‫سويس إنفو : يتعزّز موقع زيورخ العاصمة الإقتصادية يوما بعد يوم كعاصمة سويسرية للفنون المعاصرة. ويوفّر مركز لوينبروو Lowenbrau للفنون والإستخدامات الثقافية المتعددة فضاءً رحبا يمكن لمنظمي المعارض، وللناشرين، وبائعي الكتب الإستفادة منه في أنشطتهم المتنوعة.


بعد عامين من الأشغال، أعاد مركز لوينبروو للفنون والإستخدامات الثقافية المتعددة
في زيورخ فتح أبوابه بوجه الجمهور. (Keystone)

كان لاختفاء عشرات الآلاف من مواطن الشغل في المجال الصناعي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عواقب وخيمة على العديد من المدن في أوروبا والغرب عموما، وزيورخ واحدة من تلك المدن. لقد أغلقت العديد من المصانع، ومن المعامل من شتى الأحجام في ضاحية أورليكن، وفي شمال المدينة وفي غربها.

واليوم، يطلق على تلك الأحياء "أورليكن الجديدة"، أو"زيورخ – الغرب"، وباتت مساحاتها مغطاة بمبان مصممة على الطراز الحديث. وبالنسبة لروث غينّر، عضوة المجلس البلدي عن حزب الخضر، فقد أصبحت هذه الأحياء شبيهة بـ "الفراشات بعد تحوّل عميق".



هذا ما أعلنته روث في شهر يونيو الماضي خلال افتتاحها لمهرجان "الفن والمدينة"، وتقديمها تعريفا أوّليا بمركز "Lowenbraukunst" للفنون المعاصرة الذي استأنف نشاطه بعد سنتيْن من التجديد والترميم بإشراف مكتب جيغون/غيار، وتم افتتاحه رسميا في موفى شهر أغسطس 2012.

لقد غزا الفن "زيورخ – الغرب" منذ منتصف الثمانينات. واستفادت العروض الأولى من الفضاءات الرحبة التي كانت متاحة داخل المصانع المهجورة. ورغم الوجوم الذي كان يخيّم عليها، إلا أنها كانت مرافق مناسبة للأعمال التي كانت تعرض آنذاك. أما المكان الذي يحتله الآن مركز «Lowenbrau» للفنون المعاصرة، ومتحف ميغرو، غضافة إلى بعض قاعات العروض فقد كان في الأصل مصنعا قديما لإنتاج الجعة.

ومنذ افتتاح هذا المركز، لم تتوقّف شهرته، وشهرة زيورخ عن غزو الآفاق. واليوم لا يشكك أحد في أن هذه المدينة المترامية بمحاذاة بحيرة ليمات أصبحت فعلا عاصمة الفن المعاصر في سويسرا. صحيح أن بازل تحتضن معرض "آرت بازل" الذي تحول إلى ناد فنّي عالمي، لكن الأروقة الفنية وقاعات العروض المتوفّرة في هذه المدينة محدودة جدا. أما جنيف، فإنها تركز أكثر فأكثر على مجال المجوهرات، على حد قول أحد المراقبين للساحة الفنية يفضّل عدم الإفصاح عن هويته.



تقاليد زيورخ.. و"نموذج بازل"
تشير كلوديا جولّيس، رئيسة تحرير "مجلّة الفنون" السويسرية إلى أن "سنوات التسعينات شهدت ازدياد عدد المعارض، في كل مكان، وليس في زيورخ فحسب"، ولكن لزيورخ تقاليد وسبق في هذا المجال. وتضيف هذه العالمة جيّدا بالمجال: "خلال الحرب العالمية الثانية، استقرّ عدد من تجار الأعمال الفنية في المناطق المحاذية لبحيرة ليمّات، لذلك لم يكن تطوّر الفضاء الفني في هذه المنطقة أمرا مفاجئا".

وبحسب الخبير الذي تحدثنا إليه، والذي يفضّل عدم ذكر إسمه، يقوم مركز Lowenbraukunst اليوم بدور ريادي، ويضيف أن "وجود المتاحف وأروقة العرض في نفس المكان إيجابية كبرى وميزة مهمة تشجّع تجّار الأعمال الفنية، خاصة وأن هذا المركز قريب جدا من المطار".

