترجمات أعماله إلى العربية جرى تأويلها.

وفي النصوص يكون حداد أكثر إيضاحا في التعبير عن رؤيته لمفهوم الهوية وعن غربته في فرنسا ولغتها إذ يقول "قذف بنا عشق الجزائر في زوغان التشتت. لم نهرب من المأساة لأنا نحملها فينا. لأنا سوف نأخذها معنا أينما ولينا وجوهنا. لأن أشعارنا ورواياتنا سوف تسهم في التعريف بها... سوف نهجر المنفى... لأنا أبدا لم نهجر الأصول" وإن اعترف حداد بعجزه عن التعبير بالعربية عما يشعر به بالعربية.

ويكتب حداد عام 1956 أن ثورة بلاده تعني الحق في الوجود واستعادة اللغة العربية التي "كانت منفية في وطنها" ويقول "اللغة الفرنسية منفاي... أنا في المنفى داخل اللغة الفرنسية... الاستعمار أراد لي أن أعيش بخطأ لغوي... إن أمكنني الغناء ستكون كلماتي العربية".

ولكنه يضع خطوطا فاصلة بين الغناء والحرب بقوله ‬"وحين يمضي جندي للقتال فليس من حقه أن يغني. ولتحترم الأزهار ولا تضعها على فوهة بندقيتك".