بسم الله الرحمن الرحيم





بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فاعلٌ ومُفعَّلُن
( تعقيب على حلقة د. محمد الأحمري في العربية)

يُعرف فساد الرأي بالنظر في القول والقائل وسياق الحال الذي يعرض في الرأي . فإن كان القول قولاً فجاً لا يستند لدليلٍ صريح ولا يؤيده عقلٌ صحيحٌ فهو قولٌ فاسدٌ لا يراد به الإصلاح وإنما الفتنة بين الناس ، وإن كان القائل ممن اشتهروا بحرب الدين والمتدينين فهذه أمارة من القائل على فساد رأيه بداية حتى يتبين لنا شيءٌ آخر ، أو كان المتكلم يتكلم بقضايا مردودٍ عليها ، ويدعو إلى تجربة فشلت عدة مرات أمام أعيننا .. يريد استيراد المستعمل المتهالك الذي فشل غيرُه في زرعه بيننا بالبيان والسنان ، بل وفشل في بلده أيضاً .. إذا كان المتكلم يجتر كلاماً قد قيل مراراً على أولياء الأمر من العلماء والساسة .. كهنوت .. وسحر .. وانغلاق في المجتمع والعقول .. ولابد من الحرية .. وأن حياة السلف ( السلفية ) ثقافة فقط للأزمات ، وأن الغرب لم يستفد منا غير الأرقام ، فهذه أمارة على أن الرأي ليس للإصلاح . لأنه يتعاطى قضايا ردَّ عليها من قبل ، ويجرب ما تم تجريبه عدّة مرات وفي كل مرة فشل .

وسياق الحال الذي يعرض فيه الرأي أوضح الشهود على فساد الرأي حالاً أو مآلاً ، فحين تجد قناةً فضائية ناطقة بـ ( العربية ) تَْنصر الدولة اليهودية العبرية والأمريكية العلمانية ، وتثور على الأقلية المستمسكة بدينها المطالبة بحقها التي يذبح أبناؤها ونسائها وشيوخها .. حين ترى مثل هذه المعوجَّةَ تتبنى رأياً فهو رأي فاسد ، ولا تشك في هذا ؛ وفساده قد يكون منه وقد لا يكون منه .. قد يكون صالحاً لَـحِقَهُ الفساد بدخوله هذه المعوجة والتحدث منها ، كما يقول أهل الأصول ( حرام لغيره ) ، وهو قبل تبني هذه المعوجة له صالح يسُمع إليه ويؤخذ به أو يرد عليه.
وقد يردُّ على القول بالحجة ( البيان ) ، وقد يرد عليه بالتأديب ( العقوبة ) ، أو بالاثنين معاً العقوبة والبيان ، وهذا على حسب حالِ المتكلمِ وكلامهِ [1]

ولا أفهم أبداً أن أفكاراً تولد على الخمسين أو تحت الخمسين أو فوق الخمسين بقليل ، ما يحدث من تغيرات مفاجئة على بعض الفاعلين في الساحة الإسلامية حين يتجاوز الخمسين عاماً تكون في الغالب انطلاقة لحبيسٍ يئن بين الضلوع ولم تكن تراه العيون ، أما الأفكار ، وأما المفاهيم ، وأما المصلحون فإنهم جادُّون من يوم ركوبهم على الصراط المستقيم ، تنضج أفكارهم نعم ، ويصوبون أخطائهم نعم ، وينصحون من حولهم وينصحهم من حولهم نعم ، أما أن ينقلبوا على ما عاشوا عليه حيناً من الدهر فلا .. ولا .

إن هؤلاء الذين يتغيرون فجأة .. لا يتغيرون فجأةً على الحقيقة ، ولكن يظهر ما بداخلهم فجأة للبعيد عنهم فقط ، أما القريب منهم فيعرف من حالهم ما يرشده لو كان يتدبر ، كما قال الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ )[2] فهو فيما يبدو للناس .

لأقول :
أصحاب الخمسين والستين ليسوا مجددين ولا مصلحين ، وإنما هم باحثون عن ذواتهم ، تحرك ركب التاريخ من أمامهم ويريدون اللحاق به ، أو مكبوتون واتتهم فرصة فانفلتوا .
وهم مخطئون فما عند الله خير وأبقى .. ما عندنا ينفد وما عند الله باق . {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل96 فمن وجد فسحة فليحمد الله ، وليعلم أنه محاسب ، ومن لم يجد فسحة فليصبر وليحتسب ، فما هي إلا أيام ونكون بين يدي الله .

