بيروت (رويترز) - ترى الكاتبة المصرية نجلاء علام في روايتها "الخروج الى النهار" ان العالم وصل الى حال كابوسية من الآلية والجفاف العاطفي والظلم وان الخلاص الوحيد له هو الحب والتعاطف مع الاخرين.



رواية نجلاء علام على بساطة ما فيها من حلول لا تتسمم بالبساطة من حيث صياغتها بل هي رواية فكرية رمزية تكاد تكون معقدة وهي في بعض اقسامها تذكرنا بأعمال تتحدث عن انقلاب العلم الى عدو لحياة الانسان ووسيلة اضطهاد له كما نجدد مثلا في رواية "1984" لجورج اورويل.

وهي تذكرنا بأكثر من ذلك.. بتحويل العلم والتطور حياة الانسان الى كابوس واستعباد كما نشهد في رواية "عالم شجاع جديد" لالدوس هكسلي.

جاءت الرواية في 107 صفحات متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنانة ايمان اسامة وقد صدرت عن دار الادهم في القاهرة.

البداية هي مع قصة الخليقة بعد نشوء الكون. قصة آدم وحواء وابنيهما قايين (قابيل) الغاضب وهابيل اللين الناعم ونهاية هابيل على يد اخيه حسدا وغيرة.

وكأن نجلاء علام تريد ان تقول ان العالم منذ البداية يشده التنافر على رغم ما فيه من تجاذب. ويبدو هذا الامر عندها مبكرا حتى قبل قصة قابيل وهابيل اذ ان هذا الامر سمة تميز الكون منذ نشوئه في ما سمي الانفجار الكبير.

تقول "كرة مثقلة بالغازات وبأقدار من سيأتون عليها... ثم انفجار هائل يجعل كل جزء يجري الى مدار... كون استقر بعد عراك... كون يسأل نفسه لماذا كانت اجزاؤه تتنافر عند الاتحاد والآن بعد الانفصال نشأت جاذبية جعلت كلا منها يدور في فلكه دون ان يلتصق بأخيه او يفلت الى اعماق سحيقة... وجاء الانسان."

نقفز بعد ذلك الى عالم بعيد جدا في الزمن.. عالم التطور الحديث الذي صار نقيضا للمشاعر والعواطف الانسانية. فرضت على الانسان طبقية قاسية في هذا العالم المتطور الميكانيكي الجاف. حكم على بعض الناس بالحفر في الارض. اثنان -هو وهي- استطاعا النجاة من انهيار ارضي فسجنا تحت الانقاض في ظلام شديد. صاروا يرمون اليهما بالطعام والشراب.

العالم كان ينقسم الى خمس مؤسسات تديره "ودون الانضمام لاحداها لا مكان لي على الارض." الالوان الخمسة هي الاحمر الناري والاسود والذهبي والبنفسجي والفضي.

هذا العالم الشديد الطبقية كأنه عالم الطبقات الهندي القديم وفيه المنبوذون. الانسان هنا يخضع لنظام خاص يفقد فيه اسمه ويعطى رقما بدلا منه وتمنع عليه ممارسات كان يقوم بها قديما ومنها مثلا لغته كما حدث لها ولامها التي بقيت تصر على التحدث بلغتها.

انه عالم اخذ الاكسجين يتناقص فيه وكل من يزيد استهلاكه منه على حد معين يعاقب. والارض تزداد سخونة "وكنا نحسد الانسان المدلل الذي عاش عصر الفصول ورأى تقلبات الجو بين البارد والحار." انه عالم بلا طيور ولا حشرات نتيجة اطلاق موجات كانت تقضي عليها.

تقول عن والدتها اما ما قضى علينا تماما فهو اصرارها على مناداتي باسم وكنت قد رقمت منذ الولادة وحصلت على حرف 232ف... نتيجة ذلك احتجزنا فترة طويلة. تبرأت منها ومن لغتها" ووضعت هي قيد المراقبة ونفيت امها.



وعرض عليها العمل "حاضنة" بويضة من امرأة ذات صفات خاصة تعالج جينيا "وكيف ستكون صفات هذا الطفل المخلط المصنوع اساسا لإجراء التجارب عليه." انها تحضنه تسعة اشهر تعامل خلالها كملكة النحل.

