الأهرام : هل تفقد السياسة المساجد قدسيتها ؟‏..‏خطباء يناصرون فصيل دون آخر‏..‏ وآخرون يكفرون المعارضين ويدعون علي المختلفين معهم في الرأي‏..‏انقسامات أدت لصراعات واشتباكات أحيانا ليفقد المسجد وقاره وهيبته ودوره الأساسي في الدعوة للأخلاق والتوعية‏..‏ مشكلة هجر البعض بسببها دور العبادة التي أصبحت مسرحا للصراع السياسي‏.‏



ليصدر وزيرالأوقاف الجديد تعليماته بالتزام الخطباء بالمنهج الأزهري المعتدل الذي يجمع الفرقاء بعيدا عن الفتن والصراعات. ويوجه اليوم أول قافلة توعية من كباردعاة الأزهر والأوقاف الي مساجد محافظة الغربية.

من يقول لا للإعلان الدستوري فهو من أهل الفتنة.. وسيراها في أسرته وأهل بيته... هكذا وقعت علي كلمات خطيب الجمعة كالصاعقة.. هكذا يروي أحمد مصطفي, مسئول الإعلام التنموي في مركز أبو تيج بأسيوط قائلا هناك خطباء كثيرون في المحافظة وقراها يؤكدون علي ضرورة اتباع الحاكم وعدم جواز الخروج عليه. حتي أنهم طالبوا المصلين بعدم الخروج في30 يونيو الماضي لان ذلك يعد فتنة وخروج علي الحاكم.. ثم أصبح لديهم مشكلة في كيفية اقناعهم بالخروج تأييدا للرئيس المعزول

أحاديث سياسية وتكفير للمعارضين ودعوات علي المخالفين في الرأي.. بحسب قناعات الخطيب وانتمائه السياسي.أمر أدي كما يعترف أحمد لإلحاد أحد أصدقائه الذي طالما جادل مشايخ المساجد في منفلوط وخرج علي خطبهم جراء انكارهم أن الإسلام دين حرية وديمقراطية لدرجة قول الخطيب أن الإسلام ضد الديمقراطية.



أما حمدي سعيد, مدير مركز أحمد بهاء الدين الثقافي فيقول: في قري مراكز صدفا يركز الأئمة جهودهم لإقناع المصلين بصواب مواقف تيارات الإسلام السياسي متناسين دورهم في تنمية الوعي الضميري وغرس القيم وتنمية السلوك والمعاملات.

ومن أسيوط إلي الشيخ زويد بشمال سيناء تتجلي ظاهرة الإنقسام في المساجد. مروان حميدة تاجر سيناوي يشرح أن كل جماعة تصلي في مساجدها وفقا لرؤيتها. ويستطرد: يزيد من هذا الانقسام الغياب الأمني في السابق وغياب الأزهر الشريف والأوقاف.. فلم نجد شيخ يناقش ويعالج الفكر الديني المتشدد أو يوضح اللبس في بعض الأمور الدينيه لدي عامة الناس.

ومن الإسكندرية إلي أسيوط تلونت خطب المساجد بالوان السياسة..واعتلي بعض المنابر من ينتمون إلي فصيل سياسي دون الآخر لتتحول الخطبة الي وسيلة لللإنقسام والفرقة بين المصلين بدلا من الدعوة للمصالحة وتجميع فرقاء الوطن.

وهو ما أدي إلي هجرة البعض للمساجد او تجنبهم سماع الخطبة..ووصل الأمر إلي مشاحنات واشتباكات بالأيدي في بعض المساجد كما حدث في أحد مساجد مدينه نصر كما يقول شريف عبد العزيز, حيث طرد المصلون الخطيب..في حين رفض المصلون تشبيه الخطيب لمحمد مرسي الرئيس السابق, بالرسول في أحد مساجد المعادي كما يروي خالد زيادة. خلافات أدت إلي صراعات واعتداء مسلمين علي مسلمين في مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.

مما دعا بعض الشباب لتدشين حملة علي مواقع التواصل الإجتماعي بعنوان نزل خطيبك من علي المنبر لو ح يتكلم في السياسة. والهدف هو الحد من الصراع والإشتباك داخل المساجد بسبب بعض خطباء الفتنة والتحريض. وقالوا في دعوتهم: أن الخطيب الذي يدعم القتل والإرهاب والبلطجة في صلاة الجمعة.. قف وقل له اتقي الله.. ونزله من علي المنبر..إنما المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا.

لكن هل من حق المصلين الإشتباك مع الخطيب إن لم تعجبهم خطبته.. وماهو المضمون الذي يجب ان تحويه خطب المساجد خاصة في ظل حالات الإحتقان والإستقطاب المجتمعي. وهل من حقه الحديث في السياسة؟

الإسلام دين ودولة وسياسة وشرع لا انفصل بين أيا منهم, هكذا يري الدكتور محمد ابو ليله استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الازهر مؤكدا أنه لا يمكن أن ننزع الاسلام عن مجريات الحياة وعن ما يحدث في مصر..

فالمنبر من وجهة نظره يمثل وسيله اعلاميه مثل الصحافة والتلفزيون يستخدمها الخطيب ولا يمكن أن نقيض حريته فيها أسوة بالوسائل الأخري.

ويري أنه لا يجوز للمصلين أن يعارضو الخطيب أو يحدثوا شغب اذا تحدث بما يخالف رأيهم, فيتحول المسجد الي ساحه للمعارك وترديد الهتافات.

لكنه أشار أن الخطيب يجب ان يكون واعيا بالمرحلة الحرجة التي تمر بها مصر وان الناس اصبحوا منقسمين فعليه أن يكون أكثر حكمة وألا يصب الزيت علي النار فلا يحرض أو يسعدي فصيل علي آخر خلال خطبته.

من جانبه يري الشيخ شوقي عبد اللطيف, وكيل وزارة الأوقاف السابق أنه لا يمكن ان نفصل الدين عن السياسه ولكن علي السياسه ان تكون خادمة للدين و ليس العكس فالدين أعلي وأفضل مشيرا الي ان الامام لابد ان يكون علي الحياد بين جميع الاطراف وان ينأي بنفسه من الانحياز الي فصيل بعينه...

لكن الشيخ أحمد تركي, أزهري من دعاة الأوقاف يري أن الدعوة الإسلامية ليست محلا للنزاع السياسي.. انما هدفها الحكمة والموعظة الحسنة والدعوة للأخلاق.. وأنه لابد من إبعاد المساجد والمنابرعن الصراعات السياسية لا مع النظام أو ضده.. من المؤكد أن المساجد لها دور وطني أثناء الحروب والكوارث والأزمات.. لكن ذلك بتوحيد الأمة لا تفريقها

ويلقي الشيخ ترك بمسئولية هذه الفتنة علي أعتاق النظام السابق قائلا: قام الإخوان بالسيطرة علي منابر المساجد والدفع بخطباء لدعم النظام في مواجهة خصومه.

المساجد من أهم مؤسسات التربية الخلقية وبناء الوعي عند المواطنين ولها تأثير علي الجميع, هكذا وصف دورها د. أحمد يحيي عبد الحميد أستاذ الإجتماع السياسي. لكنه أشار إلي تحول بعضها منذ فترة الي أبواق دعاية للسلطة السياسية وتم تسيس الدعاة لخدمة الحكام لتبدأ في الإنغماس في السياسة. في السنوات الأخيرة بدأ هذا الدور في التزايد وتجلي ذلك خلال ايام الثورة ثم ما استتبعه ذلك من استغلال الإخوان والسلفيين للمساجد وتوظيفهم لها لأغراضهم السياسية. وذلك لمحاربة كل من يخالف مشروعهم الإسلامي الذي تبين عدم وجوده الا في عقول أصحابه.

وأضاف: وصف الخطباء من يعادي هذا المشروع بالكفر والإلحاد لكن الشعب الذكي أدرك المؤامرة ورفض كل ما يدعو الي الإقصاء والتهميش ولكن للأسف لم تعد المساجد والدعاة الي طريق الصواب.. فاستمر الهجوم علي الآخر المخالف في الرأي.. ووبدأت كثير من الإنشقاقات والصراعات وانعكس ذلك في الشارع.. وزاد الإنقسام بسبب دعاة الفتنة ممن سعوا الي تعميق حالة الإنقسام..وهو المؤسف أن يخرج المسجد عن دوره وينغمس في السياسة بما لها وما عليها. والدعاة كما يقول صنفان.. إما دعاة حق أو دعاة فتنة.. ونحن أحوج ما نكون إلي دعاة الحق وأن تستخدم المساجد للدعوة لتماسك المجتمع لا لتعميق الإنقسام والصراع والتكفير.

لذا دعا د. أحمد يحيي وزير الأوقاف الجديد لعمل دورات تثقيفية للدعاة وتفعيل تفتيش الوزارة علي المساجد لأنها أخطر علي الأمة من أ ي مؤسسات أخري.

دعوة تزامنت مع خروج أول قافلة من عدد من كباردعاة الأزهروالأوقاف الي الغربية لالقاء خطبة الجمعة في مساجدها. خطوة أولي كما صرح مصدر مسئول في وزارة الأوقاف قائلا: ان الوزير محمد مختار جمعة اصدر بالفعل تعليماته بأن يلتزم كل خطيب بمسجده وأن يتبني في خطبته المنهج الأزهري الوسطي المعتدل السمح الذي يجمع الفرقاء ويقف من الجميع علي مسافة واحدة.. ويلتزم بالدعوة الإسلامية بعيدا عن الصراعات السياسية وعن الفتنة بين الناس. قائلا: من يتعدي حدوده ويخرج عن المنهج الوسطي يتم استدعائه..ونقوم بالنظر في شكاوي المواطنين من خلال لجنة للبت فيها خلال خمسة أيام.

فلابد أن يحرص الإمام علي أن هدف خطابه الدعوي هو التعريف بالاسلام وتصحيح المفاهيم الدينية وارشاد الناس الي الطريق المنجي لهم في الدين و الدنيا من اجل اقامة حياة انسانية افضل. وهو ما يؤكده د. محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية. قائلا أن ما يحدث من ذبح الدين والأخلاق علي مسرح السياسة انحراف عن دور الخطباء. ولم يثبت ان رسول الله او الخلفاء الراشدين تناولوا في خطبهم الدعاية لشخص معين او تزكية احد لتقلد احد المناصب بل كان تحذير الرسول دائما من تولي الامارة وطلبها لانها يوم القيامة خزي و ندامة مشيرا إلي أن الاسلام بريء من الخطب التي تصف الناس بانهم مجتمع ايمان وغيرهم مجتمع كفر. أو كما يقال قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. هذا كلام لا يمت للدين الاسلامي بصلة.. لكنها متاجرة ومزايدة واساءة للدين. فلا يصح للخطيب التعرض لإسلام وإيمان أي انسان وتكفيره والحكم علي علاقته بالله.


تحقيق ‏:‏ دعاء خليفة ونرمين قطب3662طباعة المقال
الجمعة 24 من رمضان 1434 هــ