أبوسيف الجزائري : إصطلح المؤرخون على تسمية المرحلة التي سبقت إختراع الكتابة، بعصور ما قبل التاريخ، تمتد من ظهور الإنسان إلى ظهور الكتابة نحو عام 3200 قبل الميلاد والتاريخ علم يعتمد على الوثائق المكتوبة ويتناول أنواع نشاط الإنسان، فالعصر السابق للكتابة أو ما قبل التاريخ لا يوفر وثائق ومدونات مكتوبة يمكنها أن تروي لنا قصة البشرية، لكنه ترك الكثير من المخلفات والآثار البشرية، كشواهد صامتة، لكنها في نظر العديد من العلماء أكثر مصداقية مما هو مكتوب لأنها منزهة عن الزيف الذي يتعمده الإنسان في الكثير من الحالات لدى تدوينه لتاريخه، وتعد هذه المخلفات والآثار أهم مصادر المعرفة لعصر ما قبل التاريخ.



1 – سكان ورقلة في عصور ماقبل التاريخ :

عصور ماقبل التاريخ :
دلت الأبحاث و الحفريات التي أجريت في حوض ورقلة أن هذه المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ أقدم العصور البشرية ، إستناذا للمخلفات التي تم العثور عليها في المواقع أو المقابر و بقايا الهياكل العظمية البشرية و الحيوانية. ورقلة في ويكيبيديا

هذه المخلفات المتمثلة في أدوات و أسلحة حجرية يمكن تصنيفها إلى نفس المراحل العالمية :
العصر الحجري القديم الأسفل Le Paléolithique Ancien
العصر الحجري الأوسط Le Paléolithique Moyen
العصر الحجري الأعلى La Epipaléolithique
العصر الحجري الحديث Le Néolithique


متى ظهر الإنسان في حوض ورقلة : هنا لابد أن نعتمد على أبحاث العلماء المختصين الذين انكبوا على دراسة الإنسان الأول في المنطقة ونبع أصله ونشأته وتحركاته ومناطق استطانه.

أثبت هؤلاء العلماء أن الصحراء الكبرى كانت منطقة خصبة بأمطارها الغزيرة ودفئها مما يساعد على نمو النبات وتكاثر الحيوان وثبت لديهم بما لا يدع الشك استنادا إلى جماجم بشرية و حيوانية، كثافة هذه المنطقة بالسكان قبل أن يجتاحها الجفاف وتتحول إلى صحراء قاحلة تعصف بها الرياح، ولا تزال آثار المجاري المائية التي كانت تصب في البحيرات (التي تحولت إلى شطوط) واضحة لرواد هذه البوادي و كانت منطقة ورقلة مثل كل مناطق الصحراء الكبرى آهلة بالسكان منذ عهد سحيق، وعلى نطاق واسع، ربما يأكد بأن السكان الآوائل قد عمروا حوض ورقلة، وفرة الإكتشافات المتمثلة في هياكل عظمية للماموث (Mammouth) وهو فيل ضخم منقرض، ومحار بيض النعام، وجدوع الأشجار المتحجرة.



ومخلفات العصر الحجري في منطقة ورقلة عديدة لا تحصى مثل القطع الحجرية من الصوان المنحوت، والسهام المنحوتة بدقة مختلفة الأحجام. ولا يمكننا تصور خلو المنطقة من السكان في العصور المعدنية رغم عدم عثور العلماء على أدوات معدنية بسبب التأكسد السريع للمعادن خلافا للحجارة.

2- سكان ورقلة في العصور القديمة L'Antiquité :

من المسلم به أن وجود ورقلة كمركز عمراني ومحطة تجارية، بدأ قبل الفتح الإسلامي للمغرب العربي وقبل دخول العرب إلى هذه الديار بعصور طويلة، أن وجودها يمتد على طول خمس وعشرين قرنا على الأقل منذ منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، منذ أن خرج سكانها من مجاهل ماقبل التاريخ وعرفوا بأنهم (بربر) وهي التسمية التي كان الإغريق ومن بعدهم الرومان يطلقونها عليهم وعلى كل الشعوب التي لم تكن تتكلم لغتهم، وعنهم أخذها المؤرخون العرب.