هذه النماذج لا تجهل وجاءت تتعلم ، وإنما عندها ما تريد فرضه علينا .. سواء أكان الرأي أم شخصها ، فلا يكون الجواب عليها تنظيراً فقط ، وإنما تنظير وتصدي على أرض الواقع ، بمواجهة مشاريعها إن ثمت مشاريع ، أو غرس شجرٍ جديد على مقربة منها .
هذا الظلام الساقط علينا يذهب بمشعلٍ نضيئه .
هذا الظلام الساقط علينا له منطلقات وأهداف غير منطلقاتنا وأهدافنا . وإنه يكذب علينا ، ويغرر بضعافنا .وإنه يخوض تجربةً خاضها كثيرون قبله ولم ينجحوا .
إنه ينادي بديمقراطية تعني الحكم بغير ما أنزل الله ، وإن نموذجه الذي يدعو إليه شاخص أمام أعيوننا تشيع فيه الفاحشة ، وقطيعة الرحم ، وسوء الجوار ، والمال دولة بين الأغنياء ، وبأيديهم يقتلون الأبرياء ، فماذا جنينا من الديمقراطية وقد رحب بها السابقون ؟ تحدثك العراق والأفغان والصومال وأبو غريب وجونتانامو .
فلنا أن نسأله وحقنا عليه أن يجيب : مثل من يريد منا أن نكون ؟ إن كل الأمثلة شاخصة أمام أعيننا وكلها سيئة لا يرضى به مسلم ، و والله ولا عاقل !!
وإنه لا يملك نموذجاً يقدمه لنا ، فهو يعترف بأن كل الديمقراطية غير مرضية ، ومع ذلك يدعوا إليها !! .. إنه عوج في التفكير .
وإنه يتكلم عن دنيا ، ( والله يريد الآخر ) . فنحن نعبد الله وندعو الناس لعبادة الله ، نطلب بذلك رضوان الله . والدنيا لم تكن يوماً هدفاً بل وسيلة .
وإنه يكذب علينا ويقول بأن رؤوسَنا وولاة أمورنا كهان وسحرة . والكهانة تعني الانفراد بأمر الدين ، وتعني أن مصدره الشياطين ، وتسمع الكهانة فلا يأتي بخاطرك سوى الظلام والاستبداد والجهل والتخلف وتنقلك ظلال الكلمة إلى الجاهلية الوثنية .
وأين هذا منا ؟
أرني عالماً لم يرد عليه ؟!
أرني مُبرزاً في الناس لا يرد عليه ؟
ألسنا من نردد وننفذ ( كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ) ؟
وشريعتنا ليست شريعة الكهان ، وإنما تنزيل رب العالمين نزل بها الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين .
فأين الكهانة ؟!

وإنه يدغدغ مشاعر الضعفاء ، ويمنيهم بنور يبدد الظلام ، وعلينا أن نتحدث للناس ، نبين لهم أنها تجربة فاشلة ، وأنها كاذبة خاطئة .

من الخطأ جداً أن نشخص هذه الحالة على أنها رأي جديد يتطلب الرد عليه برأي آخر ، فهو كلام مكرور ، وليس كل قول يتطلب الرد عليه بقول مماثل ، ومن الخطأ تماماً أن يقتصر التشخيص على شخص المتكلم ، بل عند التدقيق لا تكاد تنظر للمتكلم إلا أنه مستفعلن أو مُفعَّلُن من قبل الناطقين بـ ( العربية ) .

ـ من قبل خرج الشاذون فكرياً ـ قاسم أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق وأمثالهما ـ على الأمة المصرية المسلمة بآرائهم الغريبة البغيضة ، ولفظتها الأمة كلها ، حتى أنك تعد المؤيدين لهم عدَّا ، وتَجَمَّعَ أهل العلم والخير للرد عليهم بأقلامهم وألسنتهم ، ولم يفلح شيء من هذا . ذلك لخطأ في التشخيص يومها لم يفهم إلا متأخراً .!
ظن القوم أن المعركة داخلية وأن أفراد منا خرجوا علينا ، ولذا توجهوا إليهم بأقلامهم وألسنتهم ، ولم يكن الأمر كذلك ، كانت المواجهة مع الآخر ، وكان هؤلاء الشاذون فكرياً أداة بأيديهم يحاربوننا بهم ، هم الذين صنعوهم .. أو اكتشفوهم .. وهم الذين فعَّلُوهم .. وهم الذين مكَّنوهم ثم رحلوا وتركوهم لنا بعد أن شبُّوا واشتدوا .

