دويتشه ﭭيله : تنتشر الأحكام المسبقة والخوف من الأجانب في ألمانيا بشكل كبير كما تزداد المخاوف لدى البعض من الدين الإسلامي. فلماذا يخشى بعض الألمان ماهو غريب عليهم؟



المحاسبة في المتجر امرأة محجبة، فيما يتم توزيع نسخ من القرآن في مراكز التسوق بالمدن المختلفة. أما المساجد التي كانت مخفية في الماضي في الساحات الخلفية للبيوت، فقد انتقلت إلى الواجهة بمبان ضخمة وحديثة، لتتحول إلى واقع ملموس في قلب المجتمع. إذاً، أصبح الإسلام جزءاً من الواقع الحقيقي في حياة الألمان، وهو أمر يثير المخاوف لدى كثيرين.

في هذا الصدد، تقول إحدى الأكاديميات في مدينة كولونيا، والبالغة من العمر 39 عاماً: "بصراحة تامة لقد ناضلنا لعقود عديدة من أجل المساواة، وحققنا الكثير في هذا المجال. والآن تتحجب النساء طوعاً، وهذا ما يثير الخوف في نفسي وأرفضه تماماً". مواقف كهذه ليست نادرة هذه الأيام. وفي خضم النقاش الساخن حول مشروع بناء مسجد كبير في كولونيا، ظهرت مخاوف سكان المدينة الألمان بشكل واضح إزاء دين كان حتى الأمس القريب غريباً عليهم. ويبدو أن هذه المخاوف منتشرة أكثر مما كان متوقعاً.

خوف من التطرف
وينفي السياسي المحافظ فولفغانغ بوسباخ، من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أن يكون في المجتمع خوف عام من الإسلام. لكنه يستدرك ويضيف أن هناك قلقاً مبرراً إزاء المتطرفين الإسلاميين، حيث يعيش في ألمانيا حوالي 40 ألف ممن يعتبرون متطرفين إسلاميين. ورغم عددهم القليل، إلا أن المشكلة تكمن في ميولهم إلى العنف، مما يجعلهم خطراً ملموساً.


فولفغانغ بوسباخ من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي

ويضيف بوسباخ: "من نطلق عليه تسمية الخطير، أي من يمارس العنف من منطلق ديني، يشكل خطراً واقعياً لأمن ألمانيا". ويتابع السياسي الألماني أن الأمر لا يتعلق بمجرد تصور الخطر، وإنما يتعلق بتهديد ملموس، مضيفاً: "حقيقة أن ثمانية اعتداءات أحبطت أو فشلت أثناء التنفيذ توضح أن التهديد واقعي". لكن عناصر جهاز حماية الدستور (المخابرات الداخلية) يتحدثون في هذا السياق عن فئة قليلة.

وفي الحقيقة، يشكل المتطرفون الإسلاميون أقل من واحد في المئة من مجموع المسلمين في ألمانيا، إلا أنهم يساهمون بشكل أساسي في رسم صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين في البلاد، ويدعمون بسلوكهم نشر الأحكام المسبقة والمخاوف بشأن دينهم، وبالتالي يساهمون في ترسيخ ظاهرة معاداة الإسلام في ألمانيا.

ظاهرة الاغتراب منتشرة بشكل واسع
من جانبها، أجرت جامعة بيلفيلد على مدى عشر سنوات استفتاءات للرأي تمحورت حول أوجه المعاداة للإنسان. وشملت الاستفتاءات موضوع الإسلام، وكانت النتيجة أن الخوف من هذا الدين منتشر بشكل أوسع نسبياً، إذ قال فقط 19 في المئة ممن شاركوا في الاستفتاء إن الإسلام يتفق مع الثقافة الألمانية.


الخبير الاجتماعي النفسي أندرياس تسيك

وحول ذلك يقول الباحث الاجتماعي والنفسي أندرياس تسيك، الذي أعد الدراسة وأشرف عليها، إنها أقل نسبة موافقة في عموم أوروبا حصلنا عليها. كما أظهرت الدراسة أن 46 في المئة من الألمان كشفوا عن وجود مخاوف لديهم من المهاجرين في المجتمع، فيما عبرت نسبة 30 في المئة من الألمان عن مخاوف خاصة، مثلاً من اعتداءات إرهابية. وإذا كان العدد الأكبر من المسلمين في ألمانيا مسالمين ولا يميلون إلى العنف، فلماذا، إذاً، ينتشر الخوف من الإسلام على نطاق واسع؟ وما هي مصادره؟

بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر2001 في الولايات المتحدة، ترسخت صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين في المجتمع فيما يخص بعض الصفات العامة، كما يقول الباحث الاجتماعي تسيك، ويضيف: "حتى بعد مرور كل هذه الأعوام على تلك الاعتداءات، لم يتحرر المجتمع بعد من تلك الصور النمطية، فمثلاً يربط الكثير من الناس الإسلام أو المسلمين بالإرهاب أو بالشريعة وبدين غريب عنهم لا يتفق مع ثقافتهم الألمانية".

