وجهت جميع التقارير الإعلامية تقريبًا اللوم إلى النينيا عندما ابتلعت الفيضانات - الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة في جنوب إفريقيا وأستراليا وسريلانكا - مساحات شاسعة من الأراضي. وتصف وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) النينيا بأنها «ظاهرة التفاعل بين المناخ والمحيط».
ط¸ط§ظ‡ط±ط© ط§ظ„ظ†ظٹظ†ظٹظˆ (2).jpg
وفي تقرير لها، ألقت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) نظرة على ظاهرة النينيا وماهيتها، وكيف تؤثر على الطقس في العالم وما إذا كان بالإمكان ربطها بالظواهر الجوية المتطرفة التي نشهدها حاليًا.
ما هي النينيا؟
النينيا La Nina هو الاسم الذي يطلق على انخفاض درجات حرارة سطح المنطقة الاستوائية الوسطى والشرقية للمحيط الهادئ الذي يحدث كل عامين إلى خمسة أعوام ويلاحظه أولًا سكان المناطق الساحلية في البيرو.
وأشار الكاتب العلمي بوب هنسن والعالم كيفين ترينبيرث من مؤسسة أبحاث الغلاف الجوي في الولايات المتحدة إلى أنه «في الشهور الأولى من كل عام يؤثر عادة تيار دافئ متجه جنوبًا على المياه الباردة (في المنطقة الشرقية للمحيط الهادئ)».
وقد لاحظ السكان أيضًا أنه كل بضع سنوات عندما يبدأ التسخين مبكرًا في ديسمبر يكون التيار أقوى ويدوم لمدة عام أو عامين. وهم يطلقون عليه اسم النينيو أو «المسيح الطفل». ولكن بعد ذلك تبرد المياه مرة أخرى في ظاهرة يطلق عليها اسم النينيا أو «البنت الطفلة».
وقد اكتشف الباحثون لاحقًا أن الظاهرة حدثت على نطاق أوسع بكثير وأثرت على معظم المناطق المدارية في المحيط الهادئ. ويشكل المحيط الهادئ أكبر مساحة من المياه على الأرض وله تأثير هائل على المناخ العالمي.
ولم يتم إدراك تأثير النينيو والنينيا على الطقس سوى بصورة تدريجية، إذ إن أجزاء من تأثير التفاعل بين المحيط والهواء على أنماط سقوط المطر على الأرض والطقس قد بدأت تتكشف. وقد بدأ ذلك بعمل اثنين من العلماء اللذين كانا يدرسان سقوط الأمطار الموسمية في الهند المتبوعة بالجفاف في بدايات القرن الماضي. وذكر مرصد الأرض التابع لوكالة ناسا أن سير جيلبرت وكر وجد تباينًا متأرجحًا في الضغط بين المنطقة الشرقية والغربية للمحيط الهادئ.
«ووجد وكر أنه عندما يكون ضغط الهواء مرتفعًا في منطقة داروين بأستراليا (غرب المحيط الهادئ) يكون ضغط الهواء منخفضًا في تاهيتي (في شرق المحيط الهادئ) وعندما يكون ضغط الهواء منخفضًا في داروين يكون الضغط مرتفعًا في تاهيتي». وقد أطلق على هذا الضغط المتأرجح اسم التذبذب الجنوبي.
وفي الستينيات، أدرك ياكوب بياركنس، وهو عالم أرصاد جوية نرويجي، أن تباين الضغط أثر على أنماط سقوط الأمطار وعلى الطقس. وقد علل ذلك بأن الفرق في الضغط دفع الرياح غربًا حاملة معها الرطوبة من المحيط مما يؤدي إلى سقوط أمطار موسمية غزيرة على إندونيسيا. وقد أطلق على هذه الظاهرة دوران وكر نسبة لسير جيلبرت.
وقد لاحظ بياركنس أنه أثناء أحوال النينيو عندما تكون المياه شمال البيرو دافئة يكون ضغط الهواء السطحي أقل نتيجة لذلك. وذكرت الأكاديمية الأمريكية للعلوم على موقعها الإلكتروني أن فرق الضغط بين الشرق والغرب يضعف وكذلك تضعف الرياح التجارية غربًا.
وأضافت أنه «بينما تتعثر الرياح يرتفع الهواء الدافئ الرطب فوق المنطقة الوسطى للمحيط الهادئ بدلًا من المنطقة الغربية الأبعد، الأمر الذي يسرق فعلًا الأمطار الموسمية من الهند وإندونيسيا ويُنتج عواصف ممطرة تضرب السواحل الغربية لأمريكا الشمالية والجنوبية».
وأثناء فترة النينيا يحدث العكس حيث تصبح الرياح التجارية أقوى وتجلب المزيد من الأمطار إلى آسيا.
ما هو التأثير على الصعيد العالمي؟
لا تزال ظاهرتا النينيا والنينيو قيد الدراسة ولكن العلماء تمكنوا من رسم خريطة لأنماط الطقس التي تتم ملاحظتها أثناء كل حدث.
ولا يمكن القول إن أيًا من الظاهرتين هي السبب في أحداث الطقس الفردية المتطرفة. فيجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار تأثير العوامل الأخرى مثل ظواهر الطقس المحلية الغريبة في الغلاف الجوي أو الظروف البحرية في ذلك الوقت.
ولكن بصفة عامة يزداد سقوط الأمطار أثناء أحداث النينيا في أنحاء المنطقة الغربية الاستوائية للمحيط الهادئ التي تغطي شمال أستراليا وإندونيسيا من ديسمبر إلى فبراير والفلبين من يونيو إلى أغسطس، طبقًا لما ذكرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وتشهد منطقتا جنوب آسيا وجنوب شرق أستراليا أيضًا هطول أمطار أعلى من المعتاد.