وهي اصلا طفلة فيزيقية جاءت للحياة نتيجة علاقة بين ذكر وانثى مما وضعها دائما في المرتبة الثانية. الطفل الفيزيقي اضعف قدرة من الطفل المعدل وراثيا الذي هو اشبه بسوبرمان صغير. الذكر الذي يقوم بعلاقة فيزيقية مع امرأة ينفى بينما تستخدم الانثى في ادنى الاعمال واحيانا تجمد ويستفاد من اعضائها.

تسير الرواية على خطين.. خط المحاصرين وسط الركام وخط الافكار والاخيلة التي تتجاوز هذا الحصار الرهيب.

يتساءل الاثنان عن الحياة وهما على شفا الموت وتسيطر عليهما مشاعر محرمة اذ نشأت بينهما علاقة راقية على رغم الظلام. تتساءل "ولماذا قالوا لنا ان المشاعر هي سبب نكبة البشرية وزوال السابقين وحرموها علينا." الغاية هي خلق ناس آليين بحجة ان العقل هو الطريق. واخترعت آلات لسحب الشحنات الكهربائية الزائدة اي لمكافحة المشاعر.

وعلى غرار قصص الخيال العلمي وبعض الافلام فقد ركبت للانسان شريحة معلوماتية عوضا عن ذاكرته. اما الكتب فقد وضعت في الثلاجات "هذا ورق كان الانسان يستخدمه في الماضي للكتابة عليه" يخبئون الكتب "كي لا نصاب بالتشويش فهي تحتوي شيئا مختلفا عما حفظ داخل الشريحة" المعلوماتية.

في الحفرة انتزعا الشريحة وعادا الى كلمات ومشاعر لم يعرفاها من قبل. وضع يده على جسدها فلم تثر فيه رغبة بل سيطر عليه الحب "الحب.. نعم تلك هي الكلمة التي كنت تبحث عنها. ويدك على جسدها لم تثر فيك الرغبة الجامحة بل اثار فيك الميل اليها والاستئناس بها حين لمستها كبداية حياة جديدة." اسماها ديمة واسمته جبل. اما هي فتقول "اشعر ان الحفرة صارت بيتا ووطنا انا التي لم اعرف معنى الانتماء.. حتى امي خنتها."

كانت قد زرعت نواة في الحفرة وسقتها وما لبثت النواة ان نمت وصارت شجرة كبيرة. وبتشجيع من طير هو الهدهد وفي نوع من الصوفية يطيران ويخرجان من الحفرة. وفي ما يذكر بنظرية "الالتزام" القديمة في الادب ننتقل معهما الى ميدان التحرير في القاهرة مع جموع ثورة 25 يناير كانون الثاني ومن بعد ذلك الى بلدان ما سمي الربيع العربي.

وفي حديث بين مجموعة من الشبان والشابات العرب تتخوف احداهن من المد الاسلامي في ثورة مصر. قلت لها "هذا الامر لا يقلقني كثيرا خاصة انني اعول على طبيعة الانسان المصري... التي تنفر من القيود والمغالاة."

وعن المشاعر التي انتابتها في ميدان التحرير تقول "وكأنني كنت مسحوقة في حفرة بقلب الارض ثم خرجت الى النهار. اية مشاعر ارقى من تلك المشاعر التي نبهتني الى انسانيتي." وتحدثت عن الحرية والكرامة اللتين يستحقهما الناس.

تكتشف انها حامل وأحس هو بحنان وعطف وهو يلمس بطنها.

تتحدث عن الجموع الفرحة وتقول "كأننا كنا لهم البشارة وكأنهم كانوا لنا البشارة." وإذ جاء المخاض كان هناك مولودان صغيران "قلت لهم هذا آدم وهذه حواء."

وختمت بالقول محذرة من سواد مخيم فوق الرؤوس "لففناهما بقماش ابيض يكسوه العلم. صعدنا الى اعلى منصة في الميدان. قالوا انهما التجسيد الحي للانتصار. رفعناهما وسط هدير اليشر... لكن كان هناك غراب اسطوري يحلق في السماء."