ويعتبر تسيك هذا الأمر مشكلة. فقسم من الألمان يشعر حقاً بالخوف من المسلمين أو من الإسلام، فيما ينجرف القسم الأكبر من المجتمع الألماني إلى "الشعارات الشعبوية"، كما يقول تسيك، ويشير إلى وجود حركة سياسية في المجتمع منذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول، التي ترتبط بشكل وثيق مع المخاوف المفترضة من الإسلام، إذ يستثمر القائمون على هذه الحركة الخوف من المسلمين بشكل لا يصدق.

الشعبوية تثير المخاوف
ومن أبرز الأمثلة على الحركات الشعبوية هي الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل " برو إن إر فيه"، أي "من أجل ولاية شمال الراين ويستفاليا"، وحزب "برو دويتشلاند"، أي "من أجل ألمانيا"، التي شنت حملة دعاية شرسة وصلت إلى أقصى حدود المسموح به ضد بناء مساجد في حي إيرنفيلد في كولونيا وفي مناطق أخرى من ألمانيا.


تظاهرة احتجاجية ضد بناء المساجد في ألمانيا لجماعة "برو دويتشلاند" اليمينية الشعبوية

الحملة كانت تحمل بين طياتها رسالة واضحة مفادها أن الإسلام خطير ولا مكان للمسلمين في ألمانيا. وبات واضحاً أن استغلال الإسلام سياسياً لا يقوم به المتطرفون الإسلاميون فحسب، بل واليمينيون الشعبويون الألمان والأوربيون أيضاً، وهذا يساهم في الإساءة إلى الدين الإسلامي.

لكن أستاذ علم الاجتماع الديني ورئيس قسم الدين والسياسة في جامعة مونستر، ديتليف بولاك، ينصح في هذا السياق بضرورة التمييز بين مصطلحات "الخوف" و"إسلاموفوبيا" وبين "معاداة الإسلام". ويبرر بولاك بأن الخوف المنتشر عن الإسلام على نطاق واسع هو شعور غامض في المجتمعات الغربية، فيما تعتبر معاداة الإسلام حكماً مبنياً على قيم معينة. ويشير الأستاذ الجامعي إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي ظهرت بالتوازي مع ظاهرة معاداة الأجانب مطلع تسعينيات القرن الماضي أو ولدت في أحضانها، ويعتبرها مبنية على البنى الاجتماعية في المجتمع والتغييرات التي طرأت عليها. ويتابع بولاك بالقول: "هذا يعني أن الذين يشعرون بالغبن الاجتماعي يميلون أكثر من غيرهم للإحساس بالاغتراب أو الشعور بالإسلاموفوبيا".

الخوف: صفة ألمانية بحتة؟
لكن لماذا ينتشر الخوف من الإسلام في ألمانيا، المعروفة بقوة اقتصادها، أكثر من غيرها من البلدان الأوروبية؟ يجيب ديتليف بولاك عن ذلك بأن الأمر قد يتعلق بالبنية الكبرى في المجتمع، موضحاً أنه "لا يتم مناقشة الكثير من المشاكل المتعلقة بتعايش ثقافات متعددة أو إثنيات متعددة في المجتمع والتي يشعر الناس بالخوف منها. وما يميز الإنسان الألماني بشكل خاص هو رغبته في أن يكون تصرفه لائقاً ومقبولاً، وأن لا يناقش المشاكل بشكل مباشر. ويعني هذا دفع المشاكل جانباً إلى حين".

ويتابع المحاضر في جامعة مونستر: "ليس عجيباً، إذاً، أن يتراكم لدى الألماني كم هائل من الأحكام المسبقة والمخاوف والشعور بالتهديد ... لكن عندما لا يتم التعبير عن المخاوف بشكل واضح، لا يمكن إزالتها أيضاً".

ويمكن التعامل مع المخاوف بشكل بناء، من خلال طرح حجج معقولة ومحاولة التأثير عليها بهدف أن تقلل من الطابع المهدد للمخاوف. كما يلعب التثقيف والتوعية دوراً مهماً في هذا الشأن. وربما يمكن للمسجد الكبير الذي سيفتتح في كولونيا الربيع المقبل أن يساهم بشكل كبير في التقليل من المخاوف، إذا جرى العمل فيه في ظل أجواء من الثقة والشفافية.