من جهة أخرى، تكون الأمطار غائبة تقريبًا في المنطقة الاستوائية الشرقية للمحيط الهادئ. فمن يونيو إلى أغسطس يواجه وسط الأرجنتين وجنوب البرازيل ظروفًا جوية جافة وكذلك الحال في سواحل الإكوادور وشمال غرب البيرو خلال الفترة بين ديسمبر وفبراير.
وعادة ما تسجل منطقة شرق إفريقيا الاستوائية ظروفًا أكثر جفافًا من المعتاد في الفترة من ديسمبر إلى فبراير. ولكن منطقتي شمال أمريكا الجنوبية وإفريقيا الجنوبية تميلان إلى أن تكونا أكثر رطوبة من المواسم الطبيعية خلال الفترة من ديسمبر إلى فبراير.
وخلال السنوات، اكتشف العلماء أيضًا أن أحداث النينيا تغذي انحرافًا واسع النطاق عن المعتاد لدرجات الحرارة في جميع أنحاء العالم مع مواجهة معظم المناطق المتأثرة لظروف باردة غير معتادة.
وقد تم تسجيل درجات حرارة أقل من المعدل الطبيعي خلال الفترة من ديسمبر إلى فبراير في جنوب إفريقيا واليابان وجنوب ألاسكا وغرب ووسط كندا وجنوب شرق البرازيل في حين ارتفعت درجات الحرارة في ساحل خليج الولايات المتحدة.
وفي المنطقة الاستوائية شمال المحيط الأطلسي تم تسجيل موسم أعاصير نشط من يونيو إلى نوفمبر.
وتواجه الهند وجنوب شرق آسيا فصول صيف أبرد في الفترة من يونيو إلى أغسطس. كما يصبح الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية وخليج منطقة غينيا في غرب إفريقيا وشمال أمريكا الجنوبية وأجزاء من أمريكا الوسطى أكثر برودة.
هل يمكن ربط أحداث الطقس المتطرفة بالنينيا؟
كان عام 2010 أكثر الأعوام التي تشهد فيها أستراليا هطولًا للأمطار منذ عام 2000 وثالث أكثر الأعوام هطولًا للأمطار على الإطلاق، طبقًا لمكتب الأرصاد الجوية الأسترالي الذي ربط الموجة الأخيرة من الأمطار الغزيرة بالنينيا. وقالت الحكومة أن تكلفة التعافي من الفيضانات الناتجة ستصل إلى مليارات الدولارات.
وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في مذكرة تم إعدادها بالتعاون مع معهد البحوث الدولية للمناخ والمجتمع في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة أن الأمطار الغزيرة في إندونيسيا والفلبين وتايلاند كانت أيضًا مماثلة للنينيا.
ولا توجد علاقة واضحة بين النينيا والأمطار الغزيرة الأخيرة في سريلانكا حيث سجلت أجزاء من البلاد سقوط أمطار غير مسبوقة مسببة فيضانات وانهيارات أرضية ألحقت أضرارًا بأكثر من 835.575 شخصًا، طبقًا للمركز الحكومي لإدارة الكوارث.
وقال مكتب الأرصاد الجوية البريطاني في بيان له، مشككًا في العلاقة بين النينيا وهطول الأمطار الغزيرة في سريلانكا، إن ظاهرة النينيا الحالية تمتد غربًا أكثر من المعتاد وهذا مرتبط بالتحول نحو الغرب في أنماط هطول الأمطار في المنطقة. وسريلانكا على الحافة الغربية لهذه الأمطار».
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن ظاهرة النينيا ترتبط بنقص هطول الأمطار في منطقة شرق إفريقيا الاستوائية، ويعتقد أن السبب في الجفاف الحالي في الصومال وشمال كينيا هو تأثير النينيا.
وفي جنوب إفريقيا، أودت الفيضانات والبرق والعواصف المصحوبة بأمطار غزيرة في الأسابيع القليلة الماضية بحياة 41 شخصًا وألحقت أضرارًا بالآلاف في 33 دائرة بلدية. وقال كوبس أوليفر، وهو عالم في هيئة الطقس بجنوب إفريقيا إن السيول الناجمة عن الأمطار الأكثر غزارة من المعتاد كانت «في الغالب بسبب النينيا». ويتوقع أوليفر أن يتم الشعور بالتأثير محليًا لمدة ستة أشهر أخرى.
وقد توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن يتباطأ الأثر العالمي للنينيا في الربع الثاني من عام 2011 حتى أبريل أو بداية مايو ولكن من المرجح أن تتضاءل قوة الحدث خلال الأشهر الأربعة القادمة.
هل هذه النينيا الأكثر شدة؟
تقاس قوة النينيا بمؤشر خاص بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية – وهو متوسط ثلاثة أشهر للخروج عن القاعدة في درجات حرارة سطح البحر في منطقة تشهد أحداث النينيو/التذبذب الجنوبي. وطبقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية فإن النينيا الحالية هي من أقوى أحداث النينيا المسجلة في القرن الماضي.
وقد أشار مكتب الأرصاد الجوية الاسترالي إلى أن الحدث الحالي تم تجاوزه بالنينيا الذي حدث في 1917-1918 بينما جاء النينيا الذي حدث في 1975-1976 في المرتبة الثالثة. كما أشارت العديد من المؤشرات الأخرى إلا أن أحداث النينيا في 2010-2011 و 1975-1976 و 1955-1956 و1988-1989 كانت بين أقوى الأحداث على الإطلاق.
المصدر : العربي العلمي - العدد الثاني - يونيو 2011 - أحمد خضر
مواقع النشر