يتخذ بعض المتلاعبين عديدا من الممارسات لبيع الأوهام، واستغلال المرضى، تحت سِتار الرقية الشرعية وبيع العطارة والأعشاب، دون رقابة أو تصريح رسمي، حيث يُستغل كثير من الناس في عالم لبيع الأمراض والأوهام، وترويج الخرافات والدجل.

تُمارس بسرية تامة عبر وسطاء في «دهاليز» مخيفة تفتقر للنظافة



الطويرقي: معظم من يذهبون للرقاة يعانون الانفصام والاكتئاب والاضطرابات الشخصية.


وتُمارس الرقية على شريحة ليست بالقليلة من مجتمعنا، معظمهم من المرضى النفسيين أو المصابين بداء السكري أو ضغط الدم المرتفع، وتحت مسمى الرقية الشرعية يتم استغلالهم، بالنفث عليهم وبيعهم زيوتا ومياها ربما حملت إليهم عديدا من الأمراض كالكبد الوبائي، أو السل.

وتتم هذه الممارسات داخل دهاليز مخيفة تفتقر إلى أبسط أساليب النظافة، في سرية تامة وملتوية عبر وسطاء حيث لايمكن الوصول إليهم لأنهم يتنقلون من مكان إلى آخر، وتحت ستار الليل، وهم تحت غطاء بيع العطارة والأعشاب، يمارسون عملهم «غير النظامي».. لتبدأ رحلة الشك والوسواس لدى من قصدهم، فمن أصيب بالانفصام الشخصي، يعالج على أنه «مُس جان» ويضرب ضرباً قد يؤدي إلى إزهاق روحه، لأنه مصاب بالمس، وإن كانت امرأة فهي مصابة بالعين التي دخلت فيها في أحد احتفالات أسرتها، أو أنها عقد لها سحر من أحد المقربين .. زيوت ومياه وبخور تصل أسعارها إلى حد عشرات الآلاف، وعالم مخيف، وجب على المجتمع محاربته ليميز فيه أهل الحاجة الرقاة الشرعيين من المستغلين، «الشرق» دخلت هذا العالم وزارت خمسة من «الرقاة» في هذا التحقيق .. فإلى ثناياه..

500 ريال للرقية
أصرت أم خالد، التي تسكن جنوب الرياض على أخذ 500 ريال عن الرقية، وبعد جهد اقتنعت بمائة ريال وقرأت أم خالد على محررة «الشرق» بعض آيات من القرآن ومن ثم النفخ بصوت عال، وقالت لها «أنت مصابة بالعين !!!وتم الاتفاق مع المحررة على الرقية كل يوم بعد المغرب لمدة شهر وأثناء الجلوس في انتظار الدور للرقية توجد سيدات يحملن أطفالا رضعا، وسيدات كبيرات، وفتيات.

ضيق في التنفس وصداع
تقول البندري (سيدة في مشارف الخمسين تعاني من الضيقة) – حسب قولها – «أشعر بضيق في التنفس وصداع وسقوط للشعر وأحب العزلة وأكره الاختلاط بأولادي، وقد أتيت لكي أرقي نفسي عند تلك السيدة منذ أسبوعين، وقد وصفت لي الماء المقروء عليه والزيت والبخور والسدر، وقد قالت لي أنت مصابة بسحر» ، وعندما سألناها هل تحسنت حالتها قالت «لا» ولكن «لسه بدري عشان تبين أثر القراءة علي» ..

إصابة وخوف من العين
وأتت أم فهد (سيدة مسنة) لكي تتعالج من الضغط والسكر حتى لا تأخذ الدواء فهي تعتقد أنها مصابة بالعين وجميع أبنائها، كما حضرت شابة في مقتبل العمر معها طفل في الأشهر الأولى من عمره لِرقيته عند تلك السيدة خوفاً عليه من أن يكون مصابا بالعين ..

رقية في ظلام الليل
ويغلق (أبوعبدالله) الأنوار فهو شخص يرقى في الظلام معتمداً على النور المنبعث من الممر الخارجي، وعلى كرسي بعيد جالس يتلو الرقية بصوت منخفض لمدة عشر دقائق يعطي الماء ويطلب الحضور في الغد لإكمال الرقية، أبو(عبيد) يصر على شرب المريض للمياه في كأس لا يعلم مصدرها أو مدى نظافتها وبعدها قام بتلاوة آيات يكاد يحفظها ويسأل عن الاسم واسم العائلة، ليعطي بعدها مياها ذكر أنها من زمزم وأنه قرأ فيها الرقية الشرعية ..