بان بالتجربة أن الآخر هو الفاعل ، وأصحاب الشذوذ الفكري هم المفعلون .
بان من التجربة أن الرد العلمي وحده لا يكفي .ولا أقلل من أهميته وضرورة أسبقيته!!
بان بالتجربة أن الذي صدَّ المد العلماني في مصر هو سيد قطب ثم الدعوة السلفية القادمة من الجزيرة العربية . ونجحت الدعوة السلفية المنبثقة من مصر والقادمة من نجد في صد المد العلماني حين أقامت واقعاً يتحرك بين الناس ، حين اتجهت إلى الناس تعلمهم وتربيهم على ما كان عليه سلفنا الصالح .

إن الرد الحقيقي على هؤلاء الشاذين فكرياً .. المفعَّلين .. وعلى من ورائهم ( الفاعلين الحقيقيين ) في حلقات التحفيظ ، وفي الطاهرات الطيبات العفيفات اللاتي يربين أبنائهن على الفضيلة . وفي الوجوه البيضاء التي تدعو الناس بفعالها قبل أقوالها . وكشف عوارهم وسوء مقالهم جزء من الرد .


محمد جلال القصاص
ليلة السبت 14/2/2008
-----------------------------------------
[1] انظر تقديم الشيخ رفاعي سرور ـ حفظه الله ـ لكتاب الكذاب اللئيم زكريا بطرس .
[2] البخاري / 3885

صيد الفوائد
أنتهى

ويأتى هذا المقال ربما رداً على مقابلة للأحمري على قناة ( العبرية ) كما يلي نصها :

محمد حامد الأحمري لـ"إضاءات": مرجعية "المشايخ" تقود للتخلف
كاتب سعودي: قيادة المرأة للسيارة يليق بها أكثر من ركوب الحمار





دبي- العربية.نت
انتقد الكاتب والمفكر الإسلامي السعودي، الدكتور محمد حامد الأحمري حرمان المرأة في بلاده من قيادة السيارة، معتبرا أن السيارة "أسهل وأليق لها من ركوب الحمار"، كما انتقد وجود "مرجعية المشايخ" في المجتمع السني، معتبرا أنه دلالة على عصور التخلف.

ويبث حوار الأحمري مع برنامج "إضاءات" الذي يقدمه الزميل تركي الدخيل على قناة "العربية"، الجمعة 6-2-2009، ويعاد السبت عند منتصف الليل.

وكان الأحمري قد واجه، الشهر الماضي، حملة من قبل بعض الكتاب السعوديين، لاحتفائه بالديمقراطية التي أدت إلى تنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، فيما هي غائبة عن المجتمع الإسلامي، كما يقول.

وقال المفكر الإسلامي: إن الإسلاميين في بلاده كانوا يتعلقون بقضية صغيرة "وهي مسألة دمج تعليم البنات مع وزارة المعارف، وفشلوا في ذلك، مشيرا إلى أنهم يجندون أنفسهم الآن ضد قيادة المرأة للسيارة" على حد قوله.

وأضاف: "إذا قادت المرأة السيارة، ماذا يحصل؟ لن يحصل أي شيء. هذا حق من حقوق الإنسان في أي مجتمع. وركوب الحمار والبعير أصعب من قيادة السيارة، فأسهل وأليق للمرأة أن تستخدم جميع وسائل عصرها".

وتابع: "هم يقفون ضد قيادة المرأة للسيارة، لأن الجاهل عدو ما يجهل، وأعني بذلك ضعف معرفة الإسلاميين بالعالم، وبما تحقق للناس".

وفي موضوع آخر، انتقد الأحمري نشاط الإسلاميين وآليات عملهم، معتبرا أنهم من أشكال "الكهنوت".

وأوضح أن "هذا يحصل عندما تزيد الوصاية، فنحن مثلا لم نجد مرجعية المشايخ إلا في عصور التخلف والضعف، في حين أن المجتمع الإسلامي أصلا هو مفتوح، كما حصل في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث كان الناس تعترض بمقدار مستوى المعلومات البسيط، ولكن الآن إذا تحدث الشيخ يسكت الآخرون".

وأضاف أن الأصل في المجتمع السني أن يكون منفتحا، وألا يرجع إلى مرجعية المشايخ كما يفعل مجتمع الملالي.

وفي سياق الحوار، تحدث المفكر محمد حامد الأحمري عن فكرة الحاكمية، وقال: إنه "لا صراع بين الحاكمية والديمقراطية".

إلا أنه أضاف أن "ما حصل.. أن الحاكمية حصلت خلال الاحتلال البريطاني للهند، والمودودي هو من أثارها، ثم نقلها منه سيد قطب الذي اهتم بهذا الأمر بالتفصيل؛ لأن الإسلام كان قد ابتعد عن الحكم نظاميا وقانونيا، وتلك الفترة انتهت، والآن يجب أن يشارك المسلمون في حكم أنفسهم من خلال الديمقراطية".


أنتهى.