أصل سكان ورقلة : عندما انقسم البربر خلال الألفية الأولى قبل الميلاد إلى عدة قبائل كانت القبيلة المعروفة باسم (جيتول) وهم رحالة، ينتقلون بين الصحراء و الهضاب العليا، ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا (Les anthropologistes) بأن أصلهم من شرق أفريقيا و أثيوبيا على وجه الخصوص، ولاشك في أنهم أسلاف سكان ورقلة الناطقين بالأمازيغية اليوم.

إلا أن على السلالات البشرية يؤكدون أن السكان الوافدين خلال التاريخ الطويل ، إلى المنطقة قد أثروا تأثيرا عميقا في ملامح ولون هؤلاء السكان فقد إختلطت دماؤهم بعضها مع بعض، ففقدوا الكثير من نقاوتهم و صفاتهم الأصلية.



وقد عرف هؤلاء السكان زراعة الحبوب ، تشهد على ذلك الأدوات التي عثر عليها في المنطقة مثل المجرفة أو المعزقة (la houe) والمحراث اليدوي (l'Acaire) ويغلب الظن أنها قد استعملت في زراعة القمح الصلب الذي يطلق عليه سكان المنطقة (حتى يومنا هذا) إسم "أرن" هذه العبارة يستعملها كل البربر من صحراء (سيوه) المصرية إلى جزر الكناري الإسبانية.

ويؤكد علماء النبات (les botanistes) أن هذا القمح من شرق إفريقيا وهو مايوافق رأي علماء السلالات البشرية (Les Anthropologistes) في كون أصل سكان المنطقة البربر يعود إلى شرق إفريقيا، كما سبقت الإشارة.

3- ورقلة في فجر التاريخ : لما بدأ فجر التاريخ يلقي ضوءه على المنطقة الصحراوية كان سكان هذه المناطق قد تواصلوا مع الحضارات المعاصرة القريبة منهم، ففي هذه المرحلة يظهر بوضوح التأثير الحضاري المصري ومما يؤكد هذه الصلات الحضارية أن عبادة الإله المصري (أمون راع) كانت منتشرة في المنطقة الصحراوية. وقد ساعد على انتشار الحضارة في هذه الجهة أن الصحراء لم تكن حتى بداية العصر التاريخي (فجر التاريخ) قد تحولت إلى الجفاف الشديد الذي عليه في الوقت الحاضر.

لم يكن سكان الصحراء في هذه الحقبة قد عرفوا الخيمة بل كانوا يبنون مساكنهم من فروع الأشجار المتشابكة. فإذا ما هاجروا المكان تركت تلك الأكواخ تتلاعب بها الرياح أو تطمرها الرمال. أما الخيمة فالأرجح أنها عرفت مع الجمل في ما بعد، فالعلاقة واضحة بينهما، فالخيمة تصنع من وبر الجمال والجمل هو الحيوان الوحيد الذي يمكنه أن ينقل هذا المسكن (الخيمة) عبر الصحراء، فإستعمال الخيمة واستخدام الجمل متزامنان ومرتبطان ببعضهما.

ومن المحتمل أن يكون دخول الجمل سابق للفتح الإسلامي ولكن لم ينتشر استخدامه إلا مع الفتح، وبالتالي لم تستعمل الخيمة كسكن إلا من طرف العرب الوافدين فلفظ (Tentouria) تنتوريا قد ورد ذكرها في القرن الرابع الميــلادي ومن الجائز أن كلمة (tent) بمعنى الخيمة مشتقة من كلمة (Tentoria).



4 – علاقة ورقلة بالفينيقيين و الرومان : يؤكد بعض المؤرخين وجود علاقات بين سكان ورقلة والفينيقيين وكذلك الرومان، إستنادا لعدد من القرائن والمخلفات التي عثر عليها في المنطقة وقد رجح المؤرخون الين اهتموا بهذه الحقبة من تاريـخ ورقلـة، الإعتمـاد على فرضيـة وجـود ذكر لمنطقة ورقلـة في مؤلفـات (HERADOTE) هيرودوت و(STRABON) سترابون و(VIVIEN) فيفيان ولا يستبعد وجود شكل من أشكال الإتصال بين الفينيقيين وحتر الرومان، فمنطقة ورقلة بموقعها الجغرافي الهام في مفترق الطرق الصحراوية والدور الرئيسي الذي لعبته في المواصلات (التجارية والعسكرية)، فلا يعقل أن تكون في معزل عن التأثير الحضاري للحضارات المعاصرة لها ولاسيما الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية) والحضارة الفينيقية ثم القرطاجية والنوميدية.

