السلام عليكم
منذ أن أكرم الله هذه الأمة ببعثة نبيه محمد وأفواج الدعاة والمصلحين يتعاقبون فيها، علماء مخلصون، ومربون ربانيون من خلفاء رسول الله الراشدين، وورثته من العلماء العاملين داعين إلى الحق، حاكمين بالقسط، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر .
إن العناية بسِيَرهم، والتذكير بهم وهم مصابيح الهدى التي أضاءت الطريق، بل حولت مجرى التاريخ في ديارها، وأورثت تحولات فكرية كبرى في عقولها إن ذلك مما يجب أن تنصرف إليه الهم، ويعتني به الموجهون، ويذكر به المذكرون.
أيها المسلمون:
يقول الله جل وعلا: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) إن ممن رفعهم الله أهل العلم العاملين الذين هم أركان الشريعة وأمناء الله في خلقه فهم ورثة الأنبياء وقرة عين الأولياء وبهم تحفظ الملة وتقوم الشريعة، ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الضالين، فلله درهم وعليه أجرهم ما أحسن أثرهم وأجمل ذكرهم، رفعهم الله بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل، حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة، يََُّذكرون الغافل، ويُعَّلمون الجاهل، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، هم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا.
إن الله تعالى قد فرض لأهل العلم الراسخين والأئمة المرضيين حقوقا واجبة وفروضا لازمة من أهمها محبتهم وموالاتهم وذلك أنه يجب على المؤمن محبة المؤمنين وموالاتهم فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض قال ابن تيمية رحمه الله: " فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله، موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن خصوصاً العلماء الذين هم ورثة الأنبياء " أ.هـ كلامه رحمه الله.
فحب أهل العلم والدين قربة وطاعة فإذا رأيتم الرجل يذكر أهل العلم بالجميل ويحيَّهم ويقتدي بهم فأمَّلوا فيه الخير، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم .
ومن حقوق أهل العلم : احترامهم وتوقيرهم وإجلالهم لأنه من إجلال الله تعالى وتوقيره، ومن حقوقهم: الذب عن أعراضهم وعدم الطعن فيهم فإن الطعن في العلماء العاملين والأئمة المهديين طعن في الشريعة الدين وإيذاء لأولياء الله الصالحين، ومجلبة لغضب الله رب العاملين الذي قال: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) [رواه البخاري]
ومن حقوق علماء الشريعة حفظة الملة: طاعتهم فيما يأمرون من الدين فإن الله تعالى قد أمر بطاعتهم في محكم التنزيل يقول جل وعلا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وأولوا الأمر هم العلماء بالشرع والأمراء في الخلق فالعلماء يطاعون فيما يرجع إليهم من العلم والدين، ومن ذلك الرجوع إليهم فيما يشكل على الناس من أمر الدين، قال جل وعلا: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [الأنبياء:7].
فإلى العلماء الرجوع عند التباس الأمر وخفائه، فما حكموا به فهو المقبول المسموع إذ أن كتاب الله عدتهم والسنة حجتهم ورسول الله قدوتهم.
إن من حقوق فقهاء الإسلام وعلمائه أن يؤخذ بالصحيح من أقوالهم فلا يتبع أحد من العلماء إلا حيث كان متوجها نحو الشريعة قائما بها حاكما بأحكامها جملة وتفصيلا، فإذا خالف ذلك في شيء من أقواله وآرائه لم يؤخذ به فإن من أخذ بشواذ الأقوال ونوادر العلماء اجتمع فيها الشر كله.
هؤلاء هم العلماء وتلك بعض حقوقهم على أفراد الأمة فهل قاموا بها وهل عظموا في نفوسهم؟!
فإن نفع العالم يزداد أثره ويعظم عندما يحيط به الناس ويجتمعون حوله وينتفعون بعلمه، والعالم المحبب إلى الناس هو الذي لا ينتبذ مكانا قصيا ولا ينزوي في الزوايا ويتكأ في التكايا، العالم الحق المحبب إلى الناس هو من لا يعيش في برج عاجي مرتفع عن الناس وقضاياهم، بل هو رجل العامة المحبب إليهم المدافع عن قضاياهم، يخالطهم ويسعى في قضاء حوائجهم يسمع شكاياتهم ويصبر على التعامل معهم على كافة طبقاتهم وكثرة حاجاتهم، ينزل إلى عمق المجتمع فيعيش مع كل أفراده يسمع من كل ويسعى لكل.