ومع أن الخواص هم الذين بادروا بإطلاق هذا المشروع، فإن بلدية زيورخ، التي يسيطر على مجلسها المحلّي تحالف يساري من الخضر والإشتراكيين، كان نشطا جدا في هذا المشروع في مرحلة ثانية تحت مسمّى "الإقتصاد الفني ابتكار وإبداع"، والذي يشكّل 7.7% من اجمالي الناتج المحلي بالمدينة مقابل 4,2% على المستوى الوطني. وفي سياق شرحها لأسباب هذا الإهتمام بالجانب الفني، تقول روث غينّر: "نريد أن نحدث توازنا جديدا في المدينة، ليس فقط (من خلال) الإعتناء بالبنى التحتية، بل وأيضا بجعل الحياة الفنية حاضرة بقوة".


متحف بيت الفن في زيورخ.. عندما يصبح الفن وطناً وهوية

ثنائي المتاحف - أروقة العرض
بدت جهود ماغا هوفمان من بازل ومؤسستها "لوما" حاسمة بالنسبة لمركز Löwenbräukunst للفنون المعاصرة والتي وفّرت له فضاءات، ومنحا لصالح المرشدين والمرشدات المتعاونين والمتعاونات مع المركز. وبحسب ما يقول البعض، قامت كوفمان بجلب "نموذج بازل" إلى زيورخ. فما يعرف عن "نموذج بازل" هو ارتباطه بالخواص، وتميّزه بالتحفّظ، وتجنّب المغامرة. في المقابل، كان العمل الفني في زيورخ تقليديا على صلة وثيقة بنسيج الشركات والدوائر الإقتصادية، كما كا شديد التركيز على القيم التي أثبتت جدارتها والحاسمة.

في الأثناء، تشير كلوديا جولّيس إلى أن "الحضور المتزامن لصالونات العرض وللمتاحف يسمح بخلق ديناميكية جديدة. ويُسبغ على زيورخ خاصية كونها مدينة الثقافة. فضلا على أن هذا التنوّع يسمح بالتقليل من التوجّس التي يصاب به جزء من الجمهور الذي يزور المتاحف، ومن الإنزعاج الذي يصيب البعض لدى التفكير في دخول أروقة العرض".

المنافسة؟
تحالف القيم الجمالية الخالدة، من مؤسسات ومعارض دولية رئيسية كمؤسسات إيفا بريزنهوبر، أو هاوزر – فيرث، او بوب فان اورساو، وشبّان أثبتوا جدارتهم بعيدا عن الأنظار مثل جون- كلود فرايموند –غوث، الذي يجد تناسقا في المشهد حيث يلتقي القديم والجديد في وئام وتناسق.

ولكن، هل يمكن أن تتضرر بقية أروقة العرض في المدينة من جاذبية وإشعاع هذا المركز الجديد للفنون المعاصرة؟ تجيب كلوديا جولّيس: "ما سيحصل هو العكس، سيكون هناك المزيد من الزوّار في كل المؤسسات. المشهد في زيورخ مشكّل من عوالم مصغّرة، والديناميكية غالبا ما تكون بدايتها من أحد المشاهد (التي لا تجلب إليها الأنظار في البداية)، وهذه العوالم المصغّرة لم تختفي لأن البعض منها أصبح أكثر شهرة وتحت الأضواء".

فمركز «Lowenbraukunst» الذي بدأ هو نفسه كأحد مكوّنات الطيف الهامشي، استطاع في النهاية افتكاك موقعه. أما اليوم فقد قرّر العارض مارك مولّلر الذي لا تبتعد قاعة عروضه سوى خمس دقائق عن مركز الفنون الجميلة الجديد عدم إستئجار أي فضاء للعرض داخله، وقال موضحا أسباب ذلك: "بالإضافة إلى معلوم الإيجار المرتفع جدا بحسب رأيي، أفضّل الإحتفاظ بمسافة تفصلني عن هذا المركز. فالزوار الذين يأتون إلينا، لم يقوموا بذلك بمحض الصدفة. ولكننا نستفيد جميعا من وجود مركز "Lowenbraukunst".

في الإنتظار، تعترف كل من جنيف وبازل بالريادة لزيورخ في سوق الفنون المعاصرة. وتشير كاتي- كينيدي بيراز، من رواق "فليب دي بوري ورفاقه" بمينة جنيف إلى أن "انخراط الخواص، الذين لا يكتفون بإنتظار أن يتحمّل القطاع العام كل الثقل، يلعب دورا مهمّا في زيورخ. ولكن التآزر والتفاعل الناتج عن التعاون بين المؤسسات العامة والخواص والذي نمارسه نحن أيضا في جنيف من خلال التعاون مع جمعية Quartier des Bains، مفيد جدا بلا ريب".

المصدر : سويس إنفو - أريان جيغون - زيورخ : هنا



أيضا ،، ننصح بزيارة (هـيـكـل جديد للفن المُعاصــر) هنا