والغريب أنه لايمكن الوصول إلى أبوعبيد إلا بعد جهد حيث تمت مواعدتنا بعيداً عن بيته وتم أخذنا بطريقة ملتوية، أبوعبيد يتقاضى عن الجلسة الواحدة للرقية ثلاثة آلاف ريال (3000) بزعم أنه يستخرج الجان أو المس من مرضاه، أما أم سارة سيدة في الخامسة والأربعين تأتي إلى منازل المرضى وتتقاضى مبالغ ضخمة تتراوح بين عشرة إلى خمسة عشر ألفا لقاء الرقية والماء والعسل.

ضرب وكي بالنار

وسردت سيدة تدعى نورة قصتها قائلة إن لها أختا كانت تذهب إلى أحد ممارسي الرقية بصفة غير رسمية في شمال المملكة وقد كانت تعاني من ضيق في التنفس وتحب الانطواء وقد أخذها أهلها إلى أحدهم كان يضربها ويكوي جسدها بالنار بدعوى أنها مصابة بمس أي »مسكونة بالجان» حتى أنها لازمت الفراش من قوة الضرب وعلى مشهد من أسرتها انهارت ثم تم أخذها إلى إحدى الدول المجاورة وتم الكشف عليها وتبين أنها تعاني من الغدة الدرقية وانسداد في الصمام وتم إجراء عملية قسطرة لها للقلب وأخذ دواء الغدة وهي الآن بخير ولله الحمد وكانت تعاني من دجل ذلك الرجل.

وضع ضوابط سليمة للرقية
وقال استشاري الطب النفسي في الحرس الوطني بالرياض الدكتورجمال الطويرقي، « لقد كان للدولة جهود تشكر عليها إذ صدر أمر ملكي بأن تقوم إمارة المنطقة أو من يقوم مقام أمير المنطقه بتشكيل لجنة من المختصين في هذا المجال لتختار من هو مؤهل ليمارس الرقية الشرعية في أماكن مناسبة وتحت أنظار وملاحظة الإمارة وتحت ظروف تختارها الإمارة ومن يريد العمل بالرقية الشرعية عليه أن يأخذ الترخيص. ولكن هناك شريحة تمارس هذه المهنة دون أخذ الموافقة الرسمية، ودون مراعاة للأخلاق الإسلامية والقيم الاجتماعية التي تربى عليها المجتمع السعودي، أما الشريحة التي تلجأ إليهم فهم في الغالبية من المرضى النفسيين أو المصابين بمرض مزمن أو المصابين بالقلب والضغط والسكر ومن يأسوا من علاجهم وقد بدأت هذه الشريحة باستغلال هؤلاء المرضى فالطبيب يعمل بترخيص والمعلم والصحفي وكل مهنة إلا الرقية الشرعية وينبغي وضع ضوابط لها لكي تمارس بالطريقة السليمة.

انفصام واكتئاب واضطرابات شخصية
وأضاف الطويرقي «معظم من جاءوا لي بعد أن ذهبوا إلى هؤلاء هم مرضى يعانون من الاضطراب النفسي (الانفصام) واضطراب المزاج الوجداني (الاكتئاب) والاضطرابات الشخصية الحادية الممثلة في الشخصية الهيستيرية أو الحادية، وقد نضطر في احيان كثيرة ليس للعلاج النفسي فقط وإنما للعلاج الجسدي والنفسي معاً وذلك لترميم ما يحدثه هؤلاء من إيذاء جسدي ولا نقول إلا إنه يجب أن يرعى هؤلاء الله في المرضى وعدم استغلالهم بشكل يسيء لهم وإلى أجسادهم. كما أتمنى تطبيق ترخيص الرقية الشرعية على كل من يمارسها.»