أما في ما يخص الرومان، فيذكر التاريخ أن الإمبراطور الروماني "Comelius Ballus" قد وجه حملة عسكرية، إنطلقت من ساحل البحر المتوسط نحو غدامس، وبعده بستين سنة وجه الإمبراطور "Suetonius Pauluins" حملة أخرى وصلت إلى مرتفعات الهقار، فلا يعقل أن يجهل الرومان موقع ورقلة وهي ملتقى رئيسي للطرق الصحراوية. فلا يستبعد وجود علاقات تجارية مباشرة أوغير مباشرة مع المستعمرات الرومانية المجاورة.

لا أريد التوقف أكثر من هذا أمام هذه المسألة فإثبات وجود علاقة بين سكان ورقلة والفينيقيين أو الرومان. أو عدمها، لا يضيف شيئا ولا ينقص من أهمية دور السكان المنطقة ومساهمتهم في الحضارة الإنسانية.

ورقلـــــة بعد الفتح الإسلامي : النسيج البشري : ((يا أيّها الّناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنّ اللّه عليم خبير)). سورة الحجرات :13

يتميز سكان ورقلة بالتنوع الكبير من حيث الأصول الآثنية (العرقية) ولون البشرة، فلا عجب في ذلك فقد كانت منطقة ورقلة دوما ملتقى الحضارات’ والبوتقة التي انصهرت فيها أجناس عدّة وفدت اليها من الشمال والجنوب والشرق والغرب. وأهم العناصر التي كونت النسيج البشري لمنطقة ورقلة هي:

أولا : العنصر البربري

أول من سكن منطقة ورقلة هم بنو ورقلان الذين ينتسبون إلى قبيلة ورقلان إحدى بطون قبيلة زناتة البربرية، و هم الذين أسسوا قصر ورقلة العتيق الذي لازال عامرا إلى يومنا هذا، وقد أطلقوا عليه اسم قبيلتهم، هذا ما يؤكده العلامة أبن خلدون في كتابه الشهير "ديوان العبر ...." في الفصل المعنون بـ: "الخبر عن بني واركلا من بطون زناتة والمصر المنسوب إليهم بصحراء أفريقية وتصاريف أحوالهم" حيث يقول : "بنو واركلا هؤلاء إحدى بطون زناتة ... وإن إخوانهم يزمرتن و منجصة و نمالتة المعروفون لهذا العهد : ومنهم بنو واركلا، وكانت فئتهم قليلة، وكانت مواطنهم قبلة الزاب، واخطّوا المصّر المعروف بهم لهذا العهد على ثماني مراحل من بسكرة، على القبلة عنها ميامنة إلى الغرب. بنوها قصورا متقاربة الخطة، ثم استبحر عمرانها، فأتلفت وصارت مصرا ..." تاريخ ابن خلدون ج7

والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة، وهي هوارة وزناتة وضرية ومغيلة وزيحوحة ونفزة وكتامة ولواتة وغمارة ومصمودة وصدينه ويزدران ودنجين وصنهاجة ومجكسة وواركلان وغيرهم.

والبربر أقدم أمة عرفها التاريخ في الشمال الإفريقي ولا خلاف في ذلك، إنما الاختلاف بين المؤرخين العرب في تفسير لفظة (البربر) فمنهم من أعطاها تفسيرا لغويا، لأن لغة البربر غير مفهومة لديهم فقيل لهم : "ما أكثر بربرتكم" ومنهم من أعطاها تفسيرا آخر فيرى أن اسم البربر نسبة إلى أحد أبائهم البعيدين وهو (بربر بن قيس عيلان) ولكن أكثر الكتاب يرفضون هذا الرأي و منهم ابن خلدون الذي أستقر رأيه على أن البربر من ولد كنعان بن حام بن نوح أي أن البربر حاميون أفريقيون بينما العرب ساميون. وكذلك ابن حزم الذي ينفي انتماء البربر لحمير وينكر قطعا هجرتهم من بلاد اليمن أو الجزيرة العربية عموما، فهو القائل : "... وهذا باطل لاشك فيه، وما علم النسابون لقيس ابنا اسمه (بر) أصلا، ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر، إلا في أكاذيب مؤرخي اليمن "فالبربر إذن ليسوا من أصول عربية مثل ما يرّوج بعض الكتاب المعاصرون ولاسيما القوميون والبعثيون على وجه الخصوص، لأغراض سياسية مستغلين التشابه الكبير بن الرجل العربي والبربري في الملامح وأساليب المعيشة وهذا أمر طبيعي فبلاد المغرب امتداد طبيعي لشبه الجزيرة العربية، وطبيعة بلاد المغرب ومناخها تشبه بلاد العرب ولاسيما في جزئها الجنوبي حيث يغلب على أهلها الطابع الصحراوي.

أما زناتة فهم على الأغلب من سكان الصحراء القدامى المعروفين بالليبين (الليبون Lebu =) وذهب عدد كبير من المؤرخين إلى أنهم قد أقبلوا من الجنوب من إفريقيا المدارية عبر الصحراء الكبرى و من حوض نهر النيل بصفة خاصة وهذا ما يفسّر لون بشرتهم الداكن.

وابن خلدون تكلم بإسهاب عن (زناتة) وافرد لهم القسم الأول من المجلد السابع من تاريخه هذا الجيل في المغرب جيل قديم العهد معروف العين والأثر ... وموطنهم في سائر مواطن البربر بإفريقية، والمغرب، فمنهم ببلاد النخيل مابين غدامس والسوس الأقصى، حتى أنّ عامة تلك القرى الجريدية بالصحراء منهم كما نكره ... وأما نسبهم بين البربر فلا خلاف بين نسّابتهم أنهم من ولد شانا وإليه نسبتهم ...".

وفي هذا السياق كتب الدكتور حسن مؤنس صاحب كتاب تاريخ المغرب وحضارته، قائلا: "أما البتر الزناتية فهم البدو الذين أقبلوا من داخل القارة واستقروا في برقة وطرابلس، ثم انتشروا في أقاليم الجريد والقبلات والصحارى المحيطة بالمغرب من الجنوب وقد اختلطوا إلى درجة كبيرة بمن كان في المغرب قبلهم من البربر، ولكن مجموعاتهم الكبرى ضلت في هذا الموضع ..."

ثانيا : العنصر العربي : القبائل العربية الأربعة التي وفدت إلى منطقة وادي ميّة على فترات متباعدة نسبيا ابتدأ من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر ميلادي)، هي الشعانبة والمخادمة وأولاد سعيد وبني ثور وتعود جذور هذه القبائل كلها إلى نسل بني هلال و بني سليم و القبائل العربية البدوية الأخرى التي نزحت إلى بلاد المغرب الأوسط (الجزائر) و صحرائها عبر بلاد برقة و طرابلس (ليبيا) و إفريقية (تونس) وبلاد الجريد.

بنو هلال و بنو سليم : بنو هلال بن عامر بن صعصعة و بنو سليم بن منصور هم عرب كانت مضاربهم في ارض الحجاز و الشام اضطرهم القحط للنزوح إلى مصر حيث نقلهم الخليفة الفاطمي العزيز إلى الصعيد.

نزلت الموجة الهلالية الكبيرة الأولى ببرقة الليبية سنة 442 هجرية (1050م) و اكتسحوها اكتساحا ووجدوا أمامهم أراضي شاسعة تصلح للمرعى فاستقروا بها، ثم أرسلوا إلى من تخلف من قومهم ليلحقوا بهم.

القبـائل العربيـــة التي استقرت بمنطقة ورقلة : و هي كلها تنحدر – كما سبق أن أشرنا - من أحفاد بني هلال و بني سليم ، كانت تجوب الصحراء و تتصل بمنطقة وادي ميّـة، ثم استقرت في حوض ورقلة على مراحل.

قبيلة الشعانبة بوروبة : و صلت هذه القبيلة إلى منطقة واد ميّة لأول مرّة في القرن الثاني عشر ميلادي، وهي من أكبر القبائل البدوية عددا ينتمي إليها أولاد إسماعيل وأولاد أبو بكر و دري و أولاد فرج و أولاد سعيد و أولاد زايد. ويقطن أولاد عمومتهم المنيعة و متليلي.

تتنقل هذه القبيلة عبر فضاء واسع يمتد من تماسين شمالا إلى عين صالح جنوبا و تصل حتى سفوح جبال القصور غربا. في هذا المجال الحيوي الرحب كانت قبائل الشعانبة أو (الشعامبة) تقضي مدّة ثلاثة شهور، تعود بعدها إلى ورقلة مع حلول فصل الخريف موسم جني التمور.

قبيلة المخادمة : تتفرع هذه القبيلة هي الأخرى إلى عدّة بطون منها : بنو حسن وأولاد نصير وبنو خليفة والعريمات وأولاد أحمد.

قبيلة بني ثور : جاءوا على أغلب الظن من منطقة الجريد (في الجنوب التونسي)، وهي إحدى مواطن بني هلال و بني سليم و لعل جذورهم تتصل بقبيلة "مضر" اليمنية وتربطهم أواصل القربى بالزغبة، مثل حميان وأولاد المهدي، وينحدرون من جهات مختلفة ثم التفوا حول نواة يمثلها في ورقلة أولاد بلقاسم.

يشترك الثوريون مع المخادمة في نطاق الترحال و طرق التنقل عبر الصحراء فهم مثل المخادمة يرتحلون صيفا في اتجاه الجنوب الشرقي من ورقلة نحو قاسي الطويل ويواصلون مسيرتهم حتى غدامس.أما في رحـلة الشتاء فتكون قبلتهم وادي زرقون و وادي صغور شمال غرب مدينة غرداية.

وقد استقر قسم من بني ثور منذ القرن السابع عـشر ميلادي وسكنوا قصور عين حمار والرويسات، متخلين عن حياة الترحال.

قبيلة سعيد عتبة : و هي فرع من القبيلة الأم (سعيد القبلة) وتضمن البطون التالية : فتناسة والرحبات وأولاد يوسف. ونجد أولاد عمومتهم في تماسين والحجيرة (سعيد أولاد عمر) وأولاد مولود في تقرت.

عرفوا كغيرهم من القبائل البدوية في وادي ميّة، رحلتي الشتاء والصيف، تبدأ رحلتهم السنوية من ورقلة بعد موسم جني التمور (أكتوبر _ يناير) ينتقلون بعدها إلى النقوسة لنفس الغرض و منها يرحلون في اتجاه وادي مزاب حيث يمكثون في فصل الشتاء حتى شهر أ فريل ثم ينتقلون بعد ذلك إلى وادي زرقون ينزلون ضيوفا على حلفائهم (الأرباع) يقيمون في مضارب هؤلاء، بضعة أسابيع ينتقلون بعدها إلى منطقة تيارت مرورا بتاجرونة و الأغواط و عين شلالة.

بالإضافة إلى هذه القبائل الأربعة كانت لمنطقة ورقلة علاقات مع قبائل أولاد سيدي الشيخ و الربايع و أولاد نايل. وبالرغم من كون مواطنهم الأصلية تقع بعيدا عن وادي ميّة إلا انّهم كانت تربطهم بمنطقة ورقلة علاقة اقتصادية، فقد كانوا يقصدونها في فصل الشتاء بحث عن المرعى و لتسويق منتجات أغنامهم.

و تشير المراجع التاريخية إلى أن استقرار هذه القبائل و تخليهم عن حياة الترحال لم يتم بيسر، بل بصعوبة كبيرة وعلى مراحل متباعدة، و عندما استقرت لم تنصهر في النسيج البشري والعمراني للمدينة فقد كانت مضاربهم تقع خارج أسوار القصور العتيقة قرب بساتين النخيل إلا أنهم رغم ذلك أنشئوا علاقات مع السكان الأصليين قوامها المنفعة المتبادلة وهكذا ارتبطت قبيلة سعيد عتبة بعرش بني وقين ونزلت في جوارها وكذا كانت قبيلة المخادمة حلفاء عرش بني سيسين وكان بدو بوروبة (وهم فرع من الشعانبة)، لبني إبراهيم.

و لكن هذه التحالفات كانت هشة لا تقوم إلا على المصلحة الآنية، تنطبق عليها تماما مقولة لا عدو دائم و لا صديق دائم و إنّما مصالح دائمة، فلا ربما اقتضت الحاجة إلى التحالف مع عدو سابق ضد صديق الأمس. و مهما كانت طبيعة العلاقات بين القبائل البدوية وسكان القصور من المدنية ، فقد لعبت دورا رئيسا في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

رغم مرور الزمن لا يزال الحنين إلى حياة البداوة يراود الكثير منهم و لا زالت طباعهم تحمل الكثير من صفات البدو.

أول من استقر من القبائل البدوية فئة من قبيلة بني ثور استقرت بالقرب من عين حمار و في الرويسات مشكلة نواة مجتمع متمّدن وذلك في منتصف القرن السابع عشر ثم المخادمة، ببامنديل (في القرن التاسع عشر). ثم الشعانبة في النصف الثاني من القرن العشرين و أخر من استقر من القبائل (سعيد عتبة) في الستينات من القرن الماضي. ولكنهم لم يبنوا لأنفسهم في بداية الأمر مساكن دائمة بل فضلوا العيش في خيام ينسجونها من وبر الإبل و كانت مضاربهم بين النقوسة و بامنديل .

الإباضية : يشكل أتباع المذهب الإباضي أحد العناصر المميزة في النسيج البشري لمدينة ورقلة، لا من جانب الإختلاف المذهبي فحسب، بل والعرقي أيضا، و قد لعبوا دورا مهما في الحياة الاقتصادية والفكرية بعد القرن الثالث عشر ميلادي ولاسيما قبل نزوح أعداد كبيرة منهم الى قرى وادي ميزاب.

ينتسب أتباع هذا المذهب إلى عبد الله بن إباض التميمي (زعماً منهم)، اشتهروا بهذه التسمية التي أطلقها عليهم ولاة الدولة الأموية، أما هم فكانوا يسمون أنفسهم بـ: (أهل الدعوة) ولم يعترفوا بهذه التسمية إلا عندما انتشرت على ألسنة الجميع ،و تقبلوها تسليما للأمر الواقع.

نزلوا في المغرب الأوسط (الجزائر) في موضع قريب من مدينة "تيارت" الحالية، وأسسوا مدينة "تيهرت" و اتخذوها عاصمة لدولتهم الرستمية.

مدينة سدراتة : عرف المذهب الإباضي في منطقة ورقلة بعد سقوط دولة الرستميين ولجوء عدد من أتباع هذا المذهب إليها. وابنائهم لمدينة سدراتة التي ازدهرت ردحا من الزمن، و بعد سقوطها أصبحت ورقلة معقل من معاقل الإباضية إلى جانب جزيرة جربة في تونس و جبل نفوسة بليبيا.


و عن ذكر تأسيس مدينة سدراتة كتب الدكتور محمد بلغراد أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر : "كان لسقوط الدولة الرستمية واقع عظيم في نفوس علية القوم والوجهاء من الاباضيين أولي الغيرة الوطنية ودخلوا مدينة بني ورقلان، وهناك على بعد أربعة عشر كيلومترا جنوبا أخذوا في تخطيط عاصمتهم الجميلة سدراتة المعروفة عند البربر بأسدراتن، فانشأوا فيها حضارة عظيمة وبنوا بها قصورا بديعة ومنازل رفيعة و أقاموا بها بساتين ومزارع و منشآت ضخمة "إن سدراتة التي عرفت في القرنين العاشر و الحادي عشر الميلاديين ازدهارا كبيرا، وتاريخ نهايتها لا يزال الظلام يكتنفه من كل جانب".

الأباضيون في مدينة ورقلة : تعود أقامة الأباضيين إلى القرن الثالث عشر عندما أعيد بناء مدينة ورقلة من جديد فقد اندمجوا ضمن النسيج العمراني لقصر ورقلة بنو مساكنهم و مسجدهم إلى جوار منازل سكان المدينة في أحيائها الثلاثة، وتكلموا اللغة الأمازيغية ورغم حرسهم الشديد على مذهبهم لم يمنعهم هذا الأمر من الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية و الفكرية للمدينة.

غير أنّ للنزاعات والإضطرابات التي عرفتها المنطقة في فترات لاحقة، نتيجة الصراعات السياسية والتعصب المذهبي والعرقي، جعلت الكثير منهم ينزح إلى منطقة وادي ميزاب بعد تأسيس قراها السبع.