(نقودي) كثيرون منا على دراية بالعديد من المصطلحات الاقتصادية، ولكن هناك الكثير من المصطلحات الاقتصادية الدقيقة التخصص، أو التي صدرت في ظروف خاصة وارتبطت بأحداث خاصة، أو منها ما يمثل نظريات اقتصادية أو آراء خاصة بأفراد من مشاهير الاقتصاد العالمي في زمن من الأزمنة، وبالتالي فتلك النوعية من المصطلحات ربما لا تكون شائعة أو معتادة بالنسبة لمن هم غير أهل التخصص أو المتابعين المهتمين بالشأن الاقتصادي بدرجة كبيرة، ونحن اليوم قد نكون مع مصطلح يظنه البعض من تلك النوعية وهو المصطلح الاقتصادي "ظاهرة بامول" والذي قد يكون جديدا تماما ليس فقط على القليل منا بل على أسماع الكثيرين أيضا. فهيا بنا نوضح ما هي ظاهرة بامول أو ما تمسى أيضا بتأثير بامول.


رواتب المصرفيين ترتفع ليس بسبب إنتاجية الموظفين

دعونا نوضح أساسا سبب التسمية، إن مصطلح ظاهرة بامول يرجع في الأصل لكون صاحب ومؤلف النظرية هو السيد ويليام بامول ومعه السيد ويليام بوين، واللذان أصدرا النظرية إبان حقبة الستينات من القرن الماضي، وهي نظرية تتضمن عملية ارتفاع الرواتب الخاصة بالوظائف التي لا يتوفر فيها عنصر ارتفاع إنتاجية العمالة، وهو الأمر الذي يتعارض مع النظرية الأصلية التي تشدد على كون عملية ارتفاع الأجور من المنطقي والأغلب أن يرتبط بشكل دائم مع التغير في إنتاجية العمال في الأصل.

ونذكر مثال على ذلك، على سبيل المثال دعونا نتفكر في رواتب المصرفيين، هي ترتفع ليس بسبب إنتاجية الموظفين على الإطلاق، فالعمل في البنك غير مرتبط بسلعة أو منتج ينتجه البنك أو موظفيه على الإطلاق، وارتفاع أجور البنك راجع إلى تنافس السادة الموظفين في مجموعة من الوظائف وبالتالي فمن الطبيعي أن تزداد رواتبهم مع استمرار الحياة بدون النظر لعد موجود منتج يزيد بعملهم، فارتفاع أجور موظفي البنك مرتبط أكثر بارتفاع إنتاج صناعات أخرى وبالتالي ارتفاع أجور موظفيها، ولو طبق البنك سياسة غير هذه وقرر مثلا إعطاء الموظفين أجور متدنية فسوف يقرر موظفي البنك الهرب منه والاستقالة تماما والبحث عن عمل في مصنع ينتج كثيرا وبالتالي يرتفع فيه أجر الموظف والعامل!

ونعم يؤكد بامول أن زيادة إنتاج أو نشاط موظفي البنك قد لا يكون موجودا نهائيا على الإطلاق، بل على العكس فقد يكونون يقومون بنفس العمل منذ سنوات وبلا زيادة، ولا يدفعون أيضا لأي زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلا أن هذا الأمر لا يعني أنهم مستثنون من ضرورة رفع رواتبهم مع مر السنين.



ما هي ظاهرة بامول؟ (2)
تحدثنا في المقالة السابقة أعزائنا القراء عن ظاهرة بامول، وذكرنا أنها مصطلح اقتصادي قد يكون جديدا ونادرا تماما على أسماع الكثيرين منا، إلا أننا فسرنا أنه ارتبط بظاهرة ما وظروف معينة وبالتالي فهذا ما قد يبرر ندرة سماعه في الأوساط الاقتصادية أو بشكل عام، وهو المصطلح الذي استمد اسمه من مؤلفه ومخترع النظرية الخاصة به وهو السيد ويليام بامول فضلا عن شرك كفاحه السيد ويليام بوين.


زيادة الرواتب التي لا ترتبط أساسا بزيادة العملية الإنتاجية

وهي نظرية تبلور عملية زيادة الرواتب التي لا ترتبط أساسا بزيادة العملية الإنتاجية، وهو الأمر الغير معتاد، حيث أن المعتاد أنك تزيد الرواتب عندما تكون هناك زيادة في العملية الإنتاجية، ولكن مع نظرية بامول فهذا البند والشرط غير متوفر مطلقا. وقد ضربنا مثلا بموظفي البنوك، والذين تزيد رواتبهم بمر الزمن رغم عدم وجود عملية إنتاجية من الأصل، وذلك على العكس مثلا من رواتب موظفي وعمال مصانع السيارات التي تزيد تبعا لزيادات الإنتاج والأرباح وهكذا.

وقد وفر بامول مزيدا من الشرح لنظريته، فقد ضرب مثلا بالأوركسترا الموسيقية، فقد أوضح بامول أنك كي تعزف مقطوعة للموسيقار العالمي الشهر بتهوفن على سبيل المثال، وهي مقطوعة من تاريخ القرن التاسع عشر بالطبع، فإن عدد الموسيقيين الذين تحتاج إليهم هو بالفعل عدد الموسيقيين الذي احتاج إليهم بتهوفن من أكثر من 100 عام من الزمان، ولكن أنظر إلى رواتب موسيقيين اليوم رغم أنهم يقومون بنفس عمل زملائهم القدماء منذ قرون، ولكن رواتبهم أعلى كثيرا جدا من رواتب القدماء إبان فترة حياة بتهوفن نفسه.

وقيس على ذلك أيضا الأعمال التي تحتاج لتفاعل وأنشطة بشرة مثل التمريض على سبيل المثال، فهي لا توج فيها أي زيادة لأي إنتاجية، ولكن أنظر إلى راتب الممرض أو الممرضة اليوم وإلى راتبها منذ قرن من الزمان رغم أن عملهم واحد وثابت! فالممرضة تقضي مثلا نفس الوقت في تطهير الجرح، أو تغيير الضمادة.

وأيضا أساتذة الجامعات، هم يقضون نفس الوقت لتصحيح ورقة الامتحان تقريبا، سواء كان هذا في القرن التاسع عشر أو الآن، ومع ذلك فالفرق في الراتب ضخم رغم عدم وجود زيادة في الإنتاجية أو أساسا إنتاجية من الأصل.

ويريد بامول باختصار أن يوضح في نظريته مدى نقص الإنتاجية في القطاع العام، ومدى ما يعانيه النمو فيها من تدهور، مثل المؤسسات الحكومية كالجامعات مثلا أو المستشفيات العامة، فهي تستهلك عمالة كثيرة من دون أي زيادة إنتاج على الإطلاق أو زيادة نادرة، ويوضح بامول أن هذا القطاع معتمد على فرض ضرائب تزيد على المواطن أكثر من اعتماده على زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة.