رزقنا على الله

محمد الفوزان

يروي الشيخ محمد الفراج قصة سمعها من أحد كبار السن حدثت في قرية قريبة من مدينة الزلفي في المملكة العربية السعودية قال: “هلّ علينا رمضان وليس عندنا ما توقد عليه نار ولا تمر, فخشيت ان ينقضي شهر رمضان ويحل العيد وليس عندنا لاتمر ولا طعام, فضاقت بي الدنيا, وقلت: أذهب وأحتطب من إرطى النفود لأبيعها على القرى المجاورة.. والارطى عبارة عن عروق شجر تستخرج من تحت رمال النفود بصورة سطحية وليست عميقة تستخدم بدل الفحم, اضاف: بقيت أياما احتطب في نهار الصيام من نفود الضويحي حتى استطعت ان أحمل راحلتين من خشب الإرطى فسِرتُ بالناقتين الى سوق مدينة المجمعة لأبيع الحمولة, لكن السوق شبه خال وخامل, ويبدو ان البلوى عامة والكساد شامل, وانا على امر عظيم من الجوع والجهد والسهر والبرد, فأذّن الظهر ، وما وقف عليّ احد يرغب بالشراء, صليت الظهر ورجعت ومكثت الى العصر, ثم صليت العصر, ومكثت انتظر, ثم اذّن المغرب, وحلّ الظلام ، وانا لا زاد ولا مأوى ، وبينما انا في همّي وتفكيري .... اذ مر بي رجل كبير متأبطاً بشته مستعجل الخطى ليدرك فطوره, فالتفت الي وقال: يا ولدي ان مكثت هكذا فانك ستمرِح في مكانك عند ناقتيك, اي ستنام في مكانك, ولكن اشير عليك برأي.
قلت: بلى والله ما احوجني اليه,قال: هذا قصر الامير ابن عسكر ألا تراه واشار اليه? قلت: بلى, قال: فاذهب واهده حطبك لعلك تجد ولو فطورا تتفطر به, فوجهت راحلتي الى ابن عسكر, فلما رأى رجاله فتحوا باب القصر الطيني حيث تدخل المطايا وقلت: هذا الارطى هدية للأمير, فحلوا حبال الأحمال ووضعوها, واطعموا الدواب ودلوني على مضيف الأمير, فما كان اسرع حتى حضر الأمير وسلم, ووضع التمر بين يدي, وكان اذان المغرب قد حل, فهجمت على التمر, فلولا الحياء لأكلت التمر واناءه وابن عسكر يرمقني بطرفه, ثم قمنا الى الصلاة فصلينا المغرب, ثم قدم الجريش بالسمن فقلت في نفسي يكفيني والله هذا, من اسعد مني اليوم! فأكلت وأكلت حتى شبعت, ثم نظرني الأمير وقال: من أين يا ولدي?
قلت: من الزلفي ومعي لك صوغة (أي هدية) قال: ايش هي يا ولدي? قلت حمل ناقتين من ارطى نفودنا بالزلفي, قال: مقبولة يا ولدي, وما أدراك بأننا محتاجون الى الحطب, قال هذا لي من أدبه, رحمه الله, وإلا فحوشه مليان حطبا, ثم قلت: أسلم عليك أيها الأمير في أمان الله, وهممت بالخروج فاذا هو يستوقفني ويقول: هذه “عرقتك” اي اجرك, فلما عددتها اذا هي عشرة ريالات فضة, فكدت أخر من الفرح وقلت في نفسي من اسعد مني انا اليوم ملك, وذهبت الى المسجد وصليت العشاء ومكثت فيه, ثم صليت القيام في المجمعة ونمت في المسجد حتى اذا اصبحنا ذهبت الى السوق ووقفت على بائع التمر فسلمت عليه فاذا هو يقرأ من مصحفه قلت له: أريد تمراً, قال ما عندي تمر, فأخرجت النقود, قال: الآن نعم, فملأت كيسين من الخام كبيرين تمرا, ثم اشتريت كسوة لامي وزوجتي ونعلين لهما, وقفلت عائدا الى اهلي وموطني الزلفي, فدخلت البيت ورأت امي الأحمال من التمر فصاحت حسبي الله عليك حسبي الله عليك, قلت : لم يا أمي?! قالت: عشنا أعمارنا في ستر الله وآخرتها تسرق, تريد ان توكلنا الحرام? من أين لك ثمنها, فأجلستها وقصصت عليها الخبر, اريتها بقية الدراهم. وقلت لها: يا أماه الحمد لله لدينا تمر يكفينا الشهر والعيد ومدة بعدهما, فحمدت الله وشكرته, وقلت: الآن استريح قبل الصلاة, فاسندت ظهري للجدار وعيني على اكياس التمر خوفا عليه, واخذت غفوة بسيطة, ثم فتحت عيني فاذا ما امامي غير كيس واحد منقوص, فصرخت: يا أمي اين التمر? فضحكت وقالت: قسّمتُ كيسا ، وبقي بعض البيوت ما نالها شيء ففتحت الكيس الآخر,
والله يابني ما في بيت من بيوت الجيران الاّ ويتسحرون الآن على تمرك . هنا تلاشى فزعي وغضبي وقلت: الحمد لله

ياالله كيف كانوا وكيف أصبحنا الآن, يا ليتنا وشبابنا يعلم قدر النعمة التي هم فيها, فنحرص عليها بشكر الله وبحمده وتقواه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.}