لعب بالعقول وبيع الوهم
وحذرت الاختصاصية الاجتماعية هيفاء السويدان من الدجالين، مشيرة إلى خطرهم الكبير على المجتمع مبينة أنهم أخطر من الأمراض الفتاكة لأنهم يلعبون بعقول الناس ويبيعونهم الوهم ويدفعونهم إلى الوسواس والتهيؤات، وأضافت وهم خطر على المجتمع وربما من يذهب إليهم مريض بمرض يحتاج إلى الدواء مثل مرضى السكري ويحتاج إلى متابعة علاجه وليس انقطاعه عن الدواء. وأخطر مايعملون به هو العبث بعقول مرضى يائسين من الشفاء أو هم مرضى نفسيون يعانون من أمراض تمس أرواحهم وهم يرتاحون لتلاوة القرآن ويستطيعون رقية أنفسهم بأنفسهم أو من أحد الموثوق بهم لِرقيتهم وعدم هدر صحتهم وعافيتهم الجسدية والنفسية مع أشخاص يريدون الكسب المادي فقط على حسابهم. ولو نظرنا إلى المبالغ المهدرة لوجدنا أنها مبالغ تفوق الخيال وترهق الأسرة خاصة أسر ذوي الدخل المحدود، والمريض أحق بأن يرقي نفسه ويحتسب الأجر من الله والعافية. ويجب أن تراقب تلك الأماكن لأنها تحمل أمراضا منها أمراض الكبد والسل وغيرها .

أصدر دليلاً يساعد على رقية الشخص لنفسه

الجريسي: مخالفات الرقاة كثيرة .. وبعضهم سحرة يسيئون لـ «الرقية» وأهلها


خالد الجريسي

أكد الباحث الشرعي والراقي الداعية الشيخ خالد الجريسي أن المخالفات التي تحدث من الرقاة كثيرة، منها ما يدخل في الجانب الشرعي وآخر سلوكي وثالث تجاري بحت، مبينا أن الرقابة على الرقاة الشرعيين ما زالت دون المستوى .

وشدد الجريسي في حديثه لـ»الشرق» على أن إخلاص النية لله والعلم الشرعي الصحيح والاستقامة على المستوى السلوكي والأخلاقي من أهم سمات الراقي الشرعي .

وكشف الجريسي عن أن كثرة المخالفات التي تحدث من قبل الرقاة دفعته للعمل على تجهيز دليل مصور متكامل عن الرقية الشرعية وذلك للحد من المخالفات التي تحدث أثناء الرقية من بعض الرقاة.

وأفاد الجريسي أن الدليل سيكون شاملا بطريقة الرقية لكل الحالات ومدعوما بالتصوير الفوتغرافي للرجال والرسم التقريبي للنساء، مبينا أن ملاحظاته لكثرة المخالفات التي تحدث من الرقاة جعلته يعد لهذا المشروع الذي سيوفر على الناس السؤال عن الرقاة والبحث عنهم.

وقال الجريسي «للأسف الشديد لاتوجد ضوابط كافية لعمل الرقاة، فقد ترك لهم الحبل على الغارب وكان نتيجة ذلك كثرة المخالفات الشرعية التي نقرأها يوميا فكم سمعنا عن راق يعتدي على فتاة أو امرأة.»

وأكد الجريسي على أهمية تنظيم الرقية وتثقيف الناس بحيث لايذهبون لكل من هب ودب ممن يدعون الرقية وهم كاذبون، وأشار الجريسي إلى أنه سمع كثيرا عن رقاة ولكن لا أحد يعلم عن علمهم وهل هم مرخصون أم لا. ولفت الجريسي إلى أن بعض الرقاة لايعطي سوى كنيته ولايعرف الناس أين يسكن ولاعنوانه مما يجعل الشبهات تحوم حوله، مشددا على أن بعضهم لهم أهداف دنيوية رخيصة ويستغلها من خلال ادعائه الرقية، مؤكدا أن بعضهم سحرة وليسوا رقاة وبالتالي يسيئون للرقية وأهلها.

وبين الجريسي أن الرقية الشرعية علم مستقل وتخصص لايعلمه كل الناس، وأفاد أنه ليس كل شيخ راقيا وليس كل راق شيخا، مستدلا على ذلك بوجود علماء كبار في الفقه والحديث والتفسير لكن لاعلاقة لهم بالرقية وممارستها.

وطالب الجريسي بضرورة فتح أقسام في كليات الشريعة في الجامعات السعودية لتأهيل الرقاة بشكل شرعي وسليم، داعيا لضرورة أن توضع حدود وضوابط للرقية والرقاة للحد من التجاوزات التي تحدث من بعض الدخلاء على هذه المهنة.


المصدر : الشرق - الرياض, جدة - منيرة المهيزع, نعيم تميم الحكيم

.