دويتشه ﭭيله : تراجع عدد النخيل في العراق من 30 مليون إلى ما يقارب عشرة ملايين نخلة خلال ثلاثين عاما. أصناف النخيل هي الأخرى مهددة بالانقراض ومراكز أبحاث النخيل فقيرة. لكن هناك من يطالب بيوم لها و"كرنفال للنخلة العراقية".



تحشر السياسة أنفها في أي موضوع يدور بين متحاورين في العراق. حديث الحكومة، نجاحاتها وفشلها، معارضوها ومشاركوها بنفس الوقت. الجميع هناك يصف نفسه بأنه عراقي. لكن في العراق من هو أقدم من الجميع. الأرض، دجلة والفرات، و بالتحديد النخلة. هذه المعذبة والصابرة. ويبدو أنها بدأت تهجر أرضها هي أيضا بعد حروب أحرقت جذوعها وأيبست سعفاتها الخضروات.

يقدر الخبراء عدد أشجار النخيل في العراق، قبل الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي بثلاثين مليون نخلة. أما اليوم فقد وصل العدد التقريبي إلى 11 مليون نخلة. تعددت أسباب التراجع. أولها كانت (القادسية الثانية) كما أطلق صدام حسين على الحرب مع إيران، والتي تسببت في حرق النخيل بجنوب العراق، خاصة في حدود مدينة البصرة الشرقية مع إيران. والحرب أدت أيضا إلى هجرة الفلاحين من بساتينهم قرب الحدود، وحول شط العرب. فترة الحصار (الاقتصادي) التي امتدت لفترة 13 عاما، والتي أهملت فيها كل مناحي الحياة وتعرضت البنية التحتية والبيئية والزراعية خلالها للعراق لانتكاسات خطيرة. بالإضافة إلى مشاكل المياه وارتفاع نسبة الملوحة، وتعرض النخيل لأمراض خطيرة.


نخلة في منزل بكربلاء

"كرنفال النخلة العراقية"
حياة النخلة بالعراق في خطر، لكن هناك مبادرات لإنقاذها. مثل كرنفال النخلة العراقية الذي أطلقته رئاسة جامعة بن رشد في هولندا. رئيس الجامعة الأستاذ د. تيسير عبد الجبار الآلوسي تحدث لبرنامج العراق اليوم عن أهداف الكرنفال، مشيراً إلى أن النخلة تمثل موضوعا يجمع العراقيين، في وقت تمزقهم الخلافات السياسية. "هناك تغليب للسياسة على واقع الأعمار والبناء، الذي كان يجب أن ينطلق منذ عشر سنوات". فالعراق حسب قوله لا يتميز بكونه دولة صناعية في الأساس، بل هو "ارض السواد".

"هناك وجهان لهذا الكرنفال، الوجه الأول بيئي وزراعي مقابل هذا التصحر الزاحف على مدننا وسهولنا. بالإضافة إلى أن النخلة تمثل وجها ثقافيا وروحيا لمعدن الإنسان العراقي. هذا الكرنفال يمكن أن يرد على أوجه العنف التي تريد أن تدمر هذا الإنسان". يقول د. تيسير عبد الجبار الالوسي.

من المسؤول؟
من البصرة أنضم إلينا رئيس مركز النخيل في جامعة البصرة د. كاظم جسام حمادي. والذي حدد الجهات المسؤولة عن واقع زراعة النخيل في العراق بقوله "وزارة الزراعة هي الجهة الأولى التي من المفترض لديها إحصاءات دقيقة، وثانيا المحافظات التي تنتشر فيها أشجار النخيل، وكذلك رئاسة مجلس الوزراء ممثلا بالمبادرة الزراعية، بالإضافة إلى مراكز البحوث، هناك مركزين لبحوث، مركز النخيل في جامعة البصرة، ووحدة أبحاث النخيل بجامعة بغداد".

عن أسباب تراجع عدد النخيل في البصرة أشار د. كاظم إلى الحرب وارتفاع نسبة الملوحة بسبب ارتفاع منسوب مياه الخليج، بالإضافة إلى الزحف السكاني على بساتين النخيل والتي تشكل مشكلة كبيرة للمتبقي من المساحة الخضراء لمدينة البصرة. فقد أصبح من المتعذر التوسع عمرانيا غرب المدينة الصحراوي، والسبب يعود إلى أن هذه الأراضي فيها استثمارات نفطية. وأغلبها تابع لوزارة النفط، لذا الزحف السكاني يتجه نحو المناطق الجنوبية والشرقية من المدينة.


نخلة عراقية في أبو ظبي

الدكتور تيسير الالوسي شرح الخطوات العلمية خلف الكرنفال بقوله "عقد مؤتمر لمناقشة موضوع النخيل كثروة وطنية، تعتمد عليها زراعات أخرى، بالإضافة إلى أنها تمثل حزاما اخضرا حول المدن. دعوة استثمارات خارجية لغرض الاستفادة البحثية والعلمية من الخبرات الخارجية". الخطر الذي يهدد النخلة في العراق لا يمثل بالتراجع الكمي بل بالنوعي أيضا. فهناك أنواع معينة من النخيل مهددة بالانقراض، بسبب الأمراض وتراجع أعدادها. ما يستعدي حسب د. تيسير "إنشاء بنوك وراثية تحافظ على هذه الأنواع". مثلما فعلت دول إقليمية استوردت أنواعا من فسائل النخيل العراقية وزرعتها على أراضيها، وهي "الإمارات العربية المتحدة". التي وصل عدد النخيل فيها إلى ما يقارب الستين مليون نخلة. حسب الدكتور الالوسي.

فقر مراكز الابحاث
مشروع البنوك الوراثية أكد عليها أيضا مدير مركز النخيل، د. كاظم حمادي، فهناك مبادرة قدمت لمحافظة البصرة منذ حوالي سنة لإنشاء "بنك الاصناف". ويقول "يذكر أن في البصرة كان هناك ما يقارب ستمائة صنف من التمور"، وحسب إحصائياتنا ونتائج الدراسات، فان ما تبقى من الأصناف الزراعية خمسين صنفا فقط. وتقديرنا لهذا البنك والمفروض انشائه في منطقة أبحاث الهارثة التابعة لكلية الزراعة بمائة وثلاثين ألف دولار. البنك هذا سيقوم بإنتاج الفسائل لكل الأنواع وتقديمها للفلاحين لغرض زراعتها.

د كاظم تحدث عن إمكانيات المركز، فهو فقير في إمكانياته المادية، رغم المشاريع التي يريد تحقيقها. ولم يستلم أي مساعدة من أي جهة، سواء كانت الجماعة أو الحكومة المركزية أو محافظة البصرة. "عقدنا اتفاقية مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، لتزويدنا بفسائل النخيل وإكثارها سنويا، لكن الدعم المادي من قبل وزارة الزراعة والمبادرة الزراعية لم يصلنا لغاية الآن". يقول الدكتور كاظم.

ماجد من البصرة في اتصال هاتفي قال "أن التوسع العمراني سيستمر". وربط بين التوسع وانتخابات المحافظة التي تجري كل أربع سنوات. "فكل سياسي يأتي لا يتمكن من الوقوف ضد التوسع العمراني في البصرة على حساب البساتين. فأبو الخصيب، المنطقة الغنية في البساتين أصبحت أراضي سكنية، والقرنة تحولت إلى منطقة نفطية". ويتساءل ماجد "ممن تحصل النخلة على اهتمام"؟.

فقر المراكز البحثية بشؤون النخيل، وعدم تنفيذ مشاريع مثل "البنوك الوراثية" لإهمال الدولة لمثل هذه المشاريع. رغم تواجد الكوادر القادرة على تنفيذها. يبقي على سوء أحوال النخلة العراقية. مشروع "كرنفال النخلة العراقية" يطالب بتخصيص جزء من ميزانية الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النخيل وإعادة إحياء بساتين النخيل في كل المحافظات، من الانبار وحتى البصرة. وإقرار قوانين للحفاظ عليها. بالإضافة إلى تخصيص يوم وطني للنخلة كرمز لوحدة العراقيين رغم اختلافاتهم السياسية. فالنخلة في كل مكان ولا تغير سكنها تبعا للطائفة أو